stay connected

- Advertisement -
الكنيسة الكاثوليكية بمصر

construct design

Travel

البابا والكنيسة في العالم

البابا يترأّس قدّاسًا تاريخيًّا في أبو ظبي

732views

الثلاثاء 5 فبراير 2019

بعد أن احتشد أكثر من 135 ألف مؤمن من مختلف مناطق الإمارات والجوار، مع أولى ساعات النّهار، وصل البابا فرنسيس إلى مدينة زايد الرّياضيّة في أبو ظبي، حيث ترأّس القدّاس الإلهيّ التّاريخيّ الأوّل في الخليج العربيّ، بجوّ من الفرح والإيمان والانفتاح الدّينيّ البارز. بعد الإنجيل المقدّس، ألقى البابا عظة جاء فيها:

“طوبى: هي الكلمة التي يبدأ بها يسوع عظته في إنجيل متّى. وهي اللّازمة التي يكرّرها اليوم، وكأنه يريد أن يثبِّت في قلبنا، قبل كلِّ شيء، رسالة أساسيّة: إذا كنتَ مع يسوع، إن كنتَ كالتّلاميذ تحبّ أن تصغي إلى كلمته، إن كنت تسعى لعيشها يوميًّا فأنت قد نلت الطّوبى. لن تنال الطّوبى في المستقبل وإنّما قد نلتها منذ الآن: هذه هي الحقيقة الأولى للحياة المسيحيّة. فهي ليست لائحة وصفات خارجيّة ينبغي القيام بها أو مجموعة عقائد علينا أن نعرفها. ليس الأمر هكذا؛ بل هي أن نعرف أنّنا، بيسوع، أبناء محبوبون من الآب. إنّها عيش فرح هذه الطّوبى، وفهم الحياة كقصّة حبّ، قصّة حبّ الله الأمين الذي لا يتركنا أبدًا ويريد أن يقيم معنا شركة على الدّوام. هذا هو سبب فرحنا، فرح لا يمكن لأيّ شخص في العالم أو لأيّ ظرف أن ينتزعه منّا. إنّه فرح يعطي سلامًا حتّى في الألم، فرح يجعلنا منذ الآن نتذوّق تلك السّعادة التي تنتظرنا للأبد. أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، في فرح لقائكم، هذه هي الكلمة التي جئت لأقولها لكم: طوبى لكم!

لقد وجّه يسوع التّطويبات لتلاميذه، لكن ما يدهشنا إنّما هو سببُ كلٍّ مِن هذه التّطويبات. فيها نرى انقلابًا جذريًّا للفكر العام، الذي وبحسبه ينال الطّوبى الأغنياء والمقتدرون والنّاجحون وتهتف لهم الجموع. أمّا بالنّسبة ليسوع فطوبى للفقراء والودعاء والذين يحافظون على برّهم حتّى لو تركوا انطباعًا سيئًا، وطوبى للمُضطهدين. مَن هو على حقّ إذًا، يسوع أم العالم؟ لكي نفهم علينا أن ننظر إلى الطّريقة التي عاش فيها يسوع: عاش فقيرًا بالأشياء وغنيًّا بالمحبّة، لقد شفى العديد من الأشخاص ولكنّه لم ينقذ حياته. جاء ليَخدُم ولا ليُخدَم؛ علّمنا أنّ العظيم ليس الذي يملك وإنّما الذي يُعطي. عادل ووديع، لم يقاوم وسمح بأن يُحاكم ظُلمًا. بهذه الطّريقة، حمل يسوع إلى العالم محبّة الله. هكذا فقط تغلّب على الموت والخطيئة والخوف وروح العالم: بقوّة المحبّة الإلهيّة فقط. لنطلب اليوم، هنا معًا، نعمة إعادة اكتشاف جمال اتّباع يسوع والتّشبُّه به، وعدم البحث عن شيء آخر غيره وغير محبّته المتواضعة. لأنّه عبر الشّركة معه وعبر محبّة الآخرين نجد معنى الحياة على الأرض. هل تؤمنون بهذا؟

لقد جئت أيضًا كي أشكركم على طريقة عيشكم للإنجيل الذي سمعناه. يُقال إنّه بين الإنجيل المكتوب والإنجيل المعاش نجد الفرق عينه بين الموسيقى المكتوبة والموسيقى المعزوفة. أنتم هنا تعرفون لحن الإنجيل وتعيشون حماس نغمته. أنتم جوقة تتضمّن تنوّع جنسيّات ولغات وطقوس؛ تنوّع يحبّه الرّوح القدس ويريد على الدّوام أن ينسّقه ليصنع منه سمفونيّة. وسمفونيّة الإيمان الفَرِحَة هذه والمتعدّدة الأصوات هي شهادة تعطونها للجميع، وتبني الكنيسة. لقد تأثرتُ بما قاله لي المطران هيندر ذات مرّة، أيّ أنّه لا يشعر فقط أنّه راعيكم وإنّما أنّكم بمثالكم غالبًا ما تكونون رعاةً له. شكرًا على ذلك.

