الكاردينال أيوزو : علينا أن نعمل من أجل ثقافة إدماج وسلام
نقلا عن الفاتيكان نيوز
1 فبراير 2021
كتب : فتحي ميلاد – المكتب الاعلامي الكاثوليكي بمصر .
بالنظر إلى اليوم العالمي الأول للأخوة الإنسانيّة، يعيد رئيس المجلس البابوي للحوار بين الأديان التأكيد على الحاجة إلى الاهتمام بالمعوزين ويأمل أن تكون جائزة زايد ٢٠٢١ للأخوّة الإنسانية “علامة على التعاون المثمر بين أشخاص من مختلف الأديان في خدمة البشرية جمعاء”.
في الرابع من شباط فبراير سيُحتفل للمرة الأولى باليوم العالمي للأخوّة الإنسانية. تأتي هذه المبادرة التي تنظّمها الأمم المتحدة بعد عامين من توقيع “الوثيقة حول الأخوة الإنسانية” في أبو ظبي من قبل البابا فرنسيس وشيخ الأزهر فضيلة الإمام الأكبر أحمد الطيِّب. على هذا التاريخ يؤكد الكاردينال ميغيل أنجيل أيوزو غيكسوت، رئيس المجلس البابوي للحوار بين الأديان، أن “يولِّد الإرادة للعمل من أجل ثقافة سلام”، لأنه عندما ستنتهي الأزمة الناجمة عن وباء فيروس الكورونا “سوف ندعى لكي نخلق مجدّدًا ونسكن فسحات من الأخوة والتضامن”. بالنسبة للكاردينال أيوزو غيكسوت، يشكّل التوجيه الذي تقدمه الرسالة العامة Fratelli Tutti أمرًا أساسيًّا، لأننا مدعوّين في قراءتنا النص لتحمل “المسؤوليات الفردية والجماعية، في مواجهة النزعات والمتطلبات الجديدة على الساحة الدولية”.
في ٢١ من كانون الأول ديسمبر الماضي قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال انعقاد دورتها العامة الخامسة والسبعين، أن يُكرّس الرابع من شباط فبراير من كل عام يوماً دولياً للأخوة الإنسانية. من خلال تبني هذا القرار، دعت الجمعية العامة – كما جاء في بيان صدر عن الأمم المتحدة – البلدانَ الأعضاء إلى الاحتفال بهذا اليوم من أجل “تعزيز الحوار بين الأديان والثقافات”. وفي نصّ القرار عبّرت الجمعية العامة عن أمنيتها، إزاء أزمة لا سابق لها يواجهها العالم بسبب وباء فيروس كورونا، بأن يتم البحث عن “تجاوب عالمي يرتكز إلى الوحدة والتضامن وتعاون متجدد ومتعدد الأطراف”. أُطلقت الدعوة إلى بذل كل جهد، مدركين أن لا أحد ينجو لوحده، كي يُعزز الحوار بين الأديان والثقافات كما تمنت “وثيقة الأخوة الإنسانية من أجل السلام العالمي والعيش المشترك”، والتي وُقعت في العام ٢٠١۹ في أبو ظبي من قبل البابا فرنسيس والإمام الأكبر شيخ الأزهر أحمد الطيب. وإحياءً لذكرى التوقيع على الوثيقة وقع اختيار الأمم المتحدة على الرابع من شباط فبراير. لذا، ومن خلال النظر إلى خير البشرية برمتها، لا بد أن يحرّك الرابع من شباط فبراير الرغبة في العمل من أجل ثقافة سلامٍ تدعم جهود جميع الملتزمين لصالح قيم التسامح والاشتمال والتفاهم والتضامن، بما في ذلك الجماعة الدولية ومختلف التقاليد الدينية، خصوصا في هذا الزمن المطبوع بالجائحة. عندما ستمرّ هذه الأزمة، سنكون مدعوين إلى إعادة خلق وتمنية فسحات للأخوة والتضامن والسلام. ينبغي أن نولد من جديد، بعد هذه الجائحة، وأن نصير أفضل مما كنا في الماضي، ليس فقط على الصعيد الشخصي.
