stay connected

- Advertisement -
الكنيسة الكاثوليكية بمصر

construct design

Travel

الكنيسة الكاثوليكية بمصركنيسة السريان الكاثوليك

رسالة عيد القيامة المجيدة 2021 لغبطة البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي

616views

نقلا عن الموقع الرسمي لبطريركية السريان الكاثوليك الأنطاكية

كتب : فتحي ميلاد – المكتب الأعلامي الكاثوليكي بمصر .

يطيب لنا أن ننشر فيما يلي النص الكامل لرسالة عيد القيامة لهذا العام 2021 التي وجّهها غبطة أبينا البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي، بعنوان “قد قُمتُم مع المسيح”:

الرقم: 85/2021

التاريخ: 31/3/2021

ܐܓܪܬܐ ܕܥܐܕܐ ܕܩܝܡܬܐ ܒ̱ܟܐ

رسالة عيد القيامة المجيدة 2021

إلى إخوتنا الأجلاء رؤساء الأساقفة والأساقفة الجزيلي الإحترام

وأولادنا الخوارنة والكهنة والشمامسة والرهبان والراهبات الأفاضل

وجميع أبنائنا وبناتنا المؤمنين المبارَكين بالرب

اللائذين بالكرسي البطريركي الأنطاكي في لبنان وبلاد الشرق وعالم الإنتشار

نهديكم البركة الرسولية والمحبّة والدعاء والسلام بالرب يسوع، ملتمسين لكم فيض النِّعَم والبركات:

«ܩܳܡܬܽܘܢ ܥܰܡ ܡܫܺܝܚܳܐ»

«قد قُمتُم مع المسيح»

1. مقدّمة

يطيب لنا في بداية رسالتنا أن نتقدّم بأحرّ التهاني وأخلص التمنّيات بمناسبة عيد قيامة ربّنا يسوع المسيح من بين الأموات، إلى جميع إخوتنا رؤساء الأساقفة والأساقفة وأولادنا الخوارنة والكهنة والشمامسة والرهبان والراهبات والمؤمنين في لبنان وسوريا والعراق والأراضي المقدّسة والأردن ومصر وتركيا وأوروبا والأميركيتين وأستراليا. وعلى رجاء القيامة المعزّية، نبتهل إلى الرب يسوع الذي احتمل الآلام والموت ليقوم في اليوم الثالث، كي يفيض عليهم وعلى العالم بأسره نِعَمَهُ وبركاته، لتبقى شعلة الإيمان به متّقدةً، وتستمرّ شهادتُنا لقيامته حيّةً فاعلةً، فينعم الجميع بحياةٍ وافرة الثمار، ويسطع نور القيامة وسط ظلمات عالمنا، ناشراً المحبّة والوحدة والفرح والسلام. كما نضرع إلى الرب فادينا، “القيامة والحياة”، أن يتحنّن علينا، فيبيد وباء كورونا المتفشّي في بلادنا والعالم، ويشفي المصابين به، لتعود الحياة البشرية إلى طبيعتها وانتظامها.

2. الإيمان علامة حيّة لقيامة المسيح

الإيمان نعمةٌ مجّانيّةٌ من الله، وجواب الإنسان الحرّ على هذه العطيّة هو في اختياره أن يصبح علامةً حيّةً لقيامة المسيح. والقرار باتّباع يسوع، معلّمنا وربّنا الذي أتى لينغمس في عالم الإنسان ويوميّاته، يتطلّب أن نسير خلفه، وأن نصغي إليه باهتمامٍ واجتهادٍ عبر كلمته وعبر نعمة الأسرار الكنسية. نحن نؤمن بربٍّ واحدٍ يسوع المسيح، ابن الله الوحيد، الذي قَبِلَ الموت صلباً كإنسانٍ، ولكنّه قام في اليوم الثالث كإله. ومن الإثباتات على قيامته أنّه جعل من كلّ إنسانٍ دليلاً حيّاً على قيامته، إذبالمسيح يقوم الجميع.

