stay connected

- Advertisement -
الكنيسة الكاثوليكية بمصر

construct design

Travel

روحية ورعوية

الصداقة الكهنوتية- الأنبا/ يوسف أبو الخير

987views

yous

الصداقة بوجه عام

من وجد صديقاً وجد كنزاً، إن الصداقة كنز وبدونها لا نجد إنساناً نستند إليه عندما نتعب في المسيرة… بدونها أيضاً لا نجد إنساناً نعطيه أحسن ما لدينا… الصداقة أخذ وعطاء في جو صافٍ، إنها شفافية في نفوس مضيئة، إنها إضاءة تنير طريقين دون أن يصبحا طريقاً واحداً… صداقة بهذا المعنى… لأجل اكتسابها والاحتفاظ بها… مطلوب تضحية… صبر… إنكار الذات… ومطلوب أيضاً مستوى روحي ناضج… لكي نكون أصدقاء… لا يكفي أن نشترك في بعض وجهات النظر في الحياة… وليست الصداقة أن نتفق ضد آخر… فهذا اتحاد وقتي للمصلحة… وهؤلاء الأصدقاء لا نجدهم في وقت الاحتياج.

الصداقة الحقيقية هي انتصار مستمر على الأنانية اليومية… هي مجهود مستمر لتفهّم الطرف الآخر “الصديق” مما يتطلّب سعة صدر… إنها التزام يسانده الآخر… الصداقة هي اكتشاف لشخص آخر بما فيه من إيجابيات وسلبيات… وما نستطيع أن نعطيه له… وما يستطيع أن يعطيه لنا… لا نطلب أكثر مما يقدر أن يفعل… إن الصداقة استعداد لعطاء أكثر، وأخذ أقل. إنها خدمة وبذل دون انتظار. إنها عطاء مستمر… الصداقة لا تحسب المكسب والخسارة… إنها رقيقة… صبورة… واعية… صافية عميقة… حية ناضجة… قوية… إنها أقوى من الحب…

الصداقة هي جمع ما بين خيرين، تعكس حب الله… هي ثمرة غنى روحي ترشد إلى الطريق دون إلزام… نحتاج جميعاً إلى الصداقة بهذه الروح، وتعيسة هي الحياة بدونها. يقول سفر الجامعة 9:4-10 اثنان خير من واحد لأن لهما أجرة لتعبهما لأنه إن وقع أحدهم يقيمه رفيقه، وويل لمن هو وحده إن وقع، إذ ليس ثان يقيمه.

الصداقة الكهنوتية لخدمة الطائفة

إننا ننظر اليوم إلى طائفتنا التي كانت منذ زمن قريب شجرة صغيرة تكاد تذوب وسط الطوائف الأخرى… وقد أصبحت اليوم مترامية الأطراف في كل أنحاء الجمهورية من الإسكندرية إلى أسوان… وأنها أصبحت كنيسة مرسلة بإرسالها عدد لا بأس به من الكهنة والراهبات إلى العمل خارج الحدود.

لقد كثر عدد المنتمين إليها حتى وصل ربع المليون مؤمن أو يزيد… كما توسعت في الإيبارشيات. فبعد أن كانت حتى الثلاثينات ثلاث إيبارشيات أصبحت الآن سبع إيبارشيات يخدمها سبع أساقفة وعلى رأسهم غبطة أبينا البطريرك. وإنهم جميعاً يعملون جهدهم لنموها ورفعتها ليكملوا مسيرة أسلافهم العظيمة، ومعهم أكثر من مائة وخمسين كاهناً غيوراً يعمل كل منهم حسب استعداده بكل طاقته… هذا إلى جانب الرهبان والراهبات بتنوعهم وتنوع أعمالهم وتكامل أنشطتهم… يبذل الجميع جهده للمساهمة في رفعة الطائفة وعلو شأنها. إننا جميعاً نفتخر بأننا من هذه الطائفة وخدامها… إننا امتداد القديس مرقص تلميذ القديس بطرس… وفي نفس الوقت أبناء الشهداء. إننا نفتخر بأننا خدام كنيسة الإسكندرية التي قيل عنها: إذا كان لروما الحكم… فللإسكندرية التعليم… إن كنيستنا الإسكندرية لها ماض خالد، وحاضر مشرق، ومستقبل بإذن الله عتيد، وأبواب الجحيم لن تقوى عليها.

حاضر مشرق كيف نزيده إشراقاً؟

إن الاقتناع بالهدف يولّد العمل الجاد والفعال. وهدفنا المشترك هو أن تكون رعايانا “الخراف التي سلمها لنا الله” في نمو مستمر. فتساهم كل رعية في نمو وازدهار الإيبارشية. ونمو وازدهار الإيبارشيات يزيد طائفتنا إشراقاً. فينا نحن الآباء الكهنة. وباتحادنا مع الآباء الأساقفة، يصبح المكان الذي تحتله طائفتنا من الجسد السري جميلاً وفعالاً. فيساهم في جمال الجسد كله. أي تقصير من أي فرد فينا في السير لبلوغ هذا الهدف المشترك،  سيصيب الجسد كله بالعطل. أما العمل الجاد والفعال لبلوغ الهدف الذي هو نمو رعايانا. وازدهار إيبارشياتنا، وإشراق طائفتنا فهو “الصداقة الكهنوتية”.