إنّ العيش كمن استحقّوا الطّوبى واتّباع درب يسوع لا يعني أن نكون مبتهجين على الدّوام. فالذي يمرّ بضيقة أو يعاني بسبب الظّلم أو يجتهد ليكون صانع سلام يعرف ما معنى الألم. من المؤكّد أنّه ليس سهلًا بالنّسبة لكم أن تعيشوا بعيدين عن البيت وأن تشعروا ربّما، بالإضافة إلى افتقاركم للعواطف الغالية، بمستقبل غير أكيد. لكنّ الرّبّ أمين ولا يترك خاصّته أبدًا. قد يساعدنا حدث من حياة القدّيس أنطونيوس الكبير مؤسّس الحياة الرّهبانيّة في الصّحراء. كان قد ترك كلّ شيء من أجل الرّبّ وذهب إلى الصّحراء، وهناك ولزمن طويل غاص في جهادٍ روحيّ متواصل، إذ كانت تعتريه الشّكوك والظّلمة وكان يتعرّض لتجربة السّقوط في الحنين والتّحسّر على الحياة الماضية. بعدها عزّاه الرّبّ، بعد عذاب كبير فسأله القدّيس أنطونيوس: “أين كنتَ، لماذا لم تأتِ لتحريري من الآلام. أين كنت؟”. ففهم عندها بوضوح جواب يسوع: “لقد كنتُ هنا يا أنطونيوس” (القدّيس أثناسيوس، حياة القدّيس أنطونيوس، 10). إنّ الرّبّ قريب. قد يحصل أن نفكّر أنّنا وحدنا إزاء تجربة ما أو فترة صعبة حتّى بعد زمن طويل قضيناه مع الرّبّ. لكن في تلك اللّحظات، حتّى ولو لم يتدخّل فورًا، هو يسير إلى جانبنا، وإن تابعنا المضيّ قدمًا فسيفتح دربًا جديدة. لأنّ الرّبّ اختصاصيٌّ في القيام بأمور جديدة ويعرف كيف يجعل في البرّيّة طريقًا (را. أش 43، 19).

أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، أريد أن أقول لكم أيضًا إنّ عيش التّطويبات لا يتطلّب أعمالًا باهرة. لننظر إلى يسوع: لم يترك شيئًا مكتوبًا ولم يبنِ شيئًا مهيبًا. وعندما قال لنا كيف ينبغي أن نعيش، لم يطلب منّا أن نقوم بأعمال كبيرة أو بأفعال فائقة الطّبيعة. لقد طلب منا أن نحقق تحفة فنيّة واحدة، في متّسع الجميع، وهي حياتنا. فالتّطويبات إذًا هي خريطة حياة: لا تتطلّب أعمالاً خارقة وإنّما أن نتشبّه بيسوع في الحياة اليوميّة. هي تدعو للمحافظة على نقاوة القلب، وللعيش بوداعة وعدالة بالرّغم من كلِّ شيء، ولأن نكون رحماء مع الجميع ونعيش الضّيقات متّحدين بالله. إنّها قداسة الحياة اليوميّة التي لا تحتاج لأعاجيب ولعلامات خارقة. فالتّطويبات ليست لبشر خارقين وإنّما لمن يواجه تحدّيات وتجارب كلِّ يوم. والذي يعيشها وفقًا ليسوع يجعل العالم أنقى. إنّها كالشّجرة التي، حتّى في أرض قاحلة، تمتصّ الهواء الملوّث وتعطي الاوكسجين. أتمنّى لكم أن تكونوا هكذا، متجذّرين جيّدًا في المسيح، في يسوع ومستعدّين لفعل الخير لكلِّ من هم بجواركم. لتكن جماعاتكم واحات سلام.