“فإن كنتم قد قمتم مع المسيح فاطلبوا ما فوق، حيث المسيح جالسٌ عن يمين الله” (كو 3 : 1). يؤكّد لنا بولس رسول الأمم أنّ قيامة الرب يسوع تأكيدٌ لقيامتنا نحن أيضاً، فقيامة يسوع المسيح من بين الأموات هي جوهر الإنجيل: “إن كان المسيح لم يَقُم، فتبشيرنا باطلٌ وإيمانكم أيضاً باطل” (1كور15: 14). لولا قيامة الفادي، لَبقيَ الرسل مُحبَطين ومختبئين في دارٍ “أبوابُها مغلَقةٌ خوفاً من اليهود” (يو20: 19)، لا يجرأون أن يكرزوا بإنجيل الخلاص، لا بل كان إيمانُنا باطلاً. ظهر الرب مراراً لتلاميذه الذين كانوا في حالةٍ من الخوف واليأس التامّ، فطمأنهم ودعاهم أن يلمسوا جروحَ المسامير والحربة، وأكلوا وشربوا معه. وأضحت القيامة محورَ كرازتهم وهدفَهم الأوحد ومعنىً لكلّ ما قالوه وفعلوه (راجع سفر أعمال الرسل الفصول 2-4).

تكمن أهمّية عيد القيامة في الإعتراف بانتصار يسوع المسيح على الموت، وبأنّه ينبوع الحياة الأبدية لكلّ من يُؤمن به. “مباركٌ الله أبو ربِّنا يسوع المسيح، الذي حسب رحمته الكثيرة ولَدَنا ثانيةً لرجاءٍ حيٍّ، بقيامة يسوع المسيح من الأموات” (1بط 1: 3). عيد القيامة تأكيدٌ على كلّ ما علّم يسوع وبشّر به خلال تدبيره الذي استمرّ ثلاث سنوات. لو مات كسائر البشَر، ولم يَقم من بين الأموات، لكان كغيره: مجرّد معلّمٍ أو نبيٍّ آخر. أجل، لولا القيامة لكان رجاؤنا باطلاً، لأنّ نور السرّ الفصحي وحده قادرٌ أن يجلب لنا رجاءً جديداً، “رجاءً جديراً بالثقة”، على حدّ قول البابا بنديكتوس السادس عشر (الرسالة العامّة Spe Salvi”بالرجاء نحن مُخَلَّصون”، الفقرة 2).

3. الدلالات الملموسة لقيامة المسيح

تكلّم الله على لسان النبي إشعيا بأنّ يسوع سيولد من عذراء (را. إش 7: 14)، فيعيش حياةً بسيطةً في ظروفٍ متواضعةٍ، ومن ثمّ كحمَلٍ يُساق إلى الذبح، فيحتملُ موتاً أليماً، ويقوم ليحرّرنا من خطايانا (را. سفر إش 53). لقد أخبرَ يسوع مراراً وبوضوحٍ لا يقبلُ التأويل، بأنّه سيتألّم ويُسلَّمُ إلى الموت ويقوم بعد ثلاثة أيّام. وقبل الموت، عاش الرب المخلّص ليلةً من المحاكمات والضرب، ما جعله مُنهكاً. ثمّ تعرّض للجلد، وصُلِبَ وطُعِنَ برمحٍ في جنبه، وللوقت تدفَّق منه دمٌ وماءٌ، وأعلَنَ جنديٌّ موتَه. بعدها أُنزِلَ عن الصليب ولُفَّ جسده – بعدما طيَّبوه – بالكتّان، ووُضِعَ في قبرٍ منحوتٍ في الصخر، وقام بعد ثلاثة أيّام (را. مت12: 38-40؛ مر8: 31؛ 9: 31 و10: 33-34؛ يو2: 18-22).