لقد ذكّرتَ بكلمات البابا في أكثر من مناسبة وقلتَ إن حياتنا وحياة جماعاتنا لا يمكن أن تُفصل عن حياة الآخرين. إننا نعتمد على بعضنا البعض. ما هو دور الأديان؟
للأديان دورٌ جوهري. يعلم الجميع أن الأب الأقدس ومنذ بداية حبريته أعطى قيمة كبيرة للعلاقات بين المنتمين إلى ديانات مختلفة، مسطراً أهمية الصداقة والاحترام. إن مؤمني التقاليد الدينية المختلفة، السائرين معاً في درب الحوار بين الأديان، قادرون فعلا على تقديم إسهامهم لصالح الأخوة الكونية في المجتمعات التي يعيشون فيها. فالمؤمن هو في الواقع شاهدٌ وناقلٌ للقيم القادرة على الإسهام في بناء مجتمعات أكثر عدلاً وصحة. الاستقامة، الأمانة، محبة الخير العام، التنبّه للآخرين، لاسيما الأشخاص المحتاجين، فضلا عن الإحسان والرحمة هي أسلحة تنتمي إلى الترسانات الروحية لمختلف الأديان. لا بد من اتخاذ خطوات ملموسة مع مؤمني الأديان الأخرى والأشخاص ذوي الإرادة الصالحة، على أمل أن نشعر بأننا جميعنا مدعوون لأن نكون – خصوصا في زمننا هذا – رسل سلام وصانعي الشركة؛ لنعلن – خلافا لمن يروّجون للصدام والانقسامات والانغلاق – أن وقت الأخوة قد حان. من منا لا يتذكّر كلمات الأب الأقدس مساء السابع والعشرين من آذار مارس ٢٠٢٠؟ “لقد أدركنا أننا موجودون على متن المركب نفسه، كلنا ضعفاء ونشعر بالضياع، لكن في الوقت نفسه إننا مهمون وضروريون، ومدعوون جميعا إلى التجذيف معا، كلنا محتاجون إلى المواساة المتبادلة”. إن الله هو خالق الجميع وكل شيء، لذا إننا أعضاء في عائلة واحدة، ولا بد أن ننظر إلى بعضنا البعض من هذا المنظار. هذا هو المعيار الأساسي الذي يقدمه لنا الإيمان بغية الانتقال من مجرد التسامح إلى التعايش الأخوي، وتفسير الاختلافات القائمة بيننا ونزع فتيل العنف والعيش كأخوة.
في شهر تشرين الأول أكتوبر الماضي نشر البابا فرنسيس رسالة عامة مخصصة للأخوة والصداقة الاجتماعية، ما علاقة هذا النص الموقّع في أسيزي مع اليوم الذي نستعد للاحتفال به؟
الرسالة العامة Fratelli Tutti تشكل دعوة ملموسة إلى الأخوة والصداقة الاجتماعية وتعني كل رجل وكل امرأة، مؤمنين كانوا أم غير مؤمنين. عندما نقرأ الرسالة نشعر أننا مدعوون إلى تحمّل مسؤولياتنا الفردية والجماعية إزاء ميول ومتطلبات جديدة على الساحة الدولية. أما اليوم الذي نستعد للاحتفال به فجاء – كما سبق أن ذكرت – ثمرةً لما تمنّته وثيقة الأخوة الإنسانية والتي تناولها البابا بشكل مسهب خلال صياغته لنص الرسالة العامة. لذا من الواضح أن ثمة صلة مباشرة بين الرسالة والمبادرة الدولية للأمم المتحدة، الهادفة إلى الترويج لرسالة الأخوة. يحثنا البابا فرنسيس، في Fratelli Tutti، على بناء مجتمع أخويّ يعزز التربية على الحوار من أجل القضاء على “فيروس الفردانية الراديكالية” (١٠٥)، وكي يُفسَح المجال أمام الجميع ليقدموا أفضل ما لديهم، مؤكدا أيضا أن لا أحد يجب أن يُحرم من الحق في العيش بكرامة، وبما أن الحقوق لا تعرف حدوداً، يجب ألا يُستثنى أي شخص، بغض النظر عن المكان الذي وُلد فيه (١٢١). فالأخوّة الإنسانية هي التي ستسمح لكل شخص بأن يجعل هذا العالم المجرّد من الإنسانية، حيث تطبع ثقافةُ اللامبالاة والجشع العلاقات بين الكائنات البشرية، قادرا على عيش تضامن جديد وكوني. إنه فعلا خيرٌ يذكّرنا – أقله مرة واحد في السنة – بأننا كلنا أخوة وأخوات!
