stay connected

- Advertisement -
الكنيسة الكاثوليكية بمصر

construct design

Travel

أخبار الكنيسة

الرسالة البطريركية في عيد الميلاد

1.8kviews

anba_ebrahim_400

 

الرسالة البطريركية

في عيد الميلاد

باسم الآب والابن والروح القدس – إله واحد آمين .

من إبراهيم اسحاق

بنعمة الله ، بطريرك الإسكندرية وسائر الكرازة المرقسية للأقباط الكاثوليك ، إلى أخوتنا المطارنة والأساقفة ، وإلى أبنائنا الأعزاء القمامصة والقسوس ، الرهبان والراهبات والشمامسة ، وإلى جميع أبناء الكنيسة القبطية الكاثوليكية في بلاد المهجر ..

البركة الرسولية والسلام في المسيح،   مولود بيت لحم .

ميلاد المسيح مصالحة شاملة

“نسألكم باسم المسيح أن تتصالحوا مع الله” (2 قور 5: 20)

مقدمة :

          نصلي هذا المساء قداس عيد الميلاد متحدين مع قداسة البابا فرنسيس ومع أخوتنا البطاركة والأساقفة في الكنيسة الكاثوليكية في أنحاء العالم أجمع .

          ونصلي أيضاً مع شعوب العالم بعد أن احتفلت الكنيسة الكاثوليكية بختام السنة المكرسة لتعميق الإيمان ، وما الإيمان الحقيقي سوى المصالحة الشاملة ، مصالحة مع الله ، ومصالحة مع الإنسان الآخر وقبوله.  هذا ما يعبر بصدق عن حال العالم اليوم ، وعن حاجة كل إنسان إلى تجديد إيمانه ، وعن الرغبة الإنسانية العميقة في قبول الإنسان لأخيه الإنسان بعد أن مزقت الأسرة البشرية حروب في اغلب بلاد العالم . يشعلها التعصب المقيت ، والعنصرية المرزولة ، ويشيع الإرهاب في كل نفس بشرية الخوف والقلق ، فيقتل في الإنسان كل رجاء في الحياة ، فتنعدم الرؤية لينغلق الإنسان   على نفسه.   

          يأتي ميلاد المسيح ، كلمة الله الذي صار جسداً ، ليؤكد على قيمة الإنسان ، فلا عبادة حقيقية للخالق إن لم تحترم المخلوق ، ولا ايمان صادق إن لم يحترم الحياة . فالحياة لا تستقيم وملايين المطرودين من ديارهم ، والضحايا الأبرياء ، والظلم المتفشي في المجتمعات ، وفساد الضمير الذي يشكو منه البشر .

          بميلاد المسيح ، عمانوئيل ، أي الله معنا ، بدأت البشرية مسيرة جديدة ، هكذا أحب الله العالم حتى يحب كل إنسان عالمه ومجتمعه ، تنازل الله في كلمته وصار إنساناً ليعلن سمو الإنسان ، وسمو دعوة الحياة الإنسانية. إنها في الأساس دعوتنا في هذا العيد للمصالحة الشاملة: مصالحة مع الله، مع القريب، مع ذواتنا.

أولاً : ميلاد المسيح مصالحة مع  الله .                  

          بسقوط الإنسان في الخطيئة ، وبعد أن فقد العلاقة الحميمة مع الله ، بادر الرب ووعد الإنسان بمخلص يأتي من نسل المرأة ، هو الذي سيسحق رأس الحية. هذا المخلص هو ربنا يسوع المسيح، لن يعيدنا فقط إلى ما كان عليه الإنسان من قبل الخطيئة، بل سيمنحنا عمق الشركة الإلهية .