قبرٌ فارغٌ، لفائف مرتَّبةٌ، وحجرٌ مُدَحرَجٌ… ولكنَّ يسوع “ليس ههنا! لقد قام!” هذا ما عاينَتْهُ النسوة ثمّ بطرس ويوحنّا (مت28: 6؛ لو24: 6). كانت هذه العلامات الأوّلية على قيامة “المعلّم” (يو20: 16) من الموت، وتبعَتْها الظهورات. فظهر يسوع بعد قيامته لمريم المجدلية (يو20: 17)، وللرسل (يو20: 19)،”وأظهَرَ لهم نفسه حيّاً بعد آلامه بكثيرٍ من الأدلّة، إذ تراءى لهم مدّة أربعين يوماً، وكلّمهم على ملكوت الله” (أع 1: 3)، حتّى صعوده إلى السماء (أع 1: 9). نعم، “إنّه قُبِرَ وقام في اليوم الثالث كما ورد في الكتب… وتراءى لأكثر من خمسمائة أخٍ معاً” (1كو15: 4-6).

قام المسيح، وهو “باكورة الراقدين” (1كور15: 20)، و”أوَّل القائمين من بين الأموات” (أع 26: 23)، و”ربّ الأموات والأحياء” (رو14: 7-9). وبقيامته نحن واثقون من قيامتنا أيضاً، “فالذي أقام يسوع المسيح من بين الأموات يحيي أيضاً أجسادكم الفانية بروحه الساكن فيكم” (رو 8: 11). بعد الموت تأتي القيامة، وبعد الخوف تحلّ الشجاعة، وبعد اليأس يُطلُّ الرجاء المنبعث من القبر الفارغ، لأنّنا في ظلّ الإله القويّ الذي عنده “مفاتيح الموت ومثوى الأموات” (رؤ1: 18)، وفيه الحياة، وهو مصدر الحياة، ليس على الأرض فقط، بل هو عربون الحياة الأبدية أيضاً.

يتغنّى القديس مار يعقوب السروجي بعظمة قيامة الرب يسوع بعد ذلّ الآلام وقساوة الموت، فيقول: «ܫܠܰܚ ܡܰܚ̈ܘܳܬܳܐ ܘܢܶܓܕ̈ܶܐ ܕܚܰܨܶܗ ܕܰܡܥܰܛܰܦ ܗ̱ܘܳܐ܆ ܘܢܰܚ̈ܬܶܐ ܫܐܺܝ̈ܠܶܐ ܕܝܰܗ̱ܒ ܠܶܗ ܝܰܘܣܶܦ ܟܰܕ ܥܳܐܶܠ ܗ̱ܘܳܐ. ܐܰܢܺܝܚ ܡܶܢܶܗ ܟܺܐܒ̈ܶܐ ܕܰܛܥܶܢ ܥܰܠ ܓܳܓܽܘܠܬܳܐ܆ ܘܰܕܡܶܟ ܘܶܐܬܬܢܺܝܚ ܠܰܐܝܳܐ ܘܩܳܡ ܠܶܗ ܒܓܰܢ̱ܒܳܪܽܘܬܳܐ». وترجمته: “نزع عنه ما كان يتّشح به من الضربات واللطمات التي هشّمت ظَهره، والثياب المستعارة (الأكفان) التي وهبه إياها يوسف (الرامي) في دخوله (إلى القبر). ألقى عنه الأوجاع التي حملها على الجلجلة، ونام المنهَك، فاستراح وقام ببطولة” (من باعوث أي طلبة مار يعقوب السروجي في صباح عيد القيامة الخلاصية، في كتاب الفنقيث، وهو مجلَّد صلوات الآحاد والأعياد، الجزء الخامس، صفحة 350).

4. مفاعيل القيامة في حياة المؤمنين

عيد قيامة المسيح هو عيد قيامتنا، لأنّنا نؤمن بالمسيح وبقدرته على إقامة الأموات، ولأنّ القيامة هي الانتصار والغلبة لكلّ مؤمن. قام يسوع ليحيا ويملك على قلوب المؤمنين، وليعطي معنىً لحياتنا وسط المآسي الكبرى. وقام أيضاً لنحيا معه، وهو يُشرِكُنا دائماً في الحياة الجديدة عن طريق علامات أسرار الكنيسة. “مع أنّنا كنَّا أمواتاً بزلاتنا، أحيانا مع المسيح وأقامنا معه وأجلسنا معه في السموات في المسيح يسوع” (أف 2: 5-6).

