stay connected

- Advertisement -
الكنيسة الكاثوليكية بمصر

construct design

Travel

الكنيسة الكاثوليكية بمصرروحية ورعويةكنيسة الأقباط الكاثوليكموضوعات

الانبا بطرس فهيم _ مطران ايبارشية المنيا 🙏 أين أخوك؟ 🙏

478views

هذا السؤال الذي طرحه الله قديما على قايين حين قتل أخاه هابيل (تكوين 3 : 9). وهو السؤال الذي يطرحه الله علينا كل يوم. وقد يتساءل البعض وهل نحن قتله لأخوتنا ليسألنا الله هذا السؤال؟ الحقيقة يا أخوتي أنا أريد أن انطلق من هذا السؤال لأتأمل معكم في بعض المواقف التي نعيشها ببساطة، وتظهر مواقف سلبية وأحكام قاسية نعيشها تجاه أخوتنا، وقد لا ندرك خطورتها وتأثيرها السلبي عليهم، فهي تؤذيهم أشد الأذى وقد تعوقهم عن النمو والفرح والانطلاق أحيانا كثيرة.

فنحن، أحيانا دون أن ندري، عنصريين. انتبهوا أنا هنا لست في مجال اتهام أحد أو الحكم على أحد فمن أنا لأحكم أو أدين؟ أنا فقط أسلط الضوء على بعض التصرفات التي قد تتسبب في مشاكل كبيرة في علاقاتنا الاجتماعية، لننتبه لها ونعمل على إصلاحها إن أردنا فتتحرر عقولنا وقلوبنا ونساهم في بناء إنسانية جديدة سعيدة، ومجتمعات تليق بالبشر وما لهم من كرامة. ماذا اقصد بكلمة عنصريين؟ يوجد بعض الناس فيما بيننا تتأثر مواقفهم من الآخرين، ومحبتهم وقبولهم أو رفضهم لهم لمجرد اختلاف لون بشرتهم أو شكلهم. فهناك من يرفضون التعامل، وبالأخص يرفضون الارتباط بأشخاص ذوي بشرة سوداء مثلا أو غيرها من الألوان. وهناك من ينغلقون فلا يتعاملون مع أنواع من المرضى أو من ذوي الإعاقة الجسدية أو العقلية، قد يكون بسبب الخوف أو بسبب عدم الخبرة أو بسبب أفكار مسبقة، وهناك من لديهم أحكام مسبقة على الجنس الآخر فكم من الرجال لديهم أحكام سلبية وغير حقيقية عن النساء؟ والعكس صحيح … الخ. ولا نقبل حتى مجرد أن نجرب الانفتاح والدخول في مثل هذه العلاقة لنحكم عليها بعد تجربتها وعيشها، فأحكامنا جاهزة مسبقا. وهذا هو سر الخطر الذي أنبه إليه. هذا على مستوى الشكل الخارجي.

أما على مستوى الحالة المزاجية والنفسية، فحدث ولا حرج، فكم من العلاقات أفسدناها أو خسرناها لمجرد أن حالتنا النفسية أو المزاجية غير مستقرة أو قد عكر صفوها شيء ما ولو بسيط. وكم أثر على علاقاتنا ما يسمى بالتفاؤل والتشاؤم فبُنيت علاقات لا تستحق أن توجد، وهُدمت علاقات خسرناها وخسرنا معها الكثير من الأشخاص الرائعين.

أما على المستوى العقلي فالمشكلة أكبر فمن لا يتفق معنا في الرأي أو الانتماء السياسي أو الفلسفي أو الفكري نقاطعه ولا نتعامل معه، وأحيانا نعتبره منافسا أو منافقا أو عدوا. وكأننا نحن وحدنا من نملك كل الحقيقة وما سوانا ما هو إلا غباء وسطحية وسخافة، أو سوء نية ومؤامرة أو انتهازية ووصولية، أو سمها كما شئت من المسميات والأحكام التي تصدر كل يوم وتصنف الناس بحسب أفكارهم وانتماءاتهم وتوجهاتهم وما ينتج عن ذلك من مشاحنات ومعارك كلامية أحيانا وفعلية أحيانا أخرى.