إنك ترأس اللجنة العليا للأخوة الإنسانية التي شُكلت في آب أغسطس لسنتين خلتا. في أي اتجاه تعمل هذه اللجنة؟
أود أن أوضح أنني لستُ حالياً رئيسَ اللجنة العليا للأخوة الإنسانية التي شُكلت في آب أغسطس ٢٠١۹ وأُسندت إليها مهمة تطبيق ما جاء في “وثيقة الأخوة الإنسانية من أجل السلام العالمي والعيش المشترك”. لدى تأسيسها اتُخذ قرار بالتناوب بين الكرسي الرسولي والأزهر. كان لي شرف أن أترأس اللجنة في السنة الأولى. واليوم تتألف اللجنة من قادة دينيين وعلماء ومسوؤلين يمثلون ثقافات العالم، ينتمون إلى المسيحية واليهودية والإسلام، يستلهمون من هذه الوثيقة ويكرسون أنفسهم من أجل نشر مُثل السلام والاحترام المتبادل الواردة فيها. فالعمل يتم في هذا الاتجاه وقد أُطلقت مبادرات مختلفة. وأتذكر مبادرتين بنوع خاص. نظرا للصلة القائمة مع اليوم العالمي للأخوة الإنسانية، أتذكر أن أعضاء اللجنة التقوا في نيويورك يوم الرابع من كانون الأول ديسمبر ٢٠١۹ بالأمين العام للأمم المتحدة António Guterres ليسلموه رسالة من البابا فرنسيس ومن الإمام الأكبر شيخ الأزهر أحمد الطيب. اقترحت الرسالة الرابع من شباط فبراير يوما عالمياً للأخوة الإنسانية. وثمة مبادرة أخرى أُطلقت لصالح البشرية كلها، وهي يوم الصلاة والصوم والتضرّع إلى الله الخالق من أجل البشرية التي تعاني من الجائحة، ودُعي من خلالها مؤمنو جميع الديانات والأشخاص ذوو الإرادة الصالحة إلى الاتحاد روحيا، وكان ذلك يوم الرابع عشر من أيار مايو ٢٠٢٠.
في الرابع من شباط فبراير ستُسلم جائزة زايد ٢٠٢١ للأخوّة الإنسانية. جائزةٌ أبصرت النور من وثيقة الأخوة الإنسانية التي وقعها في أبو ظبي البابا والإمام الأكبر أحمد الطيب. ما معنى هذا التكريم الذي سيُمنح للمرة الأولى؟
إن جائزة زايد للأخوة الإنسانية التي أُنشات عام ٢٠١۹، هي تكريمٌ للشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، مؤسس دولة الإمارات العربية المتحدة. في الواقع، لقد مُنحت الجائزة للمرة الأولى بصورة فخرية إلى البابا فرنسيس والإمام الأكبر شيخ الأزهر أحمد الطيب تقديراً لتوقيعهما على وثيقة الأخوّة الإنسانية عام ٢٠١۹. بعدها أتيح المجال أمام ترشيح شخصيات أو منظمات ملتزمة في مبادرات تجمع بين الناس وتعزز التعايش السلمي. ترمي هذه المبادرة إلى توطيد العلاقات البشرية، والتشجيع على بناء جسور الحوار، وتحسين التفاهم والتعاون بين الأمم. نأمل أن يكون منْحُ هذه الجائزة علامة لتعاون خصب، يخدم البشرية برمتها، بين أشخاص ينتمون إلى ديانات مختلفة. وقد تم إنشاء لجنة تحكيم خاصة مهمتها أن تمنح هذه الجائزة سنويا في الرابع من شباط فبراير.