احتفالاً بعيد مؤسسها : الرهبنة الفرنسيسكانية ورسالة التنوير فى مصر
تحتفل الرهبنة الفرنسيسكانية فى مصر والعالم بعيد نياحة مؤسسها القديس العظيم فرنسيس الأسيزى فى 4 أكتوبر من كل عام ، كثيرة هي العظات والمقالات على هامش المناسبة ، التى تتناول الرسالة الروحية للرهبنة الفرنسيسكانية فى الدعوة إلى معايشة الإيمان المسيحى ومن ثم تجديد الحياة الروحية الشخصية والجماعية لأبناء الكنيسة . يحاول التقرير التالي قراءة الدور التنويري الذى سعت إليه الرهبنة الفرنسيسكانية فى مصر ، انطلاقاً من روحانيتها الدينية وخصوصية انتمائها إلى أرض وادي النيل . عن موقع الثقافة فى الرسالة الفرنسيسكانية وما تحمله من عناصر تميز روحى وإنساني يقول الأب يعقوب شحاته الفرنسيسكاني ، فى كتابه ( الحوار والعيش المشترك .. رسالة الفرنسيسكان فى مصر ) : ” إن روح لقاء القديس فرنسيس مع السلطان الملك الكامل ، ونتائجه من حوار وانفتاح على الآخر ، أضحى جزءاً أساسياً من رسالة الرهبان الفرنسيسكان يحرصون على أن يحيوها يومياً . والذين توافدوا من بعده ركزوا جهودهم على إقامة الحوار سواء مع المسلمين الذين يشكلون الغالبية الساحقة من السكان ، أو مع الطوائف المسيحية الشرقية ، وهى تشكل غالبية السكان المسيحيين فى البلاد . وتتصف رسالة الرهبان الفرنسيسكان بين الآخرين بالتأقلم والحضور الأخوي ، وبالاحترام والحوار والتضامن مع الجميع خاصة مع المنبوذين والمهمشين والمضطهدين . وقد سعى الرهبان والراهبات الفرنسيسكان فى تطبيق هذه العناصر التى تتميز بها رسالتهم من خلال أنشطتهم المختلفة . وفى المجال الثقافي ، يقوم الفرنسيسكان بدور كبير حيث أسسوا مراكز الدراسات والأبحاث : مركز الدراسات المسيحية الشرقية بالموسكى ، المركز الثقافي الفرنسيسكاني بالجيزة ، المركز الكاثوليكي للسينما ، بالإضافة إلى مساهمتهم الثقافية والفكرية ، كما أنهم اغنوا المكتبات بالمؤلفات والترجمات ” . وانطلاقاً من كلمات الأب يعقوب شحاته ، نلقى مزيداً من الضوء عن هذه المؤسسات الثقافية الثلاثة التى عملت على تعزيز الثقافة والفن فى الوجدان المصري .
( 1) – المركز الكاثوليكي المصري للسينما :
يذكر الدليل العام للكنيسة الكاثوليكية فى مصر ( 2002 ) ، أن المركز الكاثوليكي المصري لوسائل التعبير الاجتماعي ، أنشاه الأب بطرس فرنسيدس الفرنسيسكاني بالتعاون مع المرحوم فريد مزاوي وبموافقة الأراضي المقدسة للآباء الفرنسيسكان عام 1949 ، وتعين الأب ارمينو رونكاري مسئول عنه منذ عام 1952 حتى 1967، ثم تعين الأب يوسف مظلوم فى عام 1968 مديراً للمركز . وفى الوقت الحاضر يتبع المركز الآباء الفرنسيسكان المصريين ، ومنذ 7 أكتوبر 2010 يتولى الأب بطرس دانيال مسئولية إدارة المركز ، حيث صار المركز قبلة للسينمائيين فى مصر . يهدف المركز الكاثوليكي المصري للسينما إلى الاتصال بالسينمائيين وتقييم الأفلام المصرية التى تعرض على مدار السنة من الناحية الإنسانية الاجتماعية والأخلاقية ، بجانب ذلك بالمركز مكتبة سينمائية وأرشيفاً للأفلام المصرية منذ تأسيسه . كذلك ينظم المركز مهرجاناً سنوياً يمنح خلاله جوائز للأفلام المصرية التى تبرز من خلالها القيم الإنسانية والأخلاقية والاجتماعية ، كما تمنح جوائز خاصة للسينمائيين مع الذين يعملون فى مجال الإذاعة والصحافة والتلفزيون . فى حواره مع الزميلة ريم مختار بمجلة ” صباح الخير ” الأسبوعية ، والمنشور بعدد الثلاثاء 15 سبتمبر 2020 يقول الأب بطرس دانيال مدير المركز الكاثوليكي للسينما : ” إن رسالة الاحتفال السنوي بالسينما المصرية فى هذا المركز الكنسي الكاثوليكي رسالة سامية جداً