في الختام، أريد أن أتوقّف بشكل وجيز عند تطويبتين. الأولى “طوبى للودعاء” (متّى 5، 5). لا يستحقّ الطّوبى من يهاجم أو يتسلَّط، وإنّما من يحافظ على تصرّف يسوع الذي خلّصنا: وديع أيضًا إزاء الذين يتّهمونه. يطيب لي أن أذكر القدّيس فرنسيس عندما أعطى الإخوةَ التّعليماتِ حول كيفيّة الذّهاب إلى المسلمين وغير المسيحيّين إذ كتب: “عليهم أن يبتعدوا عن الشّجار والخلافات، ويخضعوا لكلِّ خليقةٍ بشريّةٍ محبّةً بالله ويعترفوا بأنّهم مسيحيّون”. لا شجار ولا خلاف، وهذا الأمر يصّح أيضًا بالنّسبة للكهنة، لا شجار ولا خلاف: في ذلك الزّمن فيما كانوا ينطلقون لابسين أدرعة ثقيلة، ذكّر القدّيس فرنسيس أنَّ المسيحيّ ينطلق مسلَّحًا فقط بإيمانه المتواضع ومحبّته الملموسة. إنّ الوداعة مهمّة: إن عشنا في العالم بحسب أسلوب الله فسنصبح قنوات لحضوره، وإلّا فلن نثمر.

التّطويب الثّاني: “طوبى لِلسَّاعينَ إِلى السَّلام”. إنَّ المسيحيّ يعزّز السّلام، بدءًا من الجماعة التي يعيش فيها. في سفر الرّؤيا، ومن بين الجماعات التي يتوجّه إليها يسوع، نجد جماعة فيلادلفيا، التي أعتقد أنّها تشبهكم. إنّها كنيسة لا يوبِّخها الرّبّ على شيء بعكس الكنائس الأخرى. فهي في الواقع قد حفظت كلمة يسوع بدون أن تُنكر اسمه، وثابرت أيّ مضت قُدمًا حتّى في الصّعوبات. وهناك جانب مهمّ: الاسم فيلادلفيا يعني المحبّة بين الإخوة. المحبّة الأخويّة. إنّ الكنيسة التي تثابر على كلمة يسوع وعلى المحبة الأخويّة هي مقبولة من الرّبّ وتثمر. أطلب لكم نعمة المحافظة على السّلام والوحدة والاعتناء ببعضكم البعض عبر تلك الأخوّة الجميلة التي لا يوجد فيها مسيحيّون من فئة أولى وآخرون من فئة ثانية.

وليمنحكم يسوع، هو الذي يوجّه إليكم التّطويبات، نعمة المضيّ قدمًا على الدّوام بدون أن تفقدوا العزيمة، فتنموا في المحبة “لبَعضِكم الِبَعْضٍ ولِجَميعِ النَّاسِ” (1 تس 3، 12).

قبل أن أختتم هذا الاحتفال، الذي سرّني للغاية، أودّ أن أوجّه تحيّاتي القلبيّة لكم جميعًا أنتم الذين شاركتم به: المؤمنين الكلدان، والأقباط، والرّوم-الكاثوليك، والرّوم-الملكيّين، واللّاتين، والموارنة، والسّريان-الكاثوليك، والسّريان-المالابار، والسّريان-المالانكار.

أشكر بحرارة المطران هيندر على التّحضير لهذه الزّيارة، وعلى جميع أعماله الرّعويّة.

“شكرًا” جزيلًا للبطاركة، ولرؤساء الأساقفة، وللأساقفة الآخرين الموجودين، وللكهنة، وللأشخاص المكرّسين، وللعديد من العلمانيّين الملتزمين بسخاءٍ وبروح الخدمة، في الجماعات وتجاه الفقراء.

لتحفظكم أمّنا مريم الكلّيّة القداسة في حبّ الكنيسة وفي الشّهادة الفرحة للإنجيل. من فضلكم لا تنسوا أن تصلّوا من أجلي. شكرًا!”

في نهاية القدّاس، شكر البابا فرنسيس المؤمنين المشاركين من جميع المذاهب، والإكليروس الحاضرين، معبّرًا عن سروره بوجوده في “ديار زايد”، وتوجّه بعدها إلى مطار أبو ظبي ليعود أدراجه إلى روما.

وكانت فتاة اعترضت بعفويّة دخول البابا في سيّارته البابويّة إلى المدينة الرّياضيّة الّتي توقّفت بأمر منه، فباركها قبل أن يكمل طريقه نحو منصّة الاحتفال.

يُذكر أنّه وقبيل توجّهه إلى القدّاس الإلهيّ، زار البابا فرنسيس كاتدرائيّة مار يوسف في أبو ظبي حيث التقى فيها عددًا من المؤمنين.

نقلا عن نور نيوز