          فبعد أن خاطبنا الله بأمور وطرق متنوعة ، في ملء الزمان أرسل الله كلمته إلى البشر إذ يعلن الملاك جبرائيل للعذراء مريم : “المولود منك قدوس يدعى ابن الله” ( لوقا 1 : 35 ) ويبشر الملائكة الرعاة البسطاء الفقراء ” اليوم ولد لكم مخلص هو المسيح الرب ” ( لوقا 2 : 11 ) وينطلق المجوس الحكماء الأغنياء باحثين عن طفل يولد في بيت لحم ، إنه النور الإلهي الذي سيبدد ظلام الخوف والجهل ، إنه الحب الإلهي المتجسد الذي اشتهى يومه الأنبياء ، وكتب أشعيا النبي أنه سيقيم صلحاً بين الله والإنسان ، فصورة الله في العهد القديم ، المنتقم الجبار ، أضحت بعد مجيء المسيح صورة الخالق المتحنن على خليقته ، يقبل الأبن الضال ( لوقا 15 : 20 – 24 ) ويغفر كل خطاياه ، ويضمه إلى صدره في حنان بالغ . والعبادة في العهد القديم التي طغت عليها الطقوس الخارجية ، والمظاهر المادية ، أضحت عبادة الضمير والوجدان ، فالله يُعبد بالروح والحق ( يوحنا 4 : 23 ). لقد تمت المصالحة ، إذ كشف المسيح طبيعة الله ، فهي الحب الذي يفيض مغفرة.

          ولد المسيح حباً في الإنسان ، وعاش في خدمته ، ونشر تعاليمه ليقوده  إلى الحق والنور ، فالمسيح هو  نور العالم ( يوحنا 8 : 12) ساوى بين البشر جميعاً في الكرامة ، لا تمييز بين إنسان وإنسان بسبب الجنس أو الحسب أو العلم أو القوة ، طوب البسطاء وفقراء الروح والساعين إلى التقوى والقداسة ، صالح الإنسان مع خالقه بأن كشف له محبة الآب الخالق ، ورحمته الواسعة … ليس هناك شرح لسر التجسد إلا محبة الله للإنسان ، فقد تحققت نبؤات العهد القديم ، ولد المسيح ، فاتحدت السماء بالأرض ، وتنازل الله ليحتضن الإنسان ؛ تُرى أيدرك إنسان هذا العصر مدى حب الله له ؟

ثانيا: ميلاد المسيح مصالحة مع الذات

          إن في حضارتنا المعاصرة ثقباً خطيراً وهو التهاون بأمور الروح والفضيلة.  لقد نسينا أن نور العقل هو اشعاع من نور الخالق ، وأن قدرة العقل بعض من قدرة الخالق ، فأصبح ما يحققه الإنسان في مختلف نواحي الحياة سببا للغرور والكبرياء. فيفقده ذلك  الحس الروحي والرؤية الإلهية لمعنى الحياة والمصير. 

          في هذا الواقع يأتي عيد الميلاد ليذكرنا بان كيان الإنسان لا يتحقق إلا بمدى الاتحاد مع الله لا بمعزل عنه ، فلا صراع بين الله والإنسان ، ولكنه واقع الخطيئة الذي يفقدنا المصالحة مع ذواتنا :  “لان مجد الله هو الإنسان الحي، وحياة الإنسان رؤية الله” كما قال القديس إيريناؤس.

          إن ميلاد المسيح هو دعوة لنا كي نتصالح مع ذواتنا ، وتقوم هذه المصالحة في اعتراف الإنسان بخطئيته ، وقبوله سر المغفرة المجاني ،   هذه إمكانية ولادة جديدة وخلق جديد ، تسمح للشّخص بأن يحيا بطريقة جديدة مختلفة عمّا كانت من قبل. خلق جديد وليس مجرد تحسين سلوك أو تصرفات أو طبع إنساني ، خلق جديد بروح جديد وطبيعة جديدة ، تحيا في سلام مع الله ،   ومع الذات وترى في القريب صورة المسيح؛” فمن كان في المسيح فهو خليقة جديدة” ( 2 قور  5 : 17). هذه الولادة الجديدة ، التي نلناها بفضل المعمودية تنمو وتتجدد فينا من خلال مسيرتنا المستمرة، ككنيسة ،  في قبولنا سر الاعتراف. إنه غاية في  الأهمية أن نكتشف من جديد عظمة وقدرة هذا السر الذي ينمو   فينا مع سر الافخارستيا ثمرة عمادنا ويحققه.

ثالثاً : ميلاد المسيح مصالحة بين الإنسان والقريب .

          إن القضايا الإنسانية ينبغي أن تعالج تحت نور التعاليم الإلهية والشرائع السماوية بالاقتداء بالمسيح الكلمة . ينبغي ألا يتحول العالم إلى ساحة صراع بين الأقوياء والضعفاء ، والأغنياء والفقراء.

