stay connected

- Advertisement -
الكنيسة الكاثوليكية بمصر

construct design

Travel

عقائدية

الخلاص الحقيقي

1.5kviews

salvالخلاص الحقيقي

 

“كما في آدم يموت الجميع كذلك في المسيح سيحيا الجميع” (1كور 22:15).

 

خرج الإنسان من يد الله بارًا طاهرًا سعيدًا هانئًا خالدًا لا ينتابه موت ولا يمسسه فساد بعيدًا عن الأوجاع والأحزان خاليًا من الأمراض والأوهان. له الطبيعة تخضع ووحوض البر ترضخ. وضع في جنة غناء زاخرة بالأشجار والأزهار. لم يكن ينقصه شيء ولم يحتج إلى شيء. ولكنه إذ خطيء لبسته اللعنة ولحقته النعمة ورأى نفسه عريان فخجل وعمل من ورق التين قمصان ولبس. وسمع صوت الرب يناديه فخاف. هو الذي كان يناجيه في ثقة وطمان. طرد إذا من الفردوس وحكم عليه بالموت وأوصدت في وجهه أبواب السماء فلا خلاص له ولا نجاة ولا لذريته جمعاء ولقد أصبح الإنسان ساقطًا تحت طائلة الخطيئة. عبدًا لإبليس. وأصبح بين الله القداسة بالذات والعدل بالذات وبين الإنسان الدنس والمجرم حاجز متين وسد منيع لا يمكن إزالته بأي حال من الأحوال. وكان لابد من أن نزج جميعنا في الوقائد الجهنمية.

فهل من منقذ ومخلص وهل من شفيع يشفع أو من وسيط يتدخل! هل من ملك أو بشر يخلصنا! هل من ذبائح ومحرقات تكفر عنا؟ هل من وجيه أو عظيم يدفع عنا غضب الله وسيف انتقامه؟ كلا. لأن كل خليقة مهما سمت وعلت ليس في مقدورها أن تفي عن خطيتها أو عن خطيئة الغير وفاءًا كاملاص تامًا: ملاكًا كانت هذه الخليقة أو بشرًا وإليكم أيها السادة السبب في ذلك:

لا غرو أن في كل خطيئة ترتكب توجد إهانة. وهذه الإهانة تكبر وتتفاقم إذا كان الشخص المهان كبيرًا وعظيمًا. وتكبر أكثر وتتعاظم في شرها لو كان المهين وضيعًا حقيرًا. فالإهانة التي تصدر من جندي لملك هي أعظم في أثرها من تلك التي تصدر من ملك إلى جندي وبالتالي حتى يعفو هذا الملك عن الجندي المهين لابد من شخص عظيم، من ملك مثله يقوم بالترضية الواجبة.

فمن ذا يهينه الإنسان بارتكاب الخطيئة من هو المهان مني ومنك أيها الإنسان هل هو ملك من الملوك أو أمير من الأمراء أو وجيه من الوجهاء. ياليت كان ذلك فالخلاص منه يسير. ولكن ياللأسف الشديد الذي نهينه أيها الإنسان بالخطيئة هو الذي لا حد لعظمته وجبروته. هو الذي أمام نظره العالم كغبار الميزان وكنقطة في دلو وأعمدة السموات ترتعد من زجره. هو الذي قال عنه سليمان الحكيم: من صعد إلى السموات ونزل. من جميع الريح في راحتيه وضر المياه في ثوب. هو الإله المنير العجيب ابد الأبد. رئيس السلام الذي مخارجه منذ الأزل وهو ضابط الجميع بكلمة قوته. هو الذي بكلمة منه يلجم البحر وتهدأ العواصف وتسكن الريح. هو الذي ترتعد منه البشر وتخافه الملائكة والشاروبيم تغطي أوجهها من ضياء مجده وعظمة قدرته. هو الذي لما سأله موسى على اسمه قال: أنا الكائن والذي لما رآه أبو أشمشون خافا وقالا أننا نموت موتًا لأننا رأينا الرب. هو الذي مركبته السحاب وعلى أجنحته يمشي الهواء وله الملائكة تخدم. هذا هو الإله المهان منك أيها الإنسان كل مرة ترتكب الإثم والخطأ. فتعال وأنا أقول لك من أنت يا من تجرؤ وتهين هذه العظمة الغير متناهية. أنت مجموعة من القذورات والنتانة أنت ورقة منشورة وعصافة يابسة. أنت عدم “وكلا شيء”. ومن العدم خلقت وإلى التراب تعود. فالعدم يهين الإله الوجود بالذات. والكلا شيء” يهين السيد الذي خلقه وأوجده. فالإهانة إذًا لا حد لها في شرها ولا نهاية لأنها تمس الإله الذي لا حد له ولا نهاية.