أما على المستوى الديني فالأمر أصعب وأصعب فعند بعض الناس من يختلف عني في الدين أو حتى في الطائفة أو في المدرسة الفقهية يعتبر كافر وزنديق ويجب اجتنابه نهائيا. كم من الحروب حدثت في التاريخ بسبب الآراء اللاهوتية أو الفقهية وكلفت البشرية والديانة نفسها الكثير من الخسائر وألصقت بها أحكاما لا يستطيع الدين أن يتخلص منها لسنوات وعقود وقرون.

في النهاية من يقع ضحية كل هذه الأنواع من العنصرية هو أخي الإنسان الذي وصانا الله به، باحترامه ومحبته والحفاظ على مشاعره وليس فقط على حياته. إن مثل هذه التصرفات تشير إلى تضخم في الأنا واستهتار وتهاون إن لم نقل تحقير للغير وهذا امر لا يليق ببشر أسوياء ناضجين.

ولنا في يسوع المسيح المثل في التعامل مع الناس المختلفين عنه في التفكير وفي الانتماء الوطني وفي الدين فمثلا استقبل العشارين، وهم فئة خاطئة ظالمة متحالفة مع المستعمر الروماني، ولذلك كانت تمقتهم عقلية اليهود عموما والملتزمين منهم خصوصا، وأكل معهم ودعا واحدا منهم ليكون من تلاميذه، وهو متى (متى 9) ودخل بيت أكثر من واحد منهم وقبل دعوته على المائدة، وأحيانا بادر هو بأن يدخل بيته مثل زكا العشار مثلا (لوقا 19 : 1 – 10)، رغم أنه حذر من أساليبهم (متى 16 : 5 – 12) فيسوع وإن كره الخطيئة إلا أنه احب الخاطئ، ولم يخلط بين الخاطئ وخطيئته. وعمل نفس الشيء مع الفريسيين الذين يعتبروا النقيض الأخلاقي والديني للعشارين، فهم فئة ملتزمة دينيا جدا وكانوا غالبا في خلاف مع يسوع بسبب تفسيره المتحرر للشريعة، فقبل دعوة الفريسي (لوقا 7 : 36 – 50، 11 : 37 – 54) وحاول أن يصحح مفاهيمهم ولكنه وإن رفض طريقة فهمهم للشريعة ولكنه أحبهم هم كأشخاص. وهكذا فعل مع الغرباء مثل أهل السامرة (يوحنا 4)، والمرأة الكنعانية (متى 15 : 21 – 28) التي بعد أن اختبر ثقتها امتدح إيمانها، ورأى في السامرين مثلا أناسا صالحين أحيانا حتى أكثر من كهنة اليهود وخدامهم أنفسهم، مثل السامري الصالح (لوقا 10 : 25 – 37). فالطيبة والصلاح غير مرتبط بشعب معين ولا بديانة بعينها، فالإنسان المخلوق على صورة الله متى كان على اتصال بما خلقه الله فيه من طيبة وصلاح وجمال وخير ومروءة فسيكون صالحا وخيرا. وقدم خدمة للضابط الروماني (متى 8 : 5 – 13) ولم يستنكف من أن يلمس الأبرص ويشفيه وكان يُعد نجسا ومرفوضا (متى 8 : 1 – 4). ولم يغضب على بطرس ويسحب منه التكليف بقيادة الكنيسة بعد أن أنكره بل ثبته في مهمته وجدد له محبته (متى 26 : 69 – 75 ، يوحنا 21 : 15 – 19)، ولم يعط مهمة قيادة الكنيسة للتلميذ الحبيب يوحنا رغم ما كان يحظى به من محبة وقرب وأمانة خاصة فهو لا يجامل ولا يتحامل. قال ليهوذا الذي جاء ليسلمه لليهود ليقتلوه “يا صديقي” (متى 26 : 47 – 56). وعلى الصليب طلب الغفران لصالبيه (لوقا 23 : 34).

هذه بعض الأمثلة والنماذج من تعاملات يسوع مع كل فئات البشر الخاطئين والأبرار، والقريبين والبعيدين، والمتفقين والمختلفين، من تحالفوا معه ومن تكتلوا ضده، من ساعده في حمل الصليب ومن سلمه ليصلب وحكم عليه بالموت، من شهد له ومن شهد ضده. في كل الحالات لم يسمح يسوع أبدا أن يكون هو نفسه أو أحد من المتعاملين معه ضحية حكم أو رفض أو ازدراء أو بغض.