لا يكفي إذاً أن نعلن بالقول أنّ المسيح قام، بل علينا أن نعلن هذه القيامة مقرنين القول بالعمل، والمطلوب هنا أن نلبس المسيح، أي أن نحيا بحسب مفاعيل القيامة:

يتمّ ذلك باختيارنا الحياة، فالحياة مُعطاةٌ لكلّ إنسانٍ ليعيشها بملئها، والله يطلب منّا أن ننظر إلى الحياة كما ينظر إليها هو، وملء الحياة مع المسيح لا ينفي حقيقة وجود الصليب. ولكنّ مَن اختار الحياة معه، يُدعى لتخطّي المصاعب التي يواجهها بالتسامي في الحكمة والنعمة. لا يمكن للإنسان أن يختار الحياة بحقّ ويلبسَ الإنسان الجديد، إن لم يسمح لقيامة المسيح أن تعرّيه من الإنسان القديم، تاركاً طريق الموت.

كما يتمّ ذلك بأن نفسح المجال للمسيح كي يكون أساس حياتنا، فيحقّق فينا دلائل قيامته ومواعيدها، لنتذوّق حلاوة الإنتصار على الخطيئة وعلى الموتِ ثمرتِها، ولنسأله نعمة الثبات بمحبّته والاستسلام لمشيئته، فيُنجّينا من التحطّم على حجارة الخطيئة وصخور الشكّ والخوف والفشل. بمعونة المُنبعث من بين الأموات وبنعمته، نطهّر “قبورَ” حياتنا ونفرغها من كلّ ما يقف عائقاً أمام حضوره فينا وتدبيره الخلاصي من أجلنا. إنّ “الله يزيل مدحرجاً أصعب الحجارة، أي: الموت، والخطيئة، والخوف، والروح الدنيوية التي تتحطَّم عليها الآمال والتطلّعات. لا ينتهي تاريخ البشرية أمام حجر القبر، لأنّه يكتشف اليوم “الحجر الحيّ” (را. 1 بط 2: 4): يسوع القائم من بين الأموات” (من موعظة قداسة البابا فرنسيس، ليلة عيد القيامة 20/4/2019).

5. القيامة إعلان حياة جديدة

ككنيسةٍ حيّةٍ تأسّسْنا على الرب، هذا “الحجر الحيّ”، ولأنّ حضور الربّ في حياتنا حقيقةٌ ثابتةٌ، فهو قادرٌ على تحويل كلّ مستحيلٍ إلى ممكنٍ، وكلّ فوضى إلى نظامٍ وترتيب.إنّ الله يسبقنا على الدوام، وهو يفاجئنا دائماً،وفعلُهُ هذا يكون علناً وساطعاً كنور الشمس.فهو يأتي ويجعل من لفائفنا (أي أمورنا) جديدةً ومرتَّبةً، فيقلب خيبتَنا إلى رجاءٍ وطيد. كما أنّ يسوع يدعونا اليوم لنقدِّم شهادةً صادقةً لقيامته، إذ بعيشنا حياةً مشعّةً بنور القبر الفارغ، وبموتنا عن الخطيئة، نشهد أنّ المسيح غلب الموت وأعطانا الحياة الجديدة. علينا إذن أن نثق به، وكما ظهر للرسل، لنفتَح قلوبَنا له، فتتحقّق بشرى قيامته المعزّية بظهوره وتجلّيه فينا.