فأمام الإله المهان إهانة لا حد لها من له أن يقف وسيطًا أو شفيعًا؟ من له أن يفدينا أو يخلصنا؟ هل نلجأ إلى سكان السماء شاروبيم وساروفيم. ملائكة ورؤساء ملائكة. تلك الأرواح النورانية الطاهرة؟ هل لها أن تمسح تلك الإهانة وتكفر عنها؟ ولكن أني لها ذلك وهي التي لا يمكنها أن تنظر إلى بهاء مجد الله بل يلزمها أن تستر وجوهها تجاه هذا النور الساطع. كيف لا وأن الرسول يبين لنا أن “مسكن الله نور لا يدني منه” ومهما تألق نورها وسما جمالها فهي لا تزال صنعة يد الله وخليقة من خلائقه وعليه فهي أمام الله عدم وكلا شيء وبالتالي شفاعتها ناقصة وترضيتها عاجزة.

هل نلجأ إلى دم العجول والتيوس التي كان يقدمها الشعب اليهودي. فلنسمع ما يجيبنا به الرسول بولس قائلاً “إنه لا يمكن أن دم الثيران والتيوس يزيل الخطايا” وإذا هم البشر الذين كانوا من آدم والكائنون الآن والذين سيكونون إلى نهاية العالم وأخذوا يكفرون عن خطاياهم ليل نهار بصنوف التعذيب وضروب التكفير ليس في الزمان وحسب بل وطوال الأبدية الواسعة المدى والتي لا حد لها ولا نهاية. هل تظنون أنهم يرضون العدل الإلهي ولو قليلاً. أبدًا لأنهم عدم. فكارتهم ناقصة عاجزة لا توازي شر الإهانة الغير متناهي.

بقي إذًا ترضية العدل الإلهي الترضية الوافية الكاملة التي تستوجب السماح والغفران أن يكون الوسيط أو الشفيع شخصًا موازيًا للإله ومساويًا له في الطبيعة والجلال أي إله مثله. كما أن الملك حتى يصفح عن الجندي الذي أهانه لا يقبل بتاتًا الترضية من أحد رعاياه مهما كان كبيرًا بل يحتم أن يكون من ملك مثله. فلابد إذًا من إله لعمل الترضية ونوال الخلاص والكفارة.

ولكن حاشا للطبيعة الإلهية التي قررت بالعظمة والكبرياء بالرفعة والعلاء والجلال والبهاء حاشا لها أن تتنازل وتسترضي وتتواضع وتستشفع. ولو سلمنا بذلك لوقعنا في كفر ما أشنعه وفي إلحاد ما أفظعه. ولكن يا لحكمة الله العظيمة ما أبعد أحكامه عن الإدراك وطرقه عن الاتقصاء. لقد أرادت أن توفق في أمر خلاصنا بين طبيعتها القدسية التي تقررت بالعظمة والجلال وبين فدائنا الذي يقضي قيامه المذلة والهوان فكلمة الله الأزلية ضياء مجد الآب وصورة جوهره المساوي له في الطبيعة والذات والجوهر، قام وقال لأبيه السماوي “أنا لا أرضى أن أبناء البشر يهلكون وفي الوقائد الجهنمية يزجون لأنهم عملي وصنعة يدي. لا ريب إن عدلك الإلهي يقضي بأن القصاص ينزل عليهم ولكن أنا ابنك المساوي لك في الجوهر والذات أتحمل هذا القصاص. ذبيحة وتقدمة لم تشأ ولم ترض بالمحرقات وبذبائح الخطيئة حينئذ قلت هاءنذا آت لأعمل بمشيئتك يال الله” سألبس جسدًا وأصبح بشرًا وأولد وأتألم وأموت وأصلب رغبة في فدائهم وخلاصهم. وهذا الدم الذي سفكته على الصليب أقدمه لك أيها الآب الأزلي فداء عن البشر ولكنه ليس بدم عادي بل هو دم ابن، طبيعته من طبيعتك وجوهره من جوهرك. فآلامي وموتي وصلبي ودمي المهراق. كل هذا منسوب إليّ بوصفي ابن الله المتأنس.

