أنت من تحبه نفسى 5 ” أنا هو من أحب “
أنا هو من أحب
نشيد الاناشيد
للأب هانى باخوم
خبرة الحب اذا هي خبرة معرفة للذات: “سوداء ولكن جميلة”، هي خبرة حوار يصبحا فيها الاثنين واحدا: “أنا أنت”، هذا ما رأيناه. وهنا جانب جديد لهذا الحب.
الحب هو دافع يغير الحبيبة فتصبح مثل الحبيب، ويطبع صورة الحبيبة في الحبيب، يجعلهما يتشابها في كيانهما، في شكلهما، تصرفاتهما، كلامهما، بطريقة غير معقولة وغير مسبوقة. كيف؟
ها هي تراه مثل الحمل القافز والمسرع بين الجبال (2: 17)، صورة تشبيهيه رائعة في الصحراء وسط الجبال، رمز للحياة التي تقفز وتسرع تجاهك، وها هو يراها أيضا بنفس الطريقة (4: 5). نعم الحبيب يصف حبيبته كلها، ولا يخجل: عنقها، عيناها، خدودها، شفتاها، ثدياها، كلها، وكل ما فيها…. يصفها والغريب إنها هي أيضا تصفه بنفس الأشياء. الحبيب لا يخجل، يعبر بطريقته الجذابة والملموسة عن حبه، يرسم لها صورة، يخط لها كيان، فنجد إنها نفس الصورة التي رسمتها هي له، ونفس الكيان التي حبته هي فيه. نعم لان خبرة الحب تحولنا إلى من نحب.
يقول القديس أغسطينوس ( في تفسيره لرسالة ليوحنا) ” أنا هو من أُحب”، كيف؟ هل تريد أن ترى نفسك ماذا ستكون؟ أنظر إلى من تحب. فأنت ستتحول إلى من تحب لأن الحب هو دافع أساسي لتغيير شخصيتنا. هو إنفتاح كيان تجاه الحبيب يسمح له أن يشكله من جديد، أن يحوله لمثيل له. يكفي ان ننظر للشباب الذين يحبون مطرب او فنانه نجدهم بنفس طريقتهم، كلامهم، زيهم. بدون قصد يقلدونهم، لان الحب يجذبنا ويدفعنا ان نصير كمن نحب. كم من الأشخاص أحبت القراءة مثلا، فقط لان الحبيب يحبها، وغير ذلك…
الحب يحولنا إلى الحبيب، فهو شغف وانتظار، لهفة وعليقه لا تنطفئ ولا تستهلك، لا تنتهي بل تكتمل بالإتحاد التام، ليس فقط الجسدي، بل ما هو أعمق، اتحاد الكيان. القديس أغسطينوس يستمر ويقول أن نفسي توجد في من أحبه أكثر ما هي في جسدي، والقديس يوحنا الصليبي في قصيدته: ”ليلة مظلمة” يهمس فيقول…
“في ليلة مظلمة، في صمت ودون أن يراني أحد،
وأنا لا أرى شخص أو شيء إلا من يرغبه قلبي،
بدون مرشد أو معين، رغبتي له، كانت من تقودني،
تقودني أوضح من شمس الظهيرة، إلى حيث كان ينتظرني.
ياليلة انتِ التي حولتي الحبيبة الى الحبيب”.
نعم، أحبائي، هذا صحيح: ” الحب يحولنا إلى من نحب” . الله أحب الإنسان لدرجة انه أصبح إنسان على رجاء أن يحب الإنسان الله فيصبح ابن للإله. ويبقى السؤال: “أنا وانت من نحب؟” لأننا في اتجاهنا له.. سنصير مثله …
نعود للحبيبة التي تركناها مع حبيبها بين كلمات نشيد الأناشيد. فماذا نرى من جديد في هذا الحب؟
للمقالات القادمة – ايام مباركة