التعقيد العقائديّ (السلبيّة) .. من هو المقياس ؟!
عالمُ الله ، لا يحتاجُ إلى ” تعقيدات ” العقيدة التي قد تعطي مبرّرات واهية في سبيل طرحها أمام الآخر ، الذي من طرفه ، مُحَصّنٌ أيضا بالتعقيدات الموروثة التي أستلمها أبّا عن جدّ . فالتعقيد العقائديّ ، صورةٌ مشوّهة للـ ” عقيدة ” الحقيقيّة التي ، بعدَ أن تمّ فحصها والتعمّق بها إيمانيّا وجماعيّا بقوّة الروح القدس وأدرجتها الكنيسة في تعاليمها ، يمكنُ أن تنقلنا إلى عالم الإيمان الحيّ بالله بعيدًا عن الخدوش والإنكسارات التي يضعُها المرء في تركيبتها . وقد يكون التعصّب أيضا له الدور الكبير في التشويه في معنى ” العقيدة ” الحقيقيّ ، مُعطية ً صورة مقولَبة للإيمان الصحيح ؛ تؤدّي إلى فتح باب المماحكات والجدالات والإنشقاقات الحاصلة الآن ، والتي حصلت سابقا في تاريخ الكنيسة ، جالبة ً معها بدع ، التي بدورها ، ومن مكانها هذا ، تصابُ الكنيسة بالشلل والتيه في مفاهيم خارجة عن الحقيقة : ” ربّما يكونُ هذا صحيحًا … أو أعتقد ذلك .. ألخ ” ! .
هذا سببه – ويجبُ أن نكونَ واقعيّين صريحين في الطرح – في رأيي المتواضع وبحسب ما أشعرُ به في قرارة نفسي : هو أننا فقدنا ” الشحنة العاطفيّة السليمة التي في الإيمان المسيحيّ ” . وعندما أقولُ ” الشحنة العاطفيّة ” ، لا أقصُد فقط ” العاطفة العمياء الهوجاء ” ، بل ” العاطفة والحبّ والعقلانيّة والحكمة والتعامل الصحيح مع العقيدة ” . تراكمتْ فوق رؤوسنا وحياتنا ، قوائم ووصايا ونُظم عقائديّة ، جعلتنا نتجمّد في مكاننا ، ونخافُ أن نفكّر في الإيمان ، أو نعيد النظر في محتوى الإيمان المسيحي وصورتنا عن المسيح والكنيسة والله بطريقة جديدة . كأنّنا واقفون على سفح جبل العقائد (التي هي أمامَنا ) ، لا نقوى ولا نقدرُ أن نتراجعَ ولو قليلا إلى الوراء ، لكي نُعيدَ الكَرّة في فهم الإيمان والنظر من جديد في معاني الإيمان . وهذا ليسَ معناه ، أن نتركَ تعاليم الآباء والكنيسة والتراث والتقليد المقدّس ، لا بل ننظرَ إلى الإيمان بطريقة ٍ جديدة واقعيّة ، وقد تكون ، كما كان يقولُ ويفعلُ أحدُ الفلاسفة ، أن نخلقَ ” الإعتراض والشكّ ” في فكرنا ، ونفتحُ حيّزا وفجوة في فكرنا ، لكي نعطي ضوءًا أحمرًا نتوقّف قليلا لنتأمّل ، ونتساءل ، ونبحثْ ، ثمّ ننطلقُ من جديد ؛ كي لا نصابُ بالنفور والفتور والإنكماش في أيّ أمر ٍ يخصّ الإيمان . فالنصوصُ المقدّسة ، ليست منزلة ً من فوق ، بل هي ترغبُ ، ولها إمكانيّة إعادة َ نظر ٍ . والتاريخ حيٌّ وليس مركّب جامد جاف لا يتحرّك ، التاريخ هو ” أنا ” و ” أنت و ” نحنُ ” ؛ التاريخ حرّ وله صلة بي أنا شخصيّا وبصراعاتي معه . المفاهيم يمكنُ أن تتغيّر على مرّ الزمن ، ولكي أكون أنا مرغوبًا بي ، يجب أن أتفاعلَ معهُ ولا أبقى متصلّبا جامدًا أخرسًا ، أو أكونَ شبحًا يسير فوقَ معطيات الإيمان المسيحيّ أخافُ أن أفكّر وأبحث وأحلّل وأحاوِرْ ! في هذه الحالة ، أي أن أكونَ فاعلا وباحثا ومتأمّلا ، لا أصابُ بالفتور والروتين الإيمانيّ العقيم والمؤلمْ ، الذي يؤدّي بي إلى أن أتّخذ مواقفَ متخشّبة تصل إلى حدّ ” النرفزة ” إذا وضعَ أحدٌ أمامي أمرًا مغايرًا لما أعتقدُ ، بل يجب أن أفكّر وأحلّل وأعطي الآخر المجالَ كي يُعطي هو ، بدوره ، ما يتصوّر ويعتقدْ ويرتأي .