وبهذا عم الفداء ووجدت الترضية كاملة شاملة لأن فاعلها هو ابن الله المتأنس مالئ السموات والأرض. وفعلاً حل المسيح بأرضنا وأخذ جسدًا وبتجسده رأينا مجده كما قال يوحنا الحبيب “الكلمة صار جدًا وحل فينا ورأينا مجده” وتألم وتعذب وبآلامه شفينا كما قال أشعيا النبي “لقد أخذ عاهاتنا وحمل أوجاعنا وجرح لأجل معاصينا وسحق لأجل آثامنا فتأديب سلامنا عليه وبشدخه شفينا (أشعيا 4:53) ومات على الصليب وبموته افتدينا كما قال الرسول بولس “أنه بذل نفسه لأجلنا ليفتدينا من كل إثم”. وهو الوسيط الوحيد بين الله والناس الذي على يده تم الخلاص كما يقول أيضًا الرسول بولس “لأن الله واحد والوسيط بين الله والناس واحد وهو الإنسان يسوع المسيح الذي بذل نفسه فداء عن الجميع (1تيموثاوس 5:2و6). وعلى يده أيضًا تمت المصالحة بين سكان السماء وسكان الغبراء كما ذكر ذلك الرسول بولس “وأن يصالح به الجميع لنفسه مسالمًا بدم صليبه ما على الأرض وما في السموات (كلوسي 20:1).

وهو الحبر الذي قدم نفسه ذبيحة للآب السماوي ليفدينا ويطهر ضمائرنا كما يقول الرسول أيضًا “إن المسيح الذي جاء حبرًا للخيرات المستقبلة بدم نفسه دخل الأقداس مرة واحدة فوجد فداءًا أبديًا وقرب نفسه لله بلا عيب يطهر ضمائرنا” وهو الذي فتح لنا أبواب السماء ونقض الحاجز الذي كان بيننا وبينه أي العداوة. وصيرنا أبناء الله ورثة معه في المجد العلوي.

نعم كما أنه بآدم يموت الجميع كذلك بالمسيح سيحيا الجميع.

تعالوا معي لنلقي نظرة ولو عابرة على الفردوس الأرضي حيث وجد آدم وعلى جبل الجلجلة حيث نرى يسوع وهو على صليبه مرفوعًا. آدم في الفردوس تكبر وتعظم والمسيح على صليبه تواضع وانسحق. آدم خالف أمر الله وتمرد والمسيح أطاع حتى الموت موت الصليب. آدم تلذذ وتمتع والمسيح تألم وتعذب آدم مال إلى الشيطان خاضعًا والمسيح علم إرادة أبيه صاغرًا. آدم هنيء وتنعم والمسيح عطش على صليبه فلم يذق إلا خلاً ومرًا. آدم ألقى بنا في الهاوية وتركنا والمسيح خلصنا وانتشلنا. آدم أغلق في وجهنا أبواب السماء والمسيح فتحها للخليقة جمعاء. آدم خطيء فأماتنا والمسيح مات فأحيانا له المجد دائمًا وإلى الأبد  آمين.

عن مجلة صديق الكاهن