1- صداقة الكاهن لذاته “الحياة الباطنية للكاهن”

2- تعاون الكاهن مع أبيه الأسقف

3- خدمة الكاهن لكل فرد في رعيته

4- صداقة ومحبة الكاهن لاخوته الكهنة

سوف أطرح على حضراتكم موضوع الصداقة الكهنوتية مستعيناً بكثير من نصوص المراجع الأربع الآتية والتي تتفق جميعها على أن الحياة الباطنية للكاهن هي البداية الطيبة لبناء صداقة كهنوتية، خدمة رعوية، تعاون مخلص وبنّاء مع الأسقف:

أ‌- اللائحة التأسيسية للصداقة الكهنوتية والتي وافق عليها الآباء الأساقفة بتاريخ 23/5/1978.

ب‌- نص لائحة الاتحاد الرسولي للكهنة الإيبارشيين لعام 1976.

جـ- نصوص المجمع الفاتيكاني الثاني دستور الكنيسة: مرسوم خدمة الكهنة وحياتهم.

د – أول محضر للاجتماع لمجلس الإكليروس للأقباط الكاثوليك الذي يرأسه نيافة الأنبا مرقس حكيم وأمين سره القمص حنا عياد بتاريخ 12/6/1984.

أولاً: صداقة الكاهن لذاته “الحياة الباطنية للكاهن”

يعلن المجمع الفاتيكاني الثاني في مرسوم (خدمة الكهنة وحياتهم فقرة 13) “أن الكهنة يبلغون القداسة بسبيلهم الخاص عندما يمارسون مهامهم بروح المسيح وبإخلاص وبدون ملل”.

وتعلن قوانين الاتحاد الرسولي للكهنة :

* فقرة1: يضم الاتحاد الرسولي الكهنة خدام المسيح الذين يرغبون في مساعدة بعضهم بعضاً لتقوية حياتهم الروحية في الخدمة.

* فقرة2: في كل كنيسة محلية يكوّن اتحاد الكهنة، فيما بينهم ومع أسقفها والحبر الأعظم والجماعة الرسولية، شهادة حية للمسيح الرأس والراعي الأول وخدمةً لشعب الله. فعلى الكهنة أن يقتدوا بالمسيح في الحياة الروحية والرعوية. ويشجع الاتحاد الرسولي على ممارسة هذه الحياة وتقديم المساعدة لهذا الهدف. 

* فقرة 8: واقتداء بالمسيح عليهم ممارسة الفقر. ومشاركة الغير فيما يأتيهم من خيرات. وتكريس بعض الوقت لخدمة الغير وإظهار التقدير للآخرين. واستخدام كل شيء في الغرض الذي وضع لأجله بدون تبذير.

* فقرة 9: ليمارس الكهنة. فريضة البتولية كعلامة حية لمحبتهم للمسيح وحافزاً على السخاء. ووضع الذات في خدمة الرسالة الرعوية.

* فقرة 11: على الكهنة أن يغذوا أنفسهم من مائدة كلمة الله والإفخارستيا مع جميع الكهنة لخدمة البشرية.

* فقرة 13، 14: عليهم أن يرتووا من الاحتفال بالذبيحة ولو بدون حضور الشعب ففي القداس بناء الكنيسة؛ وأن ينالوا قوة لممارسة مهام الرسالة.. وعليهم زيارة القربان المقدس حيث حضور يسوع المحب.

* فقرة 12، 15: أهمية تلاوة الأجبية. التمارين التقوية. التقدم لسر المصالحة والاستعانة بأب روحي.

* فقرة 16: أن إكرام سيدتنا مريم العذراء أم المسيح الكاهن يساعده على أن يحيا حياة كهنوتية بكل أمانة بنوية.

* فقرة 18: على الكهنة، أثناء ممارسة الخدمة، أن يخصصوا وقتاً للدراسة ووقتاً للراحة. ووقتاً للترفيه.

* فقرة 19: على الكهنة أيضاً أن يخصصوا بعض القداسات سنوياً لراحة نفس الكهنة الأموات.

* فقرة 22: إن الاتحاد يشجع ويساعد على الحياة الباطنية للكاهن وتنمية المعاونة الأخوية ومساعدة الأساقفة بكل أمانة.

* فقرة 23، 24: أول واجب للاتحاد الرسولي هو العمل على تنمية الكاهن عن طريق إقامة التمارين الروحية وتشجيع الرياضات وتوفير المرشدين وتسهيل وجود الكتب الروحية.

بعد أن تنقلنا ما بين ما يقوله أباء المجمع الفاتيكاني الثاني… وما تقوله رابطة الاتحاد الرسولي من أهمية وضرورة الحياة الباطنية للكاهن وجب علينا أن نسأل أنفسنا مَن نحن؟ نحن كهنة الله. وخدام خرافه. والعاملين في حