stay connected

- Advertisement -
الكنيسة الكاثوليكية بمصر

construct design

Travel

الكنيسة الكاثوليكية بمصركنيسة الأقباط الكاثوليك

رسالة عيد القيامة 2021

470views

بسم الآب والابن والروح القدس إله واحد آمين

من البطريرك إبراهيم إسحق

بنعمة الله، بطريرك الإسكندريَّة وسائر الكرازة المرقسيَّة للأقباط الكاثوليك، إلى إخوتنا المطارنة والأساقفة، وإلى أبنائنا الأعزاء القمامصة والقسوس، الرهبان والراهبات والشمامسة، وإلى أبناء الكنيسة القبطيَّة الكاثوليكيَّة في مصر وبلاد المهجر.

النعمة والبركة والسَّلام في المسيح القائم من الأموات تكون مع جميعكم

نحتفل اليوم بعيد قيامة المسيح المجيدة، راجيًا أن يحمل لكم ولعائلاتكم كلّ بركة روحيَّة وفرحة سماوية وقيامة حقيقيَّة.

” إنه ليس هاهنا، لكنه قام كما قال ” ( متي 28: 5-6)

أولاً : من قبر المسيح ينبع الفرح والانتصار

إنَّ قيامة المسيح هي قلب الإنجيل وخلاصته. قام المسيح لننال نحن ثمار خلاصه أيّ غفران خطايانا والحياة الجديدة في الروح القدس.

يتجدد حدث القيامة كلّ يوم في الكون والكنيسة وفي قلب الناس وأحداث الحياة اليوميَّة، لأنَّ المسيح الذي قام ” هو هو أمس واليوم وإلى الأبد”. (عبر 13: 7)

ولكنّ القيامة هي حجر عثرة في كل الأزمان…في الماضي سخر السامعون من بولس الرسول عند كلامه عن قيامة الأموات. ويظل المسيح المصلوب القائم شكاً و جهالة للكثيرين ، أما عندنا نحن المؤمنين فهو قدرة الله وحكمته.(1كو 1 :18 )

نعم إن قيامة المسيح هي الأساس وهي الجواب على التساؤلات المصيريَّة :

لماذا الموت؟ قيمة الجهاد في الحياة؟ قيمة العمل للبناء والإنماء والسعي لأجل مجتمع أفضل؟ الحبّ والزواج…؟ علاقة الحياة بالموت؟ هل هذا كلّه مجرَّد شغل للوقت واستمرار الحياة؟ هل اليأس هو الحالة النفسيَّة التي تليق بالإنسان ؟

هذه التساؤلات وغيرها يفكّ طلاسمها جواب السيِّد المسيح بقوله :

“أنا الحيّ…كنت ميتًا وها أنا حيّ إلى الأبد” (رؤ1: 18) وإن كان واحد في تاريخ البشريَّة مات وقام ولا يزال حيًّا، فمعنى ذلك أن في كلِّ إنسان ما يمكنّه من الانتصار على الموت، وأن مصيرنا ليس الموت بل الحياة. إنَّ البناء والإنماء والإصلاح بالرغم من كلّ التناقضات والآلام والموت، هي قيم باقية للحياة التي لا تنتهي.

إنّ النجاح والانتصار في كفاح الحياة والنهوض بعد الوقوع، والتغلُّب على اليأس والفشل وشرور الناس، كل هذا لن يكون إلا بعد ألم و معاناة . وبنفس المقدار فإنّ القيامة الروحيَّة يسبقها ألم: فالقيامة من الخطيئة تستلزم جهاد مسيرة التوبة، والقيامة من البغض والحقد يسبقها الصراع من أجل المسامحة والصفح، والقيامة من الكسل والرذيلة تفترض الاجتهاد المستمر.

إنَّ المسيحيّ هومثل حبّة الحنطة التي حكى عنها المسيح في الإنجيل، لا تثمر إلا إذا دُفنت في الأرض. فمن قبر المسيح ينبع الانتصار والفرح والغلبة، ومن كان في المسيح فهو خليقة جديدة (2 كو 5 :17) متجددة دومًا. فقيامة المسيح تجديد وكلّ تجديد في قلب المؤمن هو قيامة.

إنَّ المسيحيّ لا يجهل أن سرّ الفصح هو سرّ موت وحياة، فينا وفي العالم، وأن قوى الموت لا تزال تعمل عملها. لكنَّه يؤمن أن قيامة الرب تعلن أن الحياة تنتصر على الموت، وان المحبة أقوي من الموت .

ثانيا : قيامة المسيح تجديد لحياتنا

لسنا مسيحيين لأننا نؤمن بالخطيئة والصَّليب والألم والموت فقط، لكن لأنَّنا نؤمن بالغفران، بالفرح، بالتَّحرُّر، بالقيامة والحياة.

قبل القيامة هرب الرسل وتركوا يسوع في وقت شدته، فقد كانت آلامه خيبة أمل لهم، وبعد موته أغلقوا على أنفسهم.

ولكنَّهم بلقاء الربّ القائم جددت القيامة قوَّتهم وأنارت بصيرتهم ونظرتهم إلى كلّ شيء وكلّ إنسان، فباتوا لا يخافون شيئًا ولا حتَّى الموت ذاته في سبيل الكرازة بالمسيح.

شاول يعترف بخطيئة التجديف على يسوع واضطهاد كنيسته، وها هو يلتقي القائم على طريق دمشق فيتحوَّل إلى الكارز بالمحبَّة التي لا تغضب ولا تحتد بل ولا تفرح بالظلم بل تفرح بالحقّ…

هكذا اختبركلّ من عاش خبرة اللقاء بالمسيح القائم التي هي أساس كلّ قيامة وكلّ تجلّي في حياتنا.

فمن يستسلم لعمل النعمة، خاصَّة في الصلاة، يستسلم لعمل الله فيه فيقول مع بولس “لست أنا الحيّ بل المسيح يحيا فيّ” (علا 2 : 20) نفس الكلام يمكن أن نطلقه على الغفران والصفح فبدون الإيمان بالمسيح القائم، يُفهم علي أنه ضعف وعجز، وبالقيامة هو قوَّة باطنيَّة تفوق وتقهر كلّ كراهية وبغض. القناعة حرمان وفقر ولكنَّها بالقيامة غنى ورضا وفرح، الإيمان بالقيامة هو دعوة إلى مبادرات جديدة وإيجابيَّة.

ماذا يعطّل ويعوق المبادرات الإيجابيَّة في حياتنا؟ هو الخوف ونظرتنا إلى الأمور، وأسلوب تفكيرنا السلبيّ. كم نحنُ في حاجة إلى تجديد تفكيرنا وابداعاتنا وتلبية دعوة الرب لنا “تَغَيَّرُوا عَنْ شَكْلِكُمْ بِتَجْدِيدِ أَذْهَانِكُمْ لِتَخْتَبِرُوا مَا هِيَ إِرَادَةُ اللهِ الصَّالِحَةُ الْمَرْضِيَّةُ الْكَامِلَةُ” (رو12: 2).

من يُدحرِّج لنا الحجر؟ كلٌّ منَّا يعيش تحت أحجار متنوعة في حياته، إنَّ حزننا هو مقياس لمدى تعلُّقنا بذواتنا وخبراتنا وفشلنا وجرحنا، وفرحنا هو مقياس لمدى تعلُّقنا بالله الحيّ، بالثِّقة، بالرَّجاء، بالإيمان.

كلّ زوايا حياتنا الَّتي لا يسكُنها سوى المرارة والإختناق واليأس، هي زوايا خاليَّة من حضور الله، حضور المحبَّة، فالله هو مصدر الفرح.

إن الاحتفال بعيد القيامة هو أن نترك أنفسنا نتحوَّل بهذا التَّحرير الآتي من الرَّبّ القائم، هو اختبار النُّور بعد ظلام اللَّيل. الاحتفال بعيد القيامة هو الإيمان بقيامة المسيح، بقيامتك أنت، أيّ أن يكون لك نصيب في هذه القيامة.

تبدأ هذه القيامة بقبول الخروج من انغلاقنا على همومنا وأحزاننا الخاصّة، بتحرُّرنا من خوفنا من أنفسنا ومن الآخرين، من حقدنا وكراهيتنا، من عنفنا المُتجسّد في أشكالٍ كثيرةٍ…

و الدُّخول في عالم النُّور والقيامة المُتمثّل في قبول ذواتنا والآخرين، في الاهتمام بالآخر خاصّةً الأكثر احتياجًا، في بناء عالم العدالة والسَّلام، في الإيمان بأنَّه ليس بالعنف وقوَّة السّلاح يحيا الإنسان. بل طوبى للودعاء لأنَّهم يرثون الأرض، ولصانعي السَّلام لأنَّهم أبناء الله يُدعون، والعمل من أجل تحقيق ذلك.

الخاتمة

متَّحدين مع قداسة البابا فرنسيس، ومع كلّ الكنائس التي تحتفل بعيد القيامة. نرفع صلاتنا في هذا المساء المبارك، من أجل عالمنا الذي نعيش فيه، لكي يسكب الله رحمته ونعمته على كل البشريَّة، فيتوقَّف خطر الوباء ويعمَّ الخير والسلام، نُصلِّي طالبين للمرضى شفاءً، وللموتى رحمة، وللحزانى عزاءً، ولكلِّ مِنْ له تعب في مواجهة الأخطار ومساندة المحتاجين شجاعة وقوَّة.

نصلي من أجل وطننا الحبيب مصر، ومن أجل سيادة الرئيس عبدالفتَّاح السيسي لينعم الرب عليه بالصحة والعافية ليواصل خدمته للوطن مع كل معاونيه وكل من يقوم بعمله بإخلاصٍ وأمانة. نوجّه أصدق التهاني لإخوتنا المسلمين، شركاء الوطن بشهر رمضان المبارك ، متمنّين لهم صومًا مقبولًا وعيدًا سعيدًا.

نلتمس شفاعة أمنا مريم العذراء، الشاهدة الأمينة على قيامة المسيح، كي يبارك الله تعالى شعب مصر ويحفظه من كلِّ شرّ.

أيُّها المسيح القائم، أقمنا معك لحياة جديدة، أقم عقولنا إلى نور الإيمان، أقم إرادتنا إلى طريق الخير والرجاء، أقم قلوبنا إلى الشركة والمحبة. آمين

المسيح قام حقاً قام