الله أحق بالطاعة من الناس – الأب وليم سيدهم
اكتشفت إحدى الباحثات في العلوم الانسانية، أن شعوب البلاد العربية يتميزون بالطاعة العمياء فيما يخص موقفهم السياسي. وتفسر هذا الاذعان بمدى السنوات التي خضعت هذه الشعور بالقهر والاستغلال مما خلق عندهم استعدادًا باطنيًا للطاعة للحاكم والخضوع لأوامره مهما كانت مجحفة في حقهم.
القديس بطرس تعلم في مدرسة المسيح، مدرسة الحب والطاعة لله جل جلاله، وفي المرات القليلة التي تمرد فيها على طاعة معلمه، مثل رفضه تصريح المسيح بأنه سيتألم ويقوم في اليوم الثالث، مما جعل يسوع يقول له «اذْهَبْ عَنِّي يَا شَيْطَانُ! أَنْتَ مَعْثَرَةٌ لِي، لأَنَّكَ لاَ تَهْتَمُّ بِمَا للهِ لكِنْ بِمَا لِلنَّاسِ».” (مت 16: 23).
وفي مشهد من مشاهد سفر أعمال الرسل، وبعد قيامة المسيح وتحرر بطرس من الخوف من الفريسيين، نجده يصرح بأعلى صوت «يَنْبَغِي أَنْ يُطَاعَ اللهُ أَكْثَرَ مِنَ النَّاسِ.” (أع 5: 29). والمقصود بالناس هم رؤساء الكهنة وحراس الهيكل، لأنهم كانوا يبشرون بالمسيح القائم.
قال عظيم الأحبار لبطرس: «أَمَا أَوْصَيْنَاكُمْ وَصِيَّةً أَنْ لاَ تُعَلِّمُوا بِهذَا الاسْمِ؟ وَهَا أَنْتُمْ قَدْ مَلأْتُمْ أُورُشَلِيمَ بِتَعْلِيمِكُمْ، وَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْلِبُوا عَلَيْنَا دَمَ هذَا الإِنْسَانِ».(أع 5: 28) فأجاب بطرس بكل شجاعة «يَنْبَغِي أَنْ يُطَاعَ اللهُ أَكْثَرَ مِنَ النَّاسِ.” (أع 5: 29).
إن كلمة “طاعة” متعددة المعاني: فمثلًا الطاعة للأوامر العسكرية، والطاعة للقوانين، والطاعة للأهل، والطاعة للكاهن، والطاعة لتعليمات الحزب السياسي
فعن أي طاعة نتحدث؟ عن الطاعة لرؤساء الدين، أم الطاعة لصاحب هذا الدي وهو الله. ولا شك أن في هذه الأيام نستمع إلى أوامر كثيرة باسم الله، عند رجال الدين المسيحي ورجال الدين الإسلامي. وغالبا ما تكون أوامر رجال الدين مشبعة بقدر من العنجهية، إذ يقدمون أنفسهم وكأنهم هم الآلهة، وليس الله، لأن ما يأمرون به في أحيان كثيرة هي أوامر إذعان، وتصب في تضخيم شخصيتهم وأسلوب الأوامر فيه من التعالي على شعبهم وقليل من التواضع، فنجد أنفسنا أمام السؤال نفسه “علينا أن نطيع من الله أم الناس (رجل الدين)؟
علمنا بطرس بكل شجاعة، “الله أحق بالطاعة من الناس” ولماذا قال بطرس هذا الكلام؟ لأن رجال الدين كانوا يتحدثون عن إله يختلف عن إلههم. فبطرس فهم أنه لابد ان يطيع يسوع وليس من قتلوه من رجال الدين. قيل “لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق” أي حينما نؤمر بعمل شيء يدلنا إيماننا أن هذا الشيء مناقض لإرادة الله ومحبته فنحن في حل من طاعة من أمر بهذا، مهما كلفنا ذلك من ثمن.
إن مفهوم الطاعة عند المؤمن هو القبول العميق والمقتنع بأن الله فيما يطلبني أو يأمرني بشيء فأنا أختار وأقرر وأنفذ هذا الشيء عن إقتناع، وبصفتي ابن لهذا الاله، والذي أعشقه وأتمنى أن أكون دائمًا تحت نظره وفي حضنه.
إن جملة “ابن الطاعة تحل علي البركة” كلمة صحيحة ولكن تطبق في مواقف خاطئة للغاية، فطاعة المسيح أو من يمثله تكون مصحوبة بمشاعر الحب والإمتنان، لأنها تصب في مصلحتي وليس مصلحة رئيس الكهنة أو أحد الخدام.