جارحٌ هو الكلام الذي يصفهُ أحد الكبار في الكنيسة مثلا ، لإبداء ِ رأي ٍ في تعليم ٍ ، أو مفهوم ٍ معيّن يخصّ الإيمان ، بإنّه ” بدعةٌ ” أو ” إنحرافٌ ” ، أو ” سخافات ” ! المشكلة في تصوّري : هي مشكلة مفاهيم وتعابير ومصطلحات ولُغة أسيءَ فهمها جيّدا ولم تصلْ ( لكن الجوهر والمضمون واحدٌ هو ) . الأجدرُ بنا ، أن نكونَ هادئين ، متأمّلين ، نأخذ الأمر بعين العقل والفكر والسكينة ، بالعواطف الهوجاء المريضة ، ولا بالتعصّب الأعمى والتسرّع ، الذي لا يؤدّي إلى أيّ نتيجة ٍ ، سوى مرض ” إسهال الفكر ” ، و ” تعقيد الإيمان ” ، و ” تشويه العقيدة ” ، و ” تحجيم الإنسان في قالب عقائديّ مرضيّ ” ووضعنا في مكان عال ٍ تضربنا بمفاهيمها على رؤوسنا ، إنْ نحنُ خالفناها .
صراحة ، الله أبسط ممّا نتصوّر ونتخيّل . هذه هي الأقنعةُ التي نضعُها عليه ؛ فتشوّه صورته وحقيقته . بالتالي ، نصاب العمى الروحيّ ، والمرض المؤلم الخبيث الذي يصقع حياتنا بالتالي هو : نحنُ على حقّ وأنتم على خطأ … نحن الأصل ، وأنتم يجب أن تتبعوننا … نحنُ نحنُ نحنُ ! من هو المقياس ؟ هل في أنا ، أنت ، نحنُ …؟ أم في الله الذي يعطي الحقّ ( لا بل هو الحقّ ذاته ! ) ، ولقد كشف عن ذاته في شخص يسوع الناصريّ ، في تاريخ حيّ بحريّة لا معقولة بعيدة عن التعقّد المريض ! ، عاشَ حياته بطريقة واقعيّة ، بحريّة وعفويّة ، في صراعات ٍ مأساويّة وإنكسارات ، وإنحرافات محيطه ، وآلام ٍ وآهات ٍ ، وإختلاط المفاهيم والآراء من حوله ، وأحيانا في فشل مؤلمْ !
المقياس ، هو يسوع المسيح فقط ، والشعور بإنّي إبن حيّ بالآب ، من خلال يسوع . والإعتراف بإنني؛ بإتحادي والشراكة مع الله ، أدخُل في الماضي والحاضر والمستقبل ، وأعيش الأبديّة . كفانا تعقيدات واهية تُحجّرنا وتُبعِدنا عن الشعور الحقيقيّ بالله ، التعقيدات سبّّبت لنا ميولا عدائيّة ضدّ الآخرين ، وخلخلتْ فينا ” براغي حياتنا وإيماننا وصلتنا بالمسيح ” ، هي مُحَلحَلة وتحتاجُ لشدّ قويّ . إيماننا المسيحيّ لا يحتاجُ إلا إلى جسارة الطفل . وإبتسامة بنت ٍ صغيرة أمامَ شيء مدهش . الدهشة الدائميّة ! .. هذا ما يحتاجهُ الإيمان بالمسيح ” دهشة – وتعجّب ” لا يَملُّ المسيح من أن يصقعُنا دائمًا بالجديد والمدهش الدائم . ولكن ، كما يقولُ المثل الصيني ، نحنُ لا نرى ما يُشير إليه الإصبع ، بل نرى الإصبع فقط ! . علاماتُ الله المدهشة كثيرةٌ ، وتحتاجُ إلى بعد ِ نظر ٍ عميق ، وأن ندخلَ ” منطق الله ” ، وهذا يتولّد جرّاء إتحادنا الدائم والشراكة مع الربّ يسوع المسيح ، وأن نتأمّل ممّا هو من حولنا ونرى ” آثار الله ” , أن نكونَ أبناءً بالغين في الإيمان ، لا أبناءَ الدَلع ، ومصّ الإصبع .