الإيمان فى زمن الوباء ( 5 ) فضيلة الرجاء والعبور إلى القيامة
كتب : ناجح سمعـان
فى زمن التجارب والمحن تحتاج النفس البشرية إلى معين القوة الروحية كطاقة نور وهاج تهتدى بأشعته للسير فى السبيل القويم نحو التحرر من عتمة الطريق ووعورتها وصولاً الى باب الخلاص . تمثل قيامة السيد المسيح من بين الأموات ، العنوان الساطع فى كتاب الإيمان المسيحى وذلك لما للقيامة من معانى روحية وانسانية نبيلة ، تملأ النفس بمشاعر الفخر بالمخلص الذى كسر شوكة الموت ، وهو ما يولد فى الوجدان المسيحى معنى الرجاء كقوة روحية تتجاوز حدود المستحيل . أمام شوكة الموت التى تتمدد على سطح الكرة الارضية شرقاً وغرباً جراء وباء كورونا اللعين ، يضحى التحلى بالرجاء والنمو فيه بمثابة طاقة النور التى تلهب القلب وتنير الفكر فى التماس مراحم الرب وانتظار يوم خلاصه .
( 1 ) – الفضيلة وتهذيب النفس :
عن معنى الفضيلة يورد كتاب التعليم المسيحى الكاثوليكى للشبيبة بأنها موقف باطنى وعادة ايجابية ورغبة توظف فى خدمة الخير العام حيث اننا بقدرتنا البشرية لا نستطيع عمل ذلك الا جزئياً لكن الله يساندنا بنعمته ويمنحنا الفضائل الإلهية التى بعونها نبلغ إلى نور الله وقربه . وعليه يجب ان نهذب انفسنا لكى نستطيع ان نفعل الخير بحرية وفرح يساعدنا هنا بالدرجة الأولى الايمان الثابت بالله ، والعيش وفقاً للفضائل الروحية فنوجه قدرات العقل والارادة توجيهاً يزداد وضوحاً نحو الخير . وحول ما هو الرجاء يذكر التعليم بأنه القدرة التى نتوق بشدة وعلى الدوام إلى الهدف الذى نحن موجودون على الأرض لأجله ، أى أن نمجد الله ونخدمه وإلى ما تقوم به سعادتنا الحقة أى أن نجد فى الله امتلاءنا ، وإلى حيث نلقى وطننا النهائى فى الله .
( 2 ) – عدوى الرجاء :
خلال عظة قداس عيد القيامة المجيد هذا العام قال قداسة البابا فرنسيس للعالم : ” يتردد اليوم فى العالم بأسره صدى اعلان الكنيسة المسيح قام .. حقا قام ، كشعلة جديدة اتقدت هذه البشرى السارة فى الليل . ومع هذه البشرى السارة يتردد صدى صوت الكنيسة ان المسيح رجائى قد قام من الموت انها عدوى تنتقل من قلب الى قلب لان كل قلب بشرى ينتظر هذه البشرى السارة انها عدوى الرجاء . واضاف الاب الاقدس : ليُعطِ يسوع، فصحنا، القوّة والرجاء للأطباء والممرضين الذين وفي كلِّ مكان يقدّمون شهادة عناية ومحبة للقريب باذلين أقصى جهودهم وفي بعض الأحيان مُضحّين بصحتهم . إليهم وإلى الذين يعملون بمثابرة من أجل ضمان الخدمات الأساسية الضرورية للتعايش المدني وإلى قوى الأمن والعسكريين الذين وفي بلدان عديدة قد ساهموا في تخفيف صعوبات السكان وألمهم، يتوجّه فكرنا المحب وامتناننا” .
( 3 ) – بالرجاء مخلصون :
تأتى الرسالة العامة للبابا بنديكتوس السادس عشر الصادرة عام 2007 تحت عنوان ” بالرجاء مخلصون ” فى مقدمة الادبيات الكنسية المعاصرة التى تناولت موضوع الرجاء المسيحى بكثير من التفاصيل الغنية بالتعاليم الروحية واللاهوتية . عن معنى الرجاء يقول بنديكتوس السادس عشر : ” بالرجاء نحن مخلَّصون ، ففى الرسالة الى اهل رومية يقول القديس بولس للرومانيين ولنا أيضاً (روم 8 / 24) وحسب الإيمان المسيحي الخلاص ليس مجرّد فكرة. إن الفِداء قد وُهبَ لنا كرجاءٍ، رجاءٍ وثيق، به نستطيع أن نواجه الحياة الحاضرة التي بالرغم من كونها مُتعِبة يُمكنها أن تُقبَل وتُعاش إذا كانت تُفضي إلى غايةٍ ما، وإذا ما كنّا أكيدين من تلك الغاية، وإذا ما كانت تلك الغاية عظيمة لدرجة أنها تُبرِّرُ تعبَ المسيرة “.
