الحياة الجماعة- الأب لوكاس رسمي
الحياة الجماعة- الأب لوكاس رسمي
مقدمة
الجماعة هي مكانٌ رهيبٌ فيها تتجلى محدوديتنا وأنانيتنا. عندما أعيش مع آخرين اكتشف فقري وضعفي وعجزي عن التفاهم مع البعض من رفاقي، اكتشف انغلاقي واضطراب حياتي العاطفية أو الجنسية ورغباتي التي لا ترتوي وإحباطي وحسدي وبغضي ورغبتي في التدمير. عندما كنت وحدي كنت أتصور إنني أحب كل الناس ولما وجدت مع آخرين أدركت عجزي عن الحب ورفض للحياة مع الآخرين، وأي صلاح يبقى فيَّ إذا كنت عاجزاً عن أن أحب، لا يعود يوجد فيَّ إلاَّ يأس وظلام، ويصبح الحب وهماً وأنا مقضي علىَّ في العزلة والموت.
الجماعة هي كشف مرير لما في كياني من ضعف ومحدودية ومناطق مظلمة وفي وقت لا انتظره يظهر ما في داخلي من مسخ، ويصعب علىَّ استيعاب هذا الافتضاح فأحاول أن استره أو أن انفي وجوده، فإما اهرب من الحياة الجماعية وأقطع علاقاتي بالآخرين، وإما اتهم الآخرين بما فيهم من مسخٍ لكن إذا رضيت بأن تظهر فيَّ هذه المسخ أستطيع أن أروضها وأسير نحو التحرر، وإذا أقبل الآخرين بمحدوديتنا وضعفنا تصبح الجماعة مكاناً صالحاً للتحرير، وعندما نشعر أن الآخرين يقبلوننا ويحبوننا نقبل نحن أنفسنا ونحبها بدون خوف ولا إحراج وهكذا تتعمق الحياة الجماعية في الثقة المتبادلة بين أعضائها ويصبح هذا المكان الرهيب مكاناً للحياة والنمو من اجل الجماعة التي يتبادل أعضاؤها الحب والثقة. في الحياة الجماعية يكتشف الإنسان جراحه العميقة ويتعلم أن يتحملها عندئذ يبدأ ولادة جديدة.
– هدف الجماعة
لابد أن يكون لكل جماعة هدف مشروع، بدون هدف يحدد أهدافهم وغايتهم تنشأ بينهم خلافات وتهدم هذه الجماعة، والتوتر في الجماعات غالباً من عدم التصريح بما ينشر كل واحد، فيكتشفون بسرعة أنهم ينشدون أشياء مختلفة. لكن عندما يدرك أعضاء الجماعة أنهم ليسوا من اجل أنفسهم، بل من أجل تقبل عطية الله (والله يأتي بواسطتهم) يروي ظمأ القلوب العطشى، عندئذ يعشون في الكنيسة لكل البشر ولا يحق لهم أن يكونوا فاترين.
– الجماعة ليست من أجلي بل أنا من أجل الجماعة
الجماعة ليست ألمساكنه، فالمساكنة تكون في الثكنة أو في البيت. لكن في الحياة الجماعية نخرج من الأنانية إلى نور المحبة الحق (فلبي 2/3-4) ليست المحبة محبة عاطفية ولا انفعال عابر لكنها انتباه إلى الآخر إنها الإقرار بعهد وبانتماء متبادل، إنها إصغاء للآخر ووضع النفس مكانه وفهمه. المحبة هي الجواب لنداء الآخر المشاركة معه في البكاء والفرح، هي أن اسكن فيه ويسكن فيَّ ونكون الواحد للآخر (المحبة هي قوة موحدة)
– الأصدقاء الأعداء
هم أكبر خطراً على الحياة الجماعية، فالمتشابهون يلتقون سريعاً. نحن نحب أن نكون بقرب مَن يحبنا ويرى الأمور بمنظارنا ونمدح بعضنا بعضاً ( أنت رائعٌ- وأنت رائعٌ أيضاً) وسرعان ما تنحدر الصداقات البشرية إلى نادٍ حيث ينغلق الواحد على الآخر، وتصبح الصداقات خانقة وتشكل حاجزا يمنعنا عن الذهاب إلى الآخرين والانتباه إلى حاجاتهم، وتصبح مع الوقت الصداقات تبعية عاطفية هي نوع من العبودية. ويحدث نفور من أشخاص لأنهم يعارضون أفكاري، ويصبح حضورهم تحدياً لي يثير فيَّ غرائز عدوانية فأضطر أن أحدَّهم. لكن من الطبيعي أن يوجد أنواع من التقارب العاطفي وهذا التصادم في المشاعر المختلفة.
– الصفح داخل الجماعة
عندما نقبل أنفسنا بضعفها وظلامها، وندرك محبة الله الذي لا يحكم علينا بل يشفينا ويقودنا إلى المحبة نستطيع أن نقبل أنفسنا وندرك إننا لسنا في سجن الأنانية والظلمة وندرك أن المحبة ممكنه وهكذا يصبح قبول الآخر والصفح ممكناً، فالعلاقة لا تبقي ثابتة إلاَّ إذا بنيت على قبول الضعف وعلى الصفح والرجاء بالنمو. وإذا كان الاحتفال بالذبيحة هو قمة الحياة الجماعية فالصفح هو قلبها. وتتضمن الحياة الجماعية المشتركة صليباً ما، وجهداً متواصل، ورضى يترجم في الصفح اليومي المتبادل (كو3/12-15)
– متطلبات الحياة الجماعية
1- الصبر
2- الثقة المتبادلة
3- أكون ما أنا علية
4- دعوتنا معا كما نحن
5- أشرك الآخرين بضعفي
6- الجسد الحي
7- ممارسة المواهب
8- السر الشخصي والجماعي
– أخيراً
كل واحد مدعو شخصياً أن يعيش مع الآخرين، وأن يكون عضواً في جماعة، وفي جسد. وهذه الدعوة هي أساس قرارنا بالالتزام سوية من أجل الآخرين، ومسؤلون بعضنا عن بعض…. يجب أن يجد كل عضو مكانه في الجماعة، حسب مواهبه، ولا يصبح مفيداً فقط وإنما فريداً وضرورياً للآخرين.
# بتصرف، جان فانية، الجماعة صفح وعيد، المكتبة البوليسية، لبنان، 1993.
إعداد الأب/ لوكاس رسمي