          جاءت مسيرة المسيح على الأرض خلقاً جديدا ً لعلاقة الإنسان بأخيه الإنسان.   فقيمة الإنسانهي في ذاته ، لا فيما يم لك من أسباب القوة والمال والسلطة.   لذا ولد المسيح في مغارة بعيداً عن كل مظاهر التملك ، عاش في أسرة متواضعة ومكافحة ، فانتمى هكذا إلى الإنسان العامل الشريف الذي يتعامل مع الطبيعة والمادة في صبر وثقة ، نابعين من ضمير نقي .   لقد حمل رسالته إلى الضمير الإنساني ، ليوقظه ،   فلا صلاح لإنسان إلا بصلاح ضميره ونقاء سريرته وتوهج روحه بالخير ، ولا صلاح لمجتمع إلا بوحدة أبنائه وترابطهم وتعاونهم عل ى الخير

          عاش المسيح حياته، عملاً وقولاً ليؤكّد على أنّ العبادة الحقيقيّة تذهب في عمقها لتتحقق في العلاقة بالقريب، فلا محبة حقيقيّة لله بدون محبة عمليّة للقريب. كثيرون ممن آمنوا حقا بالمسيح تبعوه فاختاروا بحرية وحب السير في درب ه يعيشون المصالحة مع كل إنسان ، فنجدهم في كل مكان يعلنون محبة الله المخلّصة و لا يبغون من وراء ذلك إلا الاقتداء بالمسيح والاتحاد به.  لقد أعلن المسيح ملكوت الله وعلّم المحبة التي تذهب حتى محبة الأعداء . فهو الذي قال؛ ” جعت فأطعمتموني، وعطشت فسقيتموني ومريضا فزرتموني وسجينا فجئتم الي، فكل مرة عملتم هذا لواحد من هولاء أخوتي الصغار فلي عملتموه” ( متى 25 : 34 – 40 ) . إن رسالة المسيح هي الاهتمام بالإنسان الآخر ، بل إن الدينونة ستقوم في التساؤل عن مدى تفاعلنا مع القريب وعن  من أهمل محبته ( متى 25 : 34 – 40 ).

          إن ميلاد المسيح فرصة لنا جميعا ، لنتساءل مع ذواتنا عن طريقة تعاملنا مع بعضنا البعض ، في عائلاتنا ، في وطننا ، تجاه الخير العام : هل محبة الله ومحبة القريب كوصية هي الأساس في تصرفاتنا ؟ هل هي الدافع الحقيقي للمصالحة واللقاء بالآخر؟ 

          لذا ننتهز احتفالنا بميلاد المسيح لنجدد هذه الوصية في حياتنا لنعيش مصالحتنا مع الله ومع ذواتنا والقريب.

          أحبائي ، ولد المسيح، افرحوا ، تصالحوا ، كونوا سفراءه أينما كنتم.

          ختاماً :

          في نهاية رسالتنا هذه، باسمكم جميعاً أتوجه إلى سيادة الرئيس عدلي منصور وكل معاونيه المخلصين ب الشكر والتقدير على جه و دهم ومحاولاتهم من أجل استقرار وأمن وطننا الحبيب مصر ، ونصلي أن يمنح الرب كل واحد في مكانه حكمة ونعمة وقوة للمثابرة في مسيرة بناء وطننا ، لكي تسترد مصر عافيتها ومكانتها ودورها اللائق بها.   

          كما نصلي من أجل قواتنا المسلحة ، ومن أجل رجال ال شرطة حراس الوطن وشهداء الواجب .

          نصلي أيضاً من أجل شعبنا المصري الأبي ، و كل الذين يحملون أمانة الواجب في إخلاص وتفان، من أجل كل أسرة شريفة مجاهدة تسهم في بناء إنسان يؤدي عمله في مخافة الله وحب الوطن ، لنصلي من أجل السلام في العالم أجمع وبالأخص في شرقنا الأوسط .

          بشفاعة أمنا مريم العذراء وصلاتها، ليهبنا مولود بيت لحم كيف يتحقق فينا الإنسان الحقيقي بكل معانيه.

“المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وفي الناس المسرة” (لو 1 : 14).

وكل عام وحضراتكم بخير

كوبري القبة – 25 ديسمبر  2013   

+ الأنبا إبراهيم اسحق

بطريرك الإسكندرية للأقباط الكاثوليك