وهى وقفة سينمائية أمام الفساد البصري والسمعي وما نراه اليوم بشكل هائل أمام هجمات لا إرشادية من الفن السيئ والرديء “. وحول خدمات المركز قال الأب بطرس دانيال الفرنسيسكاني : ” رسالة المركز هي خدمة الجميع سواء داخل مصر أو خارجها ، بجانب الخدمات الخيرية التى نقدمها مع الفنانين عند زيارتنا للمستشفيات فإننا نمتلك أقدم أرشيف فني فى الشرق الأوسط حيث تبنى المركز مسئولية التوثيق لتاريخ السينما المصرية منذ عرض الأفلام الروائية الأولى مثل فى بلاد توت عنخ أمون عام 1924 ، ليلى 1927 . أما بالنسبة للمهرجان السنوي لأفلام السينما المصرية الذى ينظمه المركز منذ عام 1952 فهو أول مهرجان سينمائي منتظم فى مصر ، إننا نعمل فى المركز كواجب مقدس ، فالسينما المصرية فى عمرها الطويل لا تزال تقف على حدود هذه المعادلة فى نشر الخير والحب والجمال ” .
( 2 ) – مركز الدراسات الشرقية المسيحية :
يذكر أديب نجيب سلامة فى كتابه ” الكنيسة الكاثوليكية فى مصر .. تاريخ مختصر ” أن المركز الفرنسيسكاني للدراسات الشرقية المسيحية يوجد بدير الآباء الفرنسيسكان بحي الموسكي بالقاهرة ، وهو تابع لجماعة فرنسيسكان حراسة الأراضي المقدسة ، وكان قد افتتح عام 1954 وخصص للدراسات المسيحية الشرقية إلى جانب الدراسات المتعلقة بتاريخ وأعمال الفرنسيسكان ، وقد صدر عن المركز أكثر من 125 بحثاً علمياً كما صدر 30عدد من مجلته Collectanea . وفى كتاب ” أضواء على تاريخ الرهبنة الفرنسيسكانية بمصر – الجزء الثاني ” يروى الأب عمانوئيل ماكن الفرنسيسكانى قصة تأسيس كنيسة سيدة الانتقال بحي الموسكي ، ويقول : ” مما يعطى أهمية لدير الموسكي حاليا هو مركز الدراسات الشرقية المسيحية الذى قام بافتتاحه عام 1954 رئيس مصر الأسبق محمد نجيب ، بحضور القاصد الرسولي والأب رئيس حراسة الاراضى المقدسة والمسئولين عن المركز وكبار المدعوين . ويضم المركز مكتبة متخصصة بالشرق الأوسط المسيحى وتاريخ الاراضى المقدسة زاخرة بالكتب والمخطوطات والمجلات الهامة التى تعتبر مرجعا لأهل البحث والعلم فى هذا المجال . ويقوم المركز سنوياً بنشر تحتوى على مجموعة الأبحاث والوثائق والمراجع التى يقوم بها الدارسون ، هذا بخلاف الكتب التى يقوم بطبعها الباحثون بلغات مختلفة . وهذه المكتبة مركز مسكوني لطلاب العلم من المسيحيين والمسلمين وسائر المذاهب ” . ويذكر الموقع الرسمي للرهبنة الفرنسيسكانية بمصر على شبكة المعلومات الدولية : ” تتلخص رسالة المركز الفرنسيسكاني بالموسكي في العمل على توطيد التعاون والتفاهم المتبادل والذي يتمحور ليس فقط في “المعارف العقلية، لكن استيعاب التراث المتبادل في الشرق والغرب. في بداية تأسيس المركز كانت مكتبته تحتوي على 15 ألف كتاب، أما الآن فهي تحتوي على أكثر من مائة ألف كتاب. وهي مفتوحة أمام جميع الدارسين الذين يمكنهم الإطلاع فيها على مؤلفات قد يصعب العثور عليها في الشرق الأوسط. ويحتوي قسم الدوريات والمجلات على أكثر من خمسمائة دورية ومجلة. أما أرشيف المركز الذي بالرغم من ضياع جزء منه، إلا أنه ما يزال يحظى بأهمية عظمى ، لكونه يحتوي على وثائق تتعلق بفرنسيسكان الأراضي المقدسة بداية من القرن السابع عشر. ويصدر المركز ثلاثة إصدارات هي : الأولى دورية المركز المعروفة بمجموعة أبحاث ووثائق شرقية والثانية هي مجموعة دراسات (SOC-Monographiae) الثالثة هي تراث الأب جولوبوفيتش و المعروفة بـ “مكتبة أعلام ومراجع إقليم الأرض المقدسة والشرق الفرنسيسكاني” . وأخيراً يقبل المركز الإسهامات العلمية لأولئك الذين يعملون على إقامة العلاقات السلمية والتفاهم المتبادل بين الشرق والغرب.
