الغفران – الأب وليم سيدهم
ما علاقة ملكوت السموات بالغفران؟ لا مكان في الملكوت لمن لا يغفر لأخيه من كل قلبه. قلم قاس يحكم به الانجيل على من لا يغفر لأخيه وأخته في البشرية مشهد قاس للغاية عن الملكوت هذه المرة يتلخص المشهد في ملك كان له مديون بعشرة ملايين جنيه و كان المديون للملك عاجز تمامًا عن السداد فسجد وتضرع للملك كي يعفيه فعفا عنه، وتحنن عليه. هذا المديون الذي عفا عليه الملك كان له عشرة جنيهات عند أحد أصدقائه وعوضًا أن يعفيه من هذا القليل أخذ يعنفه وأدخله السجن.
نتأمل شخصية هذا الرجل كيف يعفو عنه سيده بدين كبير جدًا، أما هو فيأبى أن ينصت لشخص محتاج وفقير للغاية بسبب عشرة جنيهات؟ من تكون هذه الشخصية؟ إنها شخصية قاسية الملامح، تتعامل مع الله بمنطق أن حنان قلبه وحبه له مش مفروض، لذا لا نجد أي مشاعر شكر أو توبة، أو تغيير باطني عرفانًا بجميل هذا الذي أعفى عنه بملايين الجنيهات. وإلا كيف نفسر قساوته وبشاعة موقعه مع زميله، بسبب بضعة جنيهات؟
إن هذا الشخص القاسي والجاحد هو أنا، في كل مرة إرتكبت حماقة الفصل بين التعامل مع الله والتعامل بين وبين البشر. لا بل تعاملنا مع الله كانه خادم لرغباتنا المريضة وبالتالي، ننتظر من أن يعفو عنا بشكل إجباري وكأنه حق من حقوقنا أن نفرض على الله تنفيذ مشيئتنا وليس مشيئته.
كل مرة أمسكنا بتلابيب أحد أخوتنا بسبب هفوة بينما غفر الله لنا ذنوبنا الثقيلة، بسبب حبه المجاني لنا. إن أحد مشاهد الانجيل يحدثنا فيه يسوع عن الدرس الذي أعطاه للفريسي إذ ضرب له مثلًا لشخص مديون له شخصان واحد مديون بعشرة جنيهات والآخر بخمسين جنيهًا فجاء يوم وعفا الاثنين عن ديونهما فمن يكون أشد حبًا للذي عفا عنه دينهما. ورد وقتها الفريسي أظن الذي عفاه بالأكثر.
وبالمقارنة بين ما قصه يسوع على الفريسي وبين ما ارتكبه المديون الأول صاحب الملايين الذي عفا عنه الله، فإن الإنجيل يود أن يشير إلى جسامة خطأ صاحب الملايين الذي أعفاه الله منها، بسبب عدم الإعتراف بفضل الله عليه من ناحية ومن ناحية أخرى بسبب قساوته على أخيه وإدخاله السجن.
لذا، يعود الله إليه مرة أخرى لكي يأمر بإلقائه في السجن هو وإمرأته، في الحقيقة، هذا المثل المقصود به تحذيرنا من الوقوع في هذا الموقف وليس تخويفنا من مصير قاتم ومظلم، إن محبة الله المجانية لا تزال ممدودة لكل واحد فينا لكي نعدل دفة الميزان ونعامل إخوتنا البشر بمثل ما يعاملنا هو، أي بالرحمة والحنان والرأفة.