القيامة هي أن نعلن أنّ المسيح حيٌّ، وأن نقوم معه لنحيا معه حيث يكون هو، في جدّةِ الحياة. كلٌّ منّا مدعوٌّ كي يكتشف مجدَّداً في المسيح الحيّ ربّاً فادياً يزيل عن قلوبنا حجارة القبر، أي الأنانية والكبرياء والأهواء الرديئة. ومتى بحثنا عنه لا بدَّ أن نلقاه، كي يُمسكَ بيدنا ليُنهِضَنا ويقيمَنا معه. إنّ الربّ يدعونا للنهوض، فلا نستسلم لشروط بشريتنا الضعيفة، بل نرفع نظرنا إليه واثقين بكلمته، لأننا خُلِقْنا للسماء، وليس للأرض، خُلِقْنا من أجل عظمة الحياة، وليس من أجل وضاعة الموت. “خلقتَنا لك يا ربّ، وقلبنا لن يرتاح حتّى يستقرّ فيك” (القديس أوغسطينوس، كتاب الاعترافات). ليس يسوع شخصاً من الماضي، بل هو الحضور المطلَق، لا نلتقي به في كتب التاريخ، إنّما نلتقي به في الحياة. فهو الذي أكّد قائلاً: “أنا هو الطريق والحقّ والحياة” (يو 14: 6)، فهو ليس إله الأموات، بل إله الأحياء (را. مت 22: 32).

وها هو مار أفرام السرياني، ملفان الكنيسة الجامعة، يعلن فرحَ العالم ونيل الحياة الجديدة بقيامة الرب: «ܓܰܢ̱ܒܳܪܳܐ ܩܳܡ ܡܶܢ ܩܰܒܪܳܐ ܘܚܰܕܺܝ ܠܰܐܪܥܳܐ ܘܠܰܫܡܰܝܳܐ܆ ܘܰܐܦܨܰܚ ܠܰܐܪܒܰܥܦܶܢܝ̈ܳܬܳܐ ܒܝܰܘܡܳܐ ܪܰܒܳܐ ܕܰܩܝܳܡܬܶܗ…ܒܰܩܝܳܡܬܶܗ ܦܰܪܩܳܗ̇ ܠܥܺܕܬܶܗ܆ ܘܚܰܪܰܪ ܝܰܠܕ̈ܶܝܗ̇ ܡܶܢ ܛܽܘܥܝܰܝ…ܒܗܳܢܳܐ ܝܰܘܡܶܗ ܕܚܰܕ ܒܫܰܒܳܐ ܩܳܡ ܒܽܘܟ̣ܪܳܐ ܡܶܢ ܓܰܘ ܩܰܒܪܳܐ܆ ܘܰܕܪܰܫ ܠܰܢ ܐܽܘܪܚܳܐ ܕܚܰܝ̈ܶܐ ܕܒܳܗ̇ ܢܶܪܕܶܐ ܠܒܶܝܬ ܡܰܠܟܽܘܬܳܐ». وترجمته: “قام الجبّار من القبر وفرّح الأرض والسماء، وأبهج الجهات الأربع في يوم قيامته المجيدة… بقيامته خلّص كنيسته وحرّر أولادها من الضلال… في هذا يوم الأحد قام البكر من القبر، ونهجَ لنا طريق الحياة التي بها نسير نحو الملكوت” (من باعوث أي طلبة مار أفرام في صلاة الساعة الثالثة (التاسعة صباحاً) من يومي إثنين وثلاثاء القيامة، في كتاب الفنقيث، وهو مجلّد صلوات الآحاد والأعياد، الجزء الخامس، صفحة 372 و389).

6. صدى العيد في عالم اليوم

نحن، إخوة المسيح وأبناء القيامة، نعيش في هذا الشرق المضطرب منذ فجر المسيحية حاملين صليبنا بفرحٍ لأنّه طريقنا المؤدّية إلى القيامة. شعبنا يُضطهَد، أجدادنا شهدوا ليسوع فادينا واستشهدوا حبّاً به، آباؤنا رسّخوا إيمانهم وتجذّروا في المشرق، ونحن ورغم كلّ الصعاب والمشقّات والآلام والتهجير والتعذيب والتشريد، بقينا وسنبقى شهوداً للقيامة، ليبقى أولادنا في هذه الأرض وينشروا فرح القيامة مُشرقاً في عتمة هذا الزمن.

