أنت من تحبه 6 ” أسقمني حبك “
أسقمني حبك
نشيد الأناشيد
للأب هاني باخوم
معاني كثيرة لخبرة الحب في سفر نشيد الأناشيد ولكن يوجد ما هو أكثر. الحب يظهر هنا وكأنه مرض: “اْسنِدوني بِأَقْراصٍ مِنَ الزَّبيب أَنعِشوني بِالتُّفَّاحِ فقَد أَسقَمَني الحب”. (2: 5)، (5: 8) نعم بالنسبة للحبيبة الحب أصبح مرض.
غريب، لا تطلب الشفاء منه، ولكن تطلب ان يساعدوها كي تستمر فيه، أن تواصل في هذا العذاب العذب، تطلب قوة لا شفاء، مساعدة لتعاني أكثر من هذا الشيق المؤلم. أهذه صورة للمسيح الذي كان يموت حبا. يموت ويطلب ماء ليقاوم، ليستمر يحب حتى أخر نقطة قدرة له. لا اعلم! اعلم ان حبيبة النشيد تقول: شِمالُه تَحتَ رَأسي ويَمينه تُعانِقُني (2: 6).
ماذا؟ أنتي تتألمين بين ذراع حبيبك؟ يحيط بها و تشعر بهذا المرض، ماذا يحدث؟
بعض المفسرين يقولون انه الم الانتظار والشوق، الم اللهفة، الم الرغبة في أن تقابله وتراه، تتلمسه وترتوي منه. كما يقول اغسطينوس “نفسي لن تهدأ إلا فيك، يا ربي”. لن تهدا نفسي في هذا العالم، وان استشعرت حبك ولمسته في المخلوقات، لن تهدأ إلا عندما تتحد بك. لكن الحبيبة معه، فكيف؟
الحبيبة تقول: “حَبيبي أَرسَلَ يَدَه مِنَ الثَّقْب فتَحَرَّكَت لَه أحْشائي” (5: 4). كم هو جميل، شاعري هذا التعبير. لا نتفهمه في عصرنا. فلنتخيل هذا الوسط الساكن، وصوت يد الحبيب تفتح الباب على حبيبتها النائمة، وما اثر ذلك؟ يحرك أحشائها، يقبض بقلبها، ييقظ ما تبقى لها من أمال، ويحي ما بقى لها من أيام. كتلك الصبية، التي تحب وترى حبيبها على الواتس اب “”ONLINE، قلبها يغرد: قد يرسل كلمة، صورة، طب حيسلم، ….. كهذا الشاب الذي يترك أصدقائه كي يرجع مبكرا ليجد حبيبته مازالت AVAILABLE على الفيسبوك ( اتمنى بهذه التشبيهات نتفهم نشيد الأناشيد!!). نعم هذا المرض هو مرض الحب الذي لا يميت، بل يحي، لأنه ينتظر ويبحث عن الحبيب. وفي الانتظار معنى للحياة. يموت من لا ينتظر شي. فالحب مرض يحي لأنه يجعلنا ننتظر. ألهذا يقول الرب ”اسهروا وصلوا” اي انتظروني.. الهذا تقول الكنيسة للحبيب: تعال، مارانتا.
اخرين يقولوا ان الم الحب ينبع من الحرية؟ نعم، أن الأخر يجب أن يكون حرا، لا نستطيع ان نتملكه، وإن تملكناه، أصبح شي غير الحب. هل الم الحب يأتي من ان نسمح للأخر ان يكون دائما أخر؟ حر أن يختار عكس ما أراه، حر أن يختار غير ما أرغبه، عكس ما أتوقعه، حر حتى ان يخطئ؟ هل من هذا ياتي الم الحب؟ لأني لو منعت الحبيب ان يكون حرا اذا أنا أحب نفسي في الحبيب ولا أحبه. أحب فكرتي، صورتي عنه وأبدا ما رايته، أبدا ما أحببته.
ألهذا تقول الحبيبة “أسقمني حبك”، لأنها تصارع مع ذاتها؟ بين ذراعيه ولكنها تخاف من الغد؟ لا اعلم! اعلم أنها تتألم. ولا ترفض هذا، بل تقول ساعدوني ان أتحمل هذا المرض.
نعم، أحبائي هذا مصدر للألم: ان نترك للأخر ان يكون دائما وأبدا حر، كما هو وليس كما أريد أنا أن يكون هو. ألهذا أحب الله الإنسان وتركه حر، حر حتى أن يرفضه، يصلبه. الآن افهم الم الأب: أحبنا وتركنا أحرار، وليس فقط الم الابن على الصليب.
تفسيرات كثيرة لمرض تلك الحبيبة، لكن هل يوجد تفسير أخر؟
للمقالة القادمة…أيام مباركة …