رفض يسوع في انجيل مرقس أن يلقبه الشاب الغنى “بالمعلم الصالح” و نهره قائلاً “لِمَاذَا تَدْعُونِي صَالِحًا؟ لَيْسَ أَحَدٌ صَالِحًا إِلاَّ وَاحِدٌ وَهُوَ اللهُ.”،فأنجيلى متى و مرقس يشددان على الطبيعة الإنسانية ليسوع بينما القديس يوحنا يشدد على الطبيعة الألهية له . فنجده يضع على لسان يسوع الكلمات التى تعبر عن نسبه الالهى. يوحنا يعتبر يسوع الوحيد الذى يستطيع أن يقول “أنا” فهو كلمة الله المتجسد ، لأنه هو الوحيد الصادق فيما يقوله.
و يؤكد بولس الرسول على يوحنا الانجيلى عندما يقول في رسالته الى اهل رومية ” الْجَمِيعُ زَاغُوا وَفَسَدُوا مَعًا. لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ صَلاَحًا لَيْسَ وَلاَ وَاحِدٌ” ويقول أيضاً “إِذِ الْجَمِيعُ أَخْطَأُوا وَأَعْوَزَهُمْ مَجْدُ اللهِ” فلا صالح إلا الله وحده.
فنجد يسوع يعلن مرات كثيرة عن حقائق إيمانية نحن مدعوون إلى التأمل فيها و الاتحاد فيها، يقول يسوع “أنا هو خبز الحياة” “أنا المن الذى نزل من السماء” “انا نور العالم” “أنا الكرمة وانتم الاغصان” “أنا و الآب واحد” .
يغلب القديس يوحنا في إنجيله صورة يسوع ابن الآب المتجسد الذى لا يخشي أن يقول عن نفسه ما يفصح عن جوهر رسالته إلى البشر بعكس القديس مرقس الذى اشتهر برفض يسوع الافصاح عن ذاته إن علاقة كل ما سبق و ذكرناه مع الإعلان عن نفسه “الراعى الصالح” تجعلنا نضع رعاية الله إلى جانب تقدمته لذاته تحت شكل الخبز و اعتبارنا أغصان فى كرمته المترامية و مستنيرين به .. الخ فندرك ان الراعى الصالح متغلغل في كل تفاصيل حياتنا نعم يقول المزمور “الرب راعى فلا يعوزنى شئ، في مراع خضر يربضنى الى مياه الراحة يوردنى(مز 23) “
فكما راعى الغنم الذى كان يراه يسوع بعينيه منذ اكثر من الفين عاماً في أرض فلسطين هكذا يرى يسوع نفسه و امام نماذج من الرعاية يقدمها البشر تتمحور حول السلطة و استغلال الرعية ، و تسليع البشر و استعبادهم. نجد من يقف اليوم بيننا و يعلنها بأعلى صوت “أنا الراعى الصالح و الراعى الصالح يبذل نفسه عن أحباءه ” إنه يسوع المخلص.
و إذا تأملنا فى زماننا الحاضر فى نماذج الرعاة الممثلين كنيسة المسيح فإننا سنصعق من شدة التناقض بين ما أعلنه و مازال يعلنه الله عن مفهومه للرعاة و الرعية. فمنذ العهد القديم يطالب الله المسئولين عن شعبه المختار بالإنتباه لرعيتهم و مرافقتهم في حياتهم وتقديم النصح لهم و الزود عن حياتهم من أخطار الطبيعة و أخطار البشر.
وفي العهد القديم نجد نصوصاً واضحة فيها يرفض الله الممارسات الخاطئة و الآثمة لرؤساء الشعب اليهودى من كهنة و لاويين و كتبة و يضع نفسه مباشرة الراعى الأعظم على رعيته
و هكذا جاء المسيح على رأس الرعية كما تنبأ عنه حزقيال لتحقيق ما أراد الله الآب. و يقول انجيل يوحنا: أَنَا هُوَ الرَّاعِي الصَّالِحُ، وَالرَّاعِي الصَّالِحُ يَبْذِلُ نَفْسَهُ عَنِ الْخِرَافِ.
وَأَمَّا الَّذِي هُوَ أَجِيرٌ، وَلَيْسَ رَاعِيًا، الَّذِي لَيْسَتِ الْخِرَافُ لَهُ، فَيَرَى الذِّئْبَ مُقْبِلاً وَيَتْرُكُ الْخِرَافَ وَيَهْرُبُ، فَيَخْطَفُ الذِّئْبُ الْخِرَافَ وَيُبَدِّدُهَا.وَالأَجِيرُ يَهْرُبُ لأَنَّهُ أَجِيرٌ، وَلاَ يُبَالِي بِالْخِرَافِ”
لقد ترك المسيح تلاميذاً و أقامهم على الرعية و لكن نسأل اليوم عن مصير الآلاف من الرعاة في كنيسة المسيح هل نستطيع أن نتنزه عن الغرض فى خدمتنا؟ هل نقوم فعلاً بواجب الرعاية؟
إن الرعاية و المرافقة الشخصية و العناية بجسم الكنيسة لا يأتى من فراغ بل تقوم على صفات و معايير خطها الله و سيدنا يسوع المسيح، فالراعى ليس موظفاً و ليس أجيراً، بل شخص دُعى ليكون راعياً و خادماً سخياً و عاشقاً لخدمة الآخرين بتكليف من الله الذى دعاه و الكنيسة التى قبلته على هذا الأساس و يمارس مهمته بكل حرية و إحساس بالمسئولية و رغم ذلك فمن الصعب علينا أن ندعى الصلاح بل نحن نطلبه كل حين و راعى الخراف العظيم يلهمنا و يقوينا فى خدمتنا مهما تنوعت و اختلفت