لا شكَّ أنَّ وباء كورونا قد عمّ البشرية جمعاء وغيّر نمطَ الحياة التي اعتادَها العالم بأسره. ومع كلّ الآلام التي سبّبها للكثيرين بيننا، من فقدان أحبّاء لنا وتفشّي أمراضٍ قد يطول الشفاءُ منها بسبب الفيروس الفتّاك، فنحن أبناء الرجاء، وباحتفالنا بقيامة ربّنا يسوع المسيح منتصراً على الموت، نستخلص درساً للبشرية جمعاء أن نتركَ الإنسان القديم فينا الذي نسي الله وعطاياه له، ونلبسَ الإنسان الجديد الذي ينمو بالنعمة: “إِن كان أحدٌ في الـمسيح فهو خلْقٌ جديد: لقد زال القديم، وصار كلُّ شيءٍ جديداً” (2 كور 5: 17).

فلتكن محنة الوباء هذه نقطة التحوّل للعمل سوياً والعودة إلى جذورنا وتقاليدنا وعائلاتنا، لأنّه بات أكيداً أنّه دون الرجوع إلى الرب المنتصر على الموت، لا يمكننا الانتصار على الآلام الجسدية والنفسية والاجتماعية التي سبّبها هذا الوباء الكوني في الأفراد والمجتمعات.

نسأل الربّ مخلّصنا يسوع المسيح القائم من بين الأموات أن يتحنّن على العالم بالقضاء على هذا الوباء والحدّ من انتشاره بأسرع وقتٍ ممكنٍ، وأن يُنعِم على المصابين به بالشفاء التامّ، وعلى الراقدين بالراحة الأبدية، وأن يؤازرَ الأطبّاء والممرّضين والممرّضات ومساعديهم، ويُلهِمَ الباحثين والأطبّاء لإيجاد الدواء الشافي.

في لبنان،لقد مضت ثمانية أشهرٍ على انفجار مرفأ بيروت الإجرامي في 4 آب 2020، وبيروت لا تزال متّشحةً بالسواد حزناً على الضحايا بالمئات والجرحى بالآلاف. لقد عرف تاريخها العريق الكوارث والدمار والتمزُّق، ولكنّها كانت تعود إلى الحياة كطائر الفينيق. وعلى مثال ربّنا المنتصر على الموت، تمكّنت، بسواعد أبنائها، من إعادة البناء والعودة إلى الحياة. إنّنا نضمّ صوتنا إلى مطالبة المنكوبين بوجوب كشف المسؤولين عن هذا الانفجار الرهيب، مهما علا شأنهم وعظم نفوذهم، كي تتمّ محاسبتهم ومحاكمتهم ومعاقبتهم بما يتناسب وإجرامهم.

كما نصلّي كي يتخطّى لبنان الأزمات التي تعصف به، فيتوقّف المسؤولون عن المغامرة بمصير شعبهم، ويكفّوا عن استغلال المواطنين والتذرّع بمصالح جماعاتهم وطوائفهم، لأنّهم يفعلون عكس ذلك وباسم الله. فالطوائف ليست بحاجةٍ لحمايتهم، وليسوا هم من يحافظون على حقوقها، إنّما الدستور اللبناني وحده كفيلٌ بالحفاظ على حقوق جميع أبناء الوطن، لأيّ طائفةٍ أو مذهبٍ انتموا. وبالأكثر، يتجاهل القيّمون على شؤون البلد الدستورَ وكأنّه لم يكن، كما يتجاهلون ويتغاضون عن سماع صوت اللبنانيين المنتفضين في الشارع منذ أكثر من عامٍ ونصف، مطالبين المنظومة الحاكمة بالرحيل، وإعادة تشكيل السلطة عبر انتخاباتٍ نيابيةٍ مبكرةٍ، ومحاربة الفساد ومحاسبة الفاسدين، واستعادة الأموال المنهوبة والمهرَّبة إلى الخارج، والإفراج عن أموال المواطنين المحتجَزة في المصارف جوراً وظلماً، فيما الشعب يئنّ تحت وطأة الجوع والعوز والفاقة. وإنّ الكنيسة تقوم بواجبها بهذا الصدد على قدر إمكانياتها، وتسعى ألا يبقى أحدٌ من أبنائها في ضيقٍ أو حاجةٍ في ظلّ هذه الظروف العصيبة.