فهو رغم كل ما عانى من الآلام ظلما إلا انه تعامل مع آلامه بأنفة وكبرياء وشموخ وعزة نفس وكرامة، ولم يمثل يوما دور الضحية والمظلوم. ولم يتعال على أحد أو يستكبر وهو ابن الله الوحيد والذي اخذ من الآب سلطان الحكم، ولكنه قال إنه جاء لا ليدين ويهلك بل ليحيي ويخلص. من خلال كل كلمة وكل موقف وكل قرار وكل فعل كان تجسيدا كاملا لله الرحمة والمحبة التي بلا حدود وبلا شروط. هكذا يكون مثله من يؤمن به ويتبعه. نطلب نعمته لنتعلم منه كيف نعيش وكيف نتعامل مع الناس لا كما يعاملوننا، بل كما يليق بنا أن نتعامل وكما يليق بأبناء الله، فهم أبناء الله وإن كانوا في وقت ما قد ابتعدوا أو ضلوا الطريق، إلا أن كرامتهم تظل دائما محفوظة واحترامهم واجب. فلا نكون رد فعل بل فعلا أصيلا يعبر عن قيمة ما نؤمن به وكرامة من ننتمي إليه، وكرامة من نحبهم معه وبه وفيه ومن أجله لأنه فيهم رغم شرورهم إن وجدت. فالله محبة، ومن آمن به عاش في المحبة وبالمحبة وللمحبة.

فيجب أن ننتبه ونعي بكل ما يمكن أن يكون كامنا في داخلنا من مشاعر وأفكار وخبرات سلبية مؤلمة أو جروح تدفعنا إلى نبذ الآخرين وإخراجهم من حياتنا. وننتبه لكل تضخم في الذات وللأنانية التي تجعلنا نحتقر الآخرين ونحكم عليهم، أحيانا حتى دون أن نعرفهم على حقيقتهم. إنها شرور تفسد الحياة والعلاقات التي جاء يسوع ليعمقها ويقدسها، فعلمنا بمثله كيف تكون العلاقة بين الإنسان وأخيه الإنسان بغض النظر عن جنسه ولونه ولغته وعرقه ودينه وموقفه الأدبي وسلوكياته. علمنا كيف نحرر قلوبنا وعقولنا لنفرق بين الإنسان الذي يجب أن يُحب ويُحترم في كل الظروف والأحوال، وبين تصرفات الإنسان وأعماله التي يمكن أن تصنف كما شئنا، ولكن دون المساس بقيمة وكرامة الإنسان نفسه فهي مرتبطة بذاته المخلوقة على صورة الله ومثاله. وكم من الأشرار والفاسدين تابوا وتغيروا وصاروا قديسين وأبطالا غيروا مجتمعاتهم، وسطروا أسماءهم بحروف من نور على صفحات التاريخ. فحين يسألني الله: “أين أخوك” أجيبه بكرامة ورأس مرفوع، هو هنا في قلبي وإلى جواري فقد أحببته وساعدته وساندته حين كان يحتاج المساندة والمساعدة، ولم أتخل عنه لأنه أخي ولأني تعلمت في مدرسة الإيمان أن الإنسان أهم من كل ما عداه على الأرض، وأنه يأخذ كرامته منك أنت يامن خلقته وفديته وأعطيته الحياة طريقا والسماء مصيرا والشركة معك فرحا أبديا. فإن كنت أنت يا رب قد قبلته واعترفت به فمن أنا لكي أرفضه وأحكم عليه وأدينه؟ فقد علمتنا يا رب أن المحبة الحقيقية هي التي نقدمها لا لمن يستحق المحبة، بل لمن يحتاج إلى المحبة.

فالحبة الحقيقية التي تعرف القبول والتضامن والمسامحة والرحمة ومحبة الأعداء هي التي ترتقي بنا إلى إدراك حقيقتنا وتحقيق إنسانيتنا الحقيقية، ومشاركة الله في روعة محبته.

++ جوزيف مكرم .. المنسق الإعلامى لايبارشية المنيا ++