( 3 ) – المركز الثقافي للدراسات القبطية :
يعد المركز الفرنسيسكاني للدراسات القبطية ، أحدث المنافذ التى تقدمها الرهبنة الفرنسيسكانية بمصر فى مجال التنوير الديني فهو مركز علمي وبحثي وثقافي يقدم للباحثين دبلوم فى الدراسات العليا للآثار والفنون القبطية ، كما ويصدر عن المركز دورية متخصصة فى مجال ” التراث العربي المسيحى ” . على هامش افتتاح المؤتمر الدولي الثالث للمركز الثقافي الفرنسيسكانى للدراسات القبطية تحت عنوان “المصادر التاريخية لمسيحي الشرق الأوسط “، و التي أقيمت لمدة ثلاث أيام فى الفترة من الخميس ١٥ إلي السبت ١٧ نوفمبر2018 بقاعة النيل بكنيسة سان جوزيف بوسط القاهرة قال الأب ميلاد شحاته الفرنسيسكانى مدير المركز ، ما يعبر عن هوية المركز ورسالته حيث قال : ” الحضور الكرام انه لمن دواعي سروري أن أنال هذا الشرف الكبير فى أن ألقى هذه الكلمة بصفتي رئيس للمركز الثقافي الفرنسيسكانى للدراسات القبطية ورئيس المؤتمر وان أكون مكلف من الرهبنة الفرنسيسكانية فى هذه الفترة لإدارة المركز وخدمة الطلاب المرشحين للدخول للرهبنة فى تكوينهم الاكاديمى وهذه الفترة الخدمية والتي امتدت لست سنوات شكلنا فيها رؤية واضحة لتوجهات الرهبنة الفرنسيسكانية فى مصر فى مجال الدراسة القبطية والتراث المسيحى فقد قمنا بعمل تعاونيات واتفاقيات أكاديمية وبحثية عديدة ساعدنا فى تفعيلها المؤسسات العلمية فى مصر وخارجها . نمد أيدينا دائما للتعاون مع الجميع ونتمنى أن يكون عملنا وخدمتنا الرهبانية الثقافية و التنويرية وطاقة نور لتشع للجميع فلنا طموحات وأمال كبيرة للمشاركة فى مستقبل أفضل لهذا البلد العزيز ” . الجدير بالذكر أن المركز الثقافي الفرنسيسكاني للدراسات القبطية استطاع وفي أعوام قليلة أن يضحى شعلة تنويرية تقدمية في عموم ارض المحروسة لا سيما في مجال الدراسات القبطية والتراث المسيحي القبطي، كما نجح في عقد شراكات علمية واتفاقيات مع عدد من الجامعات والأكاديميات الشهيرة حول العالم وفي الداخل المصري، فعلى الصعيد الخارجي وثق المركز علاقته بالمكتب الدولي للعلاقات الأكاديمية “جامعة ايشتات الكاثوليكية بألمانيا، وبجامعة بايزمان بيتر الكاثوليكية في دولة المجر، وفي الداخل قسم الدراسات القبطية بمكتبة الإسكندرية كذلك شارك المركز الثقافي الفرنسيسكانى للدراسات القبطية شارك بجناح خاص لإصدارات المركز بمعرض القاهرة الدولي للكتاب يناير 2020 من عناوين الإصدارات كتب “الطقوس الجنائزية عند الأقباط”، وكتاب “الشهداء الفرنسيسكان الأوائل” المترجم عن الراهب مينا حنا الفرنسيسكاني والقديس فرنسيس والسلطان للأب وديع الفرنسيسكاني، و”قراءة في التصوف الفرنسيسكاني”، بالإضافة لأول دورية صادرة عن المركز عن التراث العربي المسيحي .
دراسة وتحقيق : ناجح سمعـان