وحول حقيقة الرجاء المسيحى يقول البابا بنديكتوس فى رسالته سالفة الذكر : ” فى الحقيقية من لا يعرف الله هو دون الرجاء الاعظم الذى تقوم عليه الحياة باكملها . ان الرجاء الحقيقى للانسان هو ذاك الرجاء الذى يثبت بالرغم من كل خيبات الأمل ، الله وحده الذى احبنا ومازال يحبنا إلى المنتهى حتى يتم كل شئ . ان من لمسته المحبة يبدأ يفهم معنى الحياة الحقيقى يبدأ يفهم ما تعنيه كلمة رجاء لقد قال يسوع عن نفسه بأنه جاء لتكون لنا الحياة فى ملئها ” .
( 4 ) – العمل وتعلُم الرجاء :
عن موقع العمل البشرى فى معايشة الرجاء كتب البابا بنديكتوس : ” كل عمل انسانى جدى وقويم هو رجاء فى طريقه إلى التحقيق هو كذلك قبل كل شئ لاننا بواسطته نحاول تحقيق امالنا الصغيرة منها والكبيرة . ان اداء هذا الواجب الهام فى مسيرة حياتنا ومن خلال مجهوداتنا يساهم فى جعل العالم اكثرا نورا وانسانية وهكذا تفتح لنا ابواب المستقبل . ان جهودنا اليومية فى سبيل حياتنا ولاجل مستقبل الجماعة اما ان تسبب لنا التعب او تتحول إلى تطرف ان لم ينرنا نور ذاك الرجاء الاعظم الذى لا يمكن ان يحطمه الفشل فى الامور الصغيرة او الاخفاق فى الاحداث التاريخية . ويضيف رجل العقيدة والإيمان قائلا : ” انه لأمر هام ان نرجو حتى لو كانت امور حياتنا او شئون اللحظة التاريخية التى نعيشها تبدو وكانها لا تحمل اى رجاء . لا يزال بامكانى ان ارجو دائما ، وحده الرجاء الضمان الاعظم من ان حياتى الشخصية والتاريخ باكمله يظلان محروسين فى قدرة المحبة الخالدة التى بفضلها يكتسبان معنى واهمية ” .
( 5 ) الرجاء والعبور إلى الشفاء :
إذا كان الرجاء هو الفضيلة الروحية الأولى التى توجه الكنيسة انظارنا إليها كدرس مستفاد أول عند التأمل فى معنى قيامة الرب من بين الأموات ، فى مقابل الواقع المريض الذى نعيشه فى زمن الوباء ، لذا يتوجب على الكاتب ان يسجل هذه القراءات :
أ- ان فضيلة الرجاء إلهية المصدر إنسانية التطبيق لذا دعونا ان نتحلى بها هذه الأيام حتى تمتلئ قلوبنا بالأمل فى شفاء العالم وخلاصه كعطية حب مجانية من لدن الله تعالى .
ب- ان رجاءنا الجماعى بمثابة اعلان ايمان مشترك نرفعه إلى الرب القدير كى نستعطف قلبه الرحيم كأب للبشرية وسيد للتاريخ .
ت- ان الرجاء يدعونا إلى التحرر من حسابات الزمن الارضية واللهث وراء التساؤل الأصعب ، متى يكون زمن خلاصنا ؟ وما علامات ذلك اليوم ؟
ث- يدفعنا الرجاء إلى التسليم البنوى بقبول مواعيد الرب ليوم خلاصنا والإصغاء الحر إلى كلمته واثقين فى محبته الفريدة لكل إنسان .
ج- يقودنا الرجاء إلى الإيمان ببعضنا البعض كأخوة ، ساعين إلى التضامن معاً متيقنين ان خلاص الرب حقيقة لا شك فيها .