إن لم تمت حبة الحنطة لن تعطي ثمرًا – الأب وليم سيدهم
إن لم تمت حبة الحنطة لن تعطي ثمرًا
نلاحظ في حياتنا اليومية أن الحياة والموت يتعانقا بشكل مستمر، لقد مات يوسف وولد بطرس. لقد ماتت بهية وولدت سنية وهكذا دواليك، وتعددت الحيوات ولكن الموت يحصد الجميع كُل في موعده. وهكذا حبة الحنطة تدفن في الأرض وتموت ولكن بعد فترة تتفاعل فيها حبة الحنطة مع التراب بما فيه من بوتاسيوم وماغنسيوم ومعادن مختلفة فتتحول الحبة إلى جذور ثم ساق ثم أوراق ثم سنابل، والسنابل تتمر ثلاثين وستين ومائة.
يأخذ السيد المسيح عِبرة من حياة المزارعين اليومية وما لحظه يسوع في تطور الحبة من طور إلى طور، وكيف تفاعل الموت مع الحياة في نموذج حبة الحنطة نأخذ منها درسًا عميقًا عما يحدث في حياتنا اليومية الأرضية المشروطة بحزمة من القوانين الفيزيقية والمعاني الميتافيزيقية.
لم يجد المسيح مثلًا أبلغ من درس الحنطة لينقل إلينا مفهومه للموت والحياة. نعم، إن لم تمت حبة الحنطة لا يمكنها أن تأتي بثمر، ونحن إن لم نمت كل يوم عن ذواتنا فإن حياتنا تصبح معزولة عن كل ما حولنا ومن حولنا ونظل مثل حبة الحنطة الوحيدة الموجودة في المخزن بين آلاف الحبات اللاتي تنتظر الدفن في الأرض حتى يصبح لها كيان فريد يتفاعل مع التربة وما تحويه من معادن وما تتلقاه من ماء يروي عطشها إلى الحياة.
نحن نموت عن أنفسنا حينما ندفن وسط كثيرين من أمثالنا يصارعون من أجل الحياة والبقاء. نولد في أسرة تحتضنا ونظل نرضع لبن الأم سنة أو سنتان أو أكثر ونحن مستسلمين بين يديها ونظل على هذا الحال ما بين سنتين وثمان سنوات حيث نكتسب جذورًا نفسية وإجتماعية وثقافية تنمو مع السن وبعد سن الـ 18 تقريبًا نتدرج في فنون المعرفة والحياة إلى أن نصبح أصحاب قرار، وبين الخير والشر نموت ونعيش حتى مغيب العُمر، وبين الولادة وبين الموت الإكلينيكي تتجادل فينا الحياة والموت الفيزيقي والنفسي والإجتماعي، وبقدر ما نموت عن أنفسنا بقدر ما نستطيع إعطاء المساحة لأقراننا كي يعيشوا ويثمروا معنا وفيما بعد بدوننا.
هكذا السيد المسيح فعل، فولد صغيرًا إلى أن تجرد من كل شيء في سبيل الحصول على المجد الذي حدده لنا الله بعد رحلة كفاح من أجل العدالة والمحبة ونشر السلام من أجل الشجاعة في إتخاذ القرارات الملائمة لكل مرحلة من مراحل عُمرنا، فتحمل التعب والألم والعزلة والرفض والمهانة والذُل على مثال المسيح دون أن ينهدم بيتنا الداخلي وتظل روحنا منفتحة على روح الله لكي تلضم الأرض بالسماء فينفض مضجع الظالمين والدكتاتوريين وعبدة الأوثان من ذهب وفضة وجنس ودولار، فنكون قد أثمرنا ثمرًا به يتبارك العالم وتُرفع هامة الإنسان.
إن محبة الله ومحبة القريب هما الوصيتان اللتان تلخص جميع الوصايا كما علمنا يسوع، وسبيل تطبيق هاتين الوصيتين نموت عن أنفسنا ليحيا القريب ونموت عن أنفسنا لكى يتمجد الرب.
والحياة لا معنى لها إن لم تتعرض لشمس العلاقة مع القريب حيث ينتج عن هذه العلاقة الكشف عن معرفتنا نحن وهل نستطيع تحمل صدمات الحقد والحسد والغيرة والقهر والإضطهاد، أما نحن غير جديرين بهذه الحياة فنفضل الموت دون جهاد ودون إجتهاد لرفع التحدي المفروض علينا فنموت ”فطيس” يعنى موتة مذرية غير كريمة.
لقد مات المسيح من أجلنا لكي نحيا به.