يا إلهنا الصالح …..لو قام كل العالم عليَّ، فأنا أعرفُ جيّدا أنّك أبّ حنون لا مثيل له، أنت حياة ونور للطريق وغذاء حي يشبع نفوسنا التائهة المُشرَّدة في صحراء القفر، صحراء الشّك، صحراء اللامبالاة، صحراء العجز الرّوحيّ، صحراء اللا-إيمان، صحراء التكنولوجيا. عالم البشر صار تائهًا في صحراء العالم التي لا تضبط ماءً. ولكن هل الكلمة الأخيرة هي للفشل وللعبوديّة. لا ولن يمكن أن تبعدنا الدروب عنك يا الله، فنحوك تسافر القلوب، وتلتجيء النفوس. أنت وحدك الذي يغني ويشبع ويخلص، وليس سواك. لقد تاهت نفوس البشر في متاهٍ كثيرة، ومشاغل عديدة، فراح يجري وراء أسراب وأوهام لا حقيقة لها، أسراب المجد والكرامة المزيّفة، أسراب حبّ السُّلطة وتمجيد الذَّات، أسراب إرضاء رغبات الجسد وحاجاته وعواطفه والتي لا تنطفيء أبداً. فيا أيّتها الأسراب التي تريدين تحطيم قوة البشر وإرادتهم: اذهبي بعيدًا فلا مكان لك في قلوب الذين يتمسّكون بالربّ، لن يدرك العالم قيمة إيماننا بالرب، فالرب يعرف كل شيء، ونعمته تعلو كل شيء، وبركاته هي للجميع حتّى لمن يرفضوه ويغلقون أمامه القلوب، إلا أنه سيظل واقفًا منتظرًا من يستقبله، إن تركناه فهو سيظل أمينًا…….
عالم اليوم هو عالم ماديّ صرف، عالم لا يؤمن بالعالم الروحيّ والماورائيات، فالقيمة المطلقة هي لكل ما يُعقل ويُحس بالحواس، أما بعيدًا عن ذلك فهو أوهام وخزعبلات لا يؤمن بها إلا الذين يحبون الخزعبلات. عالم ماديّ لا يعيش سوى ما هو ماديّ هو عالم ضيق ومحدود ومتناهيّ، لا يقدر أن يتجاوز ذاته ويصبو نحو الأفق التي وضعها وخلقها الرب في نفوسنا…ولكننا نؤمن أن ليست القيمة فيما يُرى، بل القيمة والمعنى بما لا يُرى، القيمة بالاتحاد بالحقيقة المطلقة “الله”، فهو خارج الزمان والمكان، ويتخطّى كل حدودنا الضيّقة…. فيا أيها البشر الذين ترفضون الله،،،عودوا إلى أعماق ذواتكم واصغوا لذاك الصوت الإلهي الذي يخاطبكم كل لحظة عبر ضميركم الأدبيّ والأخلاقيّ،،،اصغوا إلى الروح وعودوا إلى الله ولنعش في مدينة الله، مدينة المحبّة الغافرة، مدينة الوداعة الشفوقة على الجميع، مدينة السلام والهدوء، مدينة الإيمان بالقيم والفضائل، مدينة لا تعرف غير قيمة المحبّة، مدينة لا تسعبد البشر بل ترفعهم إلى المستوى الإلهي ليشاركوا الإله في مجده وألوهيته اللامحدودة….. نعم، فلذلك تجسّدَ الربُّ تاركًا مجد السماوات ليرفع بني البشر إلى علياء سماء الربّ. صار الله إنسانا ليصير الإنسان إلهاً. الله يريد أن يشرك الإنسان في حياته الإلهيّة، في محبته وخلاصه. فيما كان العالم ينادي بتمجيد السلطة، جاء الرب رافضا المجد ومحبًّا للخزي وللعار ليرفع من شأن التواضع وإنكار الذات. هذا هو نشيد مريم العذراء: ” تعظم نفسي الرب وتبتهج روحي بالله مخلصي، لأنه نظر إلى تواضع آمته فها منذ الآن جميع الأجيال تطوبني”. وهذا أيضًا هو نشيد الرُّسل والشهداء والقديسين الذين على مر العصور قدموا ذواتهم كذبيحة حب للفادي، هؤلاء لم يكن العالم مستحقًا لهم. ليست العظمة يا أحبائي فيما يمتلكه الإنسان من ثروات وأمجاد، بل فيما يتخلى عنه الإنسان في سبيل من يحبهم أو في سبيل مباديء كريمة قد تبدو للعالم أنها غامضة ولا معنى، إلاّ إنَّ ما يرفضه العالم وما يعتبره حماقة هو في عين الرب سِرَّ القوّة والحكمة التي ليست من هذا العالم…. يا إله الحكمة الأزليّة، هلمَّ امنح العالم حكمتك البهيّة الشجيّة والتي تفوق كل وصف، حتّى يفهم العالم أنك أنت وحدك كليّ الحكمة والقدرة والحياة، أنت مصدر الحياة الحقيقيّ، أنت النور الحقيقيّ الذي يضيء لكل إنسان يعيش في هذه الحياة…. يا إله المحبّة العُلويّة، هلمَّ امنح نفوسنا أن تجتذب لمحبتك التي تخلق كل شيء جديدًا، فهي تفتح أبواب السماء، تنير دروب الإنسان وتقدّس القلوب. المحبة وحدها قادرة على إحياءنا من جديد كي نكون نوراً وملحًا للعالم وللأرض، حياة لا تشهد سوى عن الرب ومجده ومحبته العظيمة لبني البشر…..
إكليريكي مايكل وليم