البطريرك ساكو يكتب: الانسان مشروع للحياة وليس للقتل!
البطريرك لويس ساكو
2020/01/01
نقلا عن موقع أبونا
القتل هو عملية سلب حياة انسان ما وإنهائها، إنْ عمداً وهو جريمة عظمى، أو سهواً ويختلف عن النوع الأول اخلاقياً وشرعياً.
من المؤسف جداً ان تُصبح عمليةُ القتل بدم بارد، مشهداً يوميًّا في العديد من المجتمعات، مما يُعيدنا الى العصور المظلمة، الى شريعة الغاب حيث كان الانسان أشبهَ ما يكون بوحشٍ يفترس من يشاهده ويعده خصماً. نكاد نشاهد عملياتِ القتلِ والاغتيالِ والتفجيرِ، أو نسمع عنها يوميًّا في العراق وسوريا واليمن وليبيا والصومال ونيجيريا، وحتى في بلدان متقدمة.
الانسان يعاني انقساماً في ذاته بسبب ميوله المتعددة، فالحياة تبدو صراعاً بين الخير والشر وبين النور والظلمة، وما كان مجيء الانبياء ومجيء السيد المسيح الا لاستعادة الانسان وحدتَه وتناغمَه الداخلي، و”أنسنة” العلاقة مع الآخر الذي هو اخٌ لهُ، وليس عدواً. يقول المسيح: “وصيةً جديدةً أنا اُعطيكم: أن تحبوا بعضكم بعضاً (يوحنا 13: 34). لذا على الانسان أن يناضل طوال حياته ليلزم الخير والقيم الانسانية والروحية والاخلاقية وبمساعدة النعمة الالهية.
قبل الاف السنين، جاء صوتُ الله ليقول للانسان: “لا تقتل اخاك”، كما ورد في قصةِ قتل قايين أخاه هابيل (تكوين 4: 10-11). وهذه الجريمة الشنيعة تظهر مدى عنف الميول الشريرة في قلب الانسان، والتي تقضي على قيم المحبة والسلام والعيش المتناغم.
المسيح في الانجيل لا يُشير الى القتل البدني فحسب، بل الى القتل المعنوي – الاخلاقي: “سـَمِعْتُمْ أَنَّهُ قيلَ لِلأَوَّلين: لاتَقْتُلْ، فإِنَّ مَن يَقْتُلُ يَستَوجِبُ حُكْمَ القَضـاء. أَمَّا أَنا فأَقولُ لَكم: مَن غَضِبَ على أَخيهِ استَوجَبَ حُكْمَ القَضاء، وَمَن قالَ لأَخيهِ: يا أَحمَق اِستَوجَبَ حُكمَ المَجلِس، ومَن قالَ لَه: يا جاهِلاِ ستَوجَبَ نارَ جَهنَّم” (متى 5: 21-23). وفي الرسالة الاولى ليوحنا “كل من يبغض أخاه فهو قاتل نفس” (1يوحنا 3: 15).
المسيح يدعو الى الغفران “سبعين مرة سبع مرات” (متى 18: 22)، ويرفض الكراهية، والعنف والانتقام” من ضربك على خدك فاعرض له الآخر” (لوقا 6: 29) لان العنف يولد عنفاً، “فمن يأخذ بالسيف، بالسيف يهلك” (متى 26: 52).
الحياة هبة من الله يبنغي احترامها
من اول الكتاب المقدس الى اخره، نلمس معنىً عميقاً للحياة في جميعِ اشكالِها. كلُّ حياةٍ مصدرُها الله، فهو الخالق، وبطريقة خاصة بالنسبة للإنسان، فالله يجبله، وينفخ في انفه نسمةَ الحياة (تكوين 2: 7)، ويكفل بحمايته، ويحرّم قتلهم. للدم قدسيّةٌ في الكتاب المقدس، فهو الحياة، وكل ما له علاقة بالحياة، له علاقة بالخالق، سيد الحياة الاوحد. ومن هنا برزت وصية تحريم القتل وهي الوصية السادسة من وصايا الله. والى هذه الوصايا العشر يرجع الانسان ليعيش حياة متناغمة مع الاخرين. ارتكاب القتل جريمة عظمى ضد الانسان (عبرانيون 11: 4 و1 يوحنا 3: 11-12). لقد صنع الله الانسان على صورته وأحبَّه، لذا له وحده السلطان على حياته. ألله يعطيها او يأخذها (سفر أيوب 1: 21). وكل من يسفك دم الانسان يتجاوز على المحبة وسيحاسبه الله عليها كائناً من كان (تكوين 9: 5-6). هذا هو الاساس من وصية الله “لا تقتل” (خروج 20: 13). وفي حالة القتل يصرخ دم الضحية أمام الله كما في مقتل هابيل (تكوين 4: 10-11). فالله سأل قايين الهارب: “اين اخوك”، لا اعلم. لستُ مسؤولاً عنه. “دمه يصرخ”. في النهاية يريد الله ان يقول لكل منا: انت مسؤول عن اخيك!
تحترم الكنيسة الحياة وتقدسُها لأنها أعظم عطية من الله. ويؤكد تعليم الكنيسة الكاثوليكية على: ان الحياة مقدّسة لعلاقتها بالخالق، وان إحترام الحياة واجب، وان من حق اي انسان ان يتمتع بحياة حرة وكريمة، ولا يجوز لأحدٍ أن يضع حدّاً للحياة، القتل المباشر والإرادي ممنوع، والإجهاض محرم وكذلك القتل الرحيم والانتحار.
ثمة آيات قرآنية تحرّم القتل: “وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً” (الاسراء 33).
في حالة حصول اي اعتداء ينبغي اللجوء الى المحاكم للملاحقة القانونية، وليس الى الحزب او العشيرة لأخذ الثأر.
من الملفت للنظر ان العديد من الدول نضجت إلى درجة ألغت عقوبة الاعدام، احترامًا لقدسيةِ الحياة، وتبنت عقوبة السجن المؤبد. من المحزن انه لا توجد دولة عربية واحدة سعت لإلغاء عقوبة الإعدام!