أدخل إلى العمق و أرمى الشبكة – الأب وليم سيدهم
كان كل شئ يوحى بأن الصيادين فى وادٍ و يسوع المسيح فى وادٍ آخر، بطرس و يوحنا و يعقوب على الشاطئ ينظفون شباكهم بعد ليلة عمل طويل لم يحالفهم الحظ فيها و لو بسمكة واحدة. ومن جهة أخرى يسوع يحدث الجموع الملتفة حوله على الشاطئ عن مملكة الله.
إلا إن يسوع كعادته لاحظ ما يحدث على الجانب الآخر عند بطرس و أصدقاءه.. لا يوجد سمك لم يصطادوا شيئاً. فوراً فهم و أشار عليهم بالدخول إلى “العمق” و طلب منهم أن يرموا شباكهم فى النهر. إن هذه المروءة عند يسوع الناصرى طبيعة فيه تجعله دائماً حاضراً للآخرين فى فرحهم و في كربهم. وفوراً إنضم الصيادون إلى الجموع التى كانت تصغى ليسوع.إلا أن بطرس لم يدع الفرصة تفلت منه ليسجل موقفاً على يسوع، فرد على يسوع يشرح له الموقف الدرامى “قَدْ تَعِبْنَا اللَّيْلَ كُلَّهُ وَلَمْ نَأْخُذْ شَيْئًا.” ثم أضاف : ” وَلكِنْ عَلَى كَلِمَتِكَ أُلْقِي الشَّبَكَةَ ” .
إن مثل هذه المواقف نعيشها كل يوم ليس فقط فى الصيد و لكن في محاولاتنا المستمرة للوصل إلى هدفنا و لكن لا ننجح. فمثلاً الحصول على ورقة رسمية من مكتب السجل المدنى أو من الشهر العقارى أو من التموين … الخ كذلك في الدراسة كم مرة يقف الفشل حائلاً دون بلوغنا النجاح في حياتنا.
ولكن … ولكن هناك هاتف منظور او غير منظور يدفعنا لمعاودة المحاولة مرة في مرة و النتائج تكون مبهرة أحياناً كثيرة. وفى هذا المشهد الانجيلي بامتياز يظهر يسوع بصفته المنقذ و المخلص من الفشل فقط كان على بطرس و يوحنا أن يصغيا لإقتراح يسوع. فى الحقيقة فشل الصيادين لساعات طويلة فى الحصول على شئ وهم المحترفون فى صيد الأسماك جعلهم يقتنعون أن هناك شئ ما جعل الأسماك تختفى من المنطقة و بالتالى كان يصعب عليهم أن يحاولوا مرة أخرى.
إلا أن الشباك امتلأت “وَلَمَّا فَعَلُوا ذلِكَ أَمْسَكُوا سَمَكًا كَثِيرًا جِدًّا، فَصَارَتْ شَبَكَتُهُمْ تَتَخَرَّقُ” ، هنا توقف الصيادون يتأملون الموقف قبل و بعد تدخل يسوع فوجدوا أن هذا الرجل مبروك.. ومبروك للغاية لأنهم وجدوا ما لم يكونوا يتوقعوه فذهب بطرس و سجد ليسوع و اعتذر له لقلة إيمانه “اخْرُجْ مِنْ سَفِينَتِي يَا رَبُّ، لأَنِّي رَجُلٌ خَاطِئٌ!” ، ولكن رد يسوع كان رداً كله ثقة و أمل في أن يتحول هؤلاء الصيادين الباحثين عن لقمة العيش فقط إلى شركاء له يبحثون أيضاً عن أشخاص آخرين يصيروا خداماً لإخوتهم البشر لإقامة مملكة الله على الأرض.
إن الدخول إلى عمق البحر يناظره الدخول إلى عمق أنفسنا أن لا نقبل بالمشاعر السطحية أو الأحكام السطحية علينا أو على غيرنا بل أن نغوص في أعماق قلوبنا لنرى فيها جذور رغباتنا و مشاعرنا و آمالنا إنه من فضلة القلب يتكلم اللسان، هكذا يمكننا أن نتعرف على رغباتنا و أحلامنا الحقيقية فيصبح مثلا البحث عن عمل لتكسب قوتنا واحداً من أهدافنا و ليس كل هدفنا في الحياة فنحن نكسب عيشنا لكى نستطيع تحقيق أهداف أسمى من كسب العيش. أن نجد وقتاً كافياً لتربية أبنائنا أو وقتاً كافياً للتأمل في عمل الله و في كلمته أن ندخل إلى العمق أن نتأمل فى عظائم الله.