إن أحببتم من يحبكم فأي أجر لكم – الأب وليم سيدهم
إن منطق “أحب الذي يحبني” منطق فاشل ورغم وضوحه إلا أنه منطق عقيم، ففي المُلمات الصعبة حتى هذا الشعار يسقط. الإنجيل خير شاهد على ذلك في مشاهد كثيرة. مشهد السامري الصالح هو ابرز المشاهد التي تكذب هذا الإعلان فرغم أن الذي هجم عليه اللصوص وعروه وجرحوه وتركوه بين حيًّ وميت هو يهودي الهوية، إلا أن الكاهن واللاوي يقول عنهما الكتاب “ابصروه في هذا الوضع الخطير لكن تركوه”. وكيف نفسر رفض الوقوف والاهتمام بهذا الجريح وهذا المنازع رغم انه يهودي؟! أغلب التفسيرات يمكنها أن تبرر غياب المحبة عند أصحاب المقامات والمراتب اليهود. حدث بسبب إرتباطهم بمواعيد طقسية تتعلق بخدمتهم، إذ لا وقت للإهتمام بهذا المسكين.
ولكن، ربما هذا اللاوي وهذا الكاهن هما انفسهما لن يمنعا انفسهما باعلان عن عكس ما فعلوا، لليهود الفقراء، بينما السامري الذي وقع جريحًا المفترض أنه عدو لليهودي الذي ترك دابته وضمد جراحه ونقله الى الفندق … الخ
في الشدائد والمحن تفضح الإنسان أقواله وتصريحاته، ويثبت فسادها أو العكس نجاعتها وفاعليتها. إن كثيرين ممن نحبهم يعيشون في ظروف صعبة للغاية، إلا أننا نقف مكنوفي الأيدي أمامهم، لعدم قدرتنا على الوفاء بما تقتضيه المحبة نحوهم. فإن كنا غير قادرين على حب من يحبنا، فكم بالأحرى نحن غير قادرين أن نحب أعدائنا.
ليس أمامنا إلا موقف واحد أمام الله، وهو أن ندق صدورنا ونعلن عن خطيتنا، وهي عدم قدرتنا على فعل المحبة من الأصل، وعلينا الاعتراف أن الله فقط هو الذي يستطيع أن يرتق هذا الفتق في كينونتنا، كما فعل العشار وهو يصلي في الهيكل قائلًا: “اللّهُمَّ ارْحَمْنِي، أَنَا الْخَاطِئَ.” (لو 18: 13).
وينصحنا المسيح بقوله عن الفريسيين هؤلاء جالسين على كرسي موسى، فاسمعوا ما يقولون ولا تفعلوا ما يفعلون. إن إعلاننا عن كلمات الحُب للآخرين لن يتجاوز النُطق بهذا الحب، إذا كان فارغًا من الممارسة الحية الفاعلة، إن المسافة بين الإعلان عن حبنا للمسيح أو للقريب، وبين أفعال الحُب من غفران وعدالة وحنان ورأفة، تشبه المسافة بين الأرض والسماء.
ذلك لأن الكلمة لكي تجد طريقها إلى التنفيذ عند الانسان تعترضها عقبات داخلية كثيرة، منها الإرادة الطيبة، والخيال الخصب، والشفاء النفسي والروحي والجسدي، وكل عنصر من هذه العناصر يتطلب وقتًا مناسبًا.
أما كلمة الله فهي فورية وخلاقة وحيّة، تتجاوز حساباتنا كبشر، وإن لم تتغير في العُمق مثل السامري الصالح ليصبح فكرنا هو فعلنا فإننا سنظل مجرد أبواق فضفاضة وفارغة من كل معنى.