إنّ لبنان جديرٌ أن تحكمه نخبة مواطنيه وليس زمرة فاسدة وصوليّة تختبئ خلف طوائفها لتعيث فساداً وسرقةً وعذاباً وتنكيلاً بمواطنيه وشعبه.

فيا أيّها المسؤولون، انظروا إلى لبنان المنازع، وتوقّفوا عن استغلال نظامه في سبيل مصالحكم، كي ينهض شعبه الأبيّ من الوضع المعيشي والاقتصادي والسياسي المنهار، إذ أوصلتموه إلى الحضيض، ويعود للشبّاب الأملُ بوطنهم وقد تزايدت هجرتهم بشكلٍ مخيف. شكِّلوا حكومة اختصاصيين مستقلّين من أصحاب الكفاءة والنزاهة والمناعة تجاه التدخّلات السياسية، ولبنان يزخر بأمثال هؤلاء.

وسوريا الجريحة، عشر سنواتٍ من الحرب والقتل والتدمير، عشر سنواتٍ والصراعات الدولية على أرضها لم تؤدِّ سوى للتنكيل بشعبها وتدمير بنيتها الاقتصادية والاجتماعية والحضارية. إنها لنكبةٌ مريعةٌ تجاوزت بطشَ أباطرة الزمان والغزاة والمحتلّين.

إنّنا نصلّي كي تثمر الجهود المبذولة في إنهاء الصراعات وإعادة بناء سوريا بهمّة أبنائها وتكاتُفهم ووحدتهم، ليساهموا معاً في إعادة البناء والاستقرار والازدهار إلى وطنهم الأمّ.

كما نجدّد مطالبتنا أصحاب القرار على الساحة الدولية وجميع ذوي الإرادات الحسنة، ببذل الجهود لرفع العقوبات الجائرة المفروضة على الشعب السوري الذي تشتدّ معاناته يوماً بعد يوم. وليس من العدل والمنطق أن يُربَطَ قرار رفع العقوبات، بشرط ما يُسمّى بالحلّ السياسي، بينما عامّة الشعب المغلوب على أمره، تُعاني من الفاقة والمرض والمذلّة.

أمّا العراق الحبيب الذي خصّه قداسة البابا فرنسيس بزيارةٍ وُصِفت بالتاريخية، من الخامس حتّى الثامن من آذار من هذا العام، حيث طالب بتعزيز السلام ومحاربة الفساد ومجابهة استغلال السلطة، فإنّنا لا ننسى وصيّته المعبِّرة، إذ قال: “فلتصمت الأسلحة”، “وليكن الدين في خدمة السلام والأخوّة”.

ولقد تشرّفنا باستقبال قداسته في كاتدرائيتِنا “سيّدة النجاة” في بغداد التي تعمّدت بدماء شهدائها الأبرار عام 2010، وتسعى أبرشية بغداد لإتمام ملفّ دعوى تطويبهم في القريب العاجل. ومن داخل هذه الكاتدرائية، شجّع قداسته أبناء العراق والشباب منهم خاصّةً على الاستقرار في وطنهم والإيمان به، بقوله لهم: “شباب هذا البلد هم ثروة المستقبل، وهم جوهر العراق، يجب الاعتناء بهم وتلبية ما يريدونه… أنا أفكّر بشباب العراق”.

كما زار قداسة البابا مدينةَ قره قوش حيث أكبر تجمّعٍ مسيحي في العراق، واستقبلَتْه فيها عشراتُ الألوف من أهاليها استقبالاً شعبياً بنوياً عفوياً منقطع النظير، معبّرين عن عمق محبّتهم وشدّة تعلّقهم برأس الكنيسة الجامعة. وقد انضمّ إلى صفوفهم القادمون من برطلّة وبعشيقة وسائر بلدات سهل نينوى. وفي كنيسة الطاهرة الكبرى في قره قوش، التي لحقها الدمار والحرق على أيدي الإرهابيين، ولكنّها رُمِّمَت واستعادت رونقها البهيّ، استقبلنا ثانيةً قداسته، وأصغينا إلى كلمته المؤثِّرة، وإلى التبشير الملائكي الذي يُتلى في منتصف النهار.

من أرض العراق، صلّى صاحب القداسة من أجل السلام العادل وإنهاء الحروب والنزاعات، ونحن بدورنا نصلّي كي تكون هذه الزيارة التاريخية كحبّة الحنطة التي زُرِعت في الأرض، فتثمر عودة أبنائنا المسيحيين إلى أرض آبائهم وأجدادهم، ليبقى المسيحيون متجذّرين في وطنهم وهم سكّانه الأصليون.

إلى جميع أحبّائنا السريان الذين يقطنون في الأراضي المقدسة، ومصر، والأردن، والخليج العربي، وتركيا، وفي بلاد الانتشار، في أوروبا والأميركيتين وأستراليا، نعبّر عن خالص تمنّياتنا بعيد قيامة الرب يسوع من بين الأموات، ضارعين إلى المخلّص الإلهي، كي يحفظ الجميع في الصحّة والعافية، بعيدين عن كلّ مرض ومكروه في هذه الأزمنة المقلقة بل المخيفة للوباء الكوني الذي يهدّد الجميع.

كما نجدّد مطالبتنا بالإفراج عن جميع المخطوفين، من أساقفةٍ وكهنةٍ وعلمانيين، سائلين الله أن يرحم الشهداء ويمنّ على الجرحى والمصابين بالشفاء التام. ونعرب عن مشاركتنا وتضامننا مع آلام ومعاناة المعوزين والمهمَّشين والمستضعَفين، وكلّ العائلات التي يغيب عنها فرح العيد بسبب فقدان أحد أفرادها، ضارعين إلى الله أن يفيض عليهم نِعَمَه وبركاته وتعزياته السماوية.

7. خاتمة

أيّها الآب السماوي، يا من بقيامة ابنك الحبيب يسوع المسيح مخلّصنا من بين الأموات، منحْتَنا الغلبةَ على الخطيئة والموت، والوعد الأبدي بأنّك لن تتركنا ولن تتخلّى عنّا عربوناً للحياة الأبدية. نسجد أمامك بقلوبٍ شاكرةٍ حبّك الكبير لنا، ونضرع اليك كي تسكب روحك القدّوس علينا، نحن المؤمنين المستنيرين بضياء القيامة، وتفتح عيوننا على حضور المسيح فينا وبيننا. فبرؤيتنا إيّاه تتحوّل شكوكنا إلى إيمانٍ، وخوفنا إلى حبٍّ، ويأسنا إلى رجاء. آمين.

وفي الختام، نمنحكم أيّها الإخوة والأبناء والبنات الروحيون الأعزّاء، بركتنا الرسولية عربون محبّتنا الأبوية. ولتشملكم جميعاً نعمة الثالوث الأقدس وبركته: الآب والإبن والروح القدس، الإله الواحد. والنعمة معكم.كلّ عام وأنتم بألف خير.

ܡܫܺܝܚܳܐ ܩܳܡ ܡܶܢ ܒܶܝܬ ܡܺܝ̈ܬܶܐ… ܫܰܪܺܝܪܳܐܺܝܬ ܩܳܡ المسيح قام من بين الأموات… حقّاً قام

صدر عن كرسينا البطريركي في بيروت –لبنان

في اليوم الحادي والثلاثين من شهر آذار سنة 2021

وهي السنة الثالثة عشرة لبطريركيتنا

اغناطيوس يوسف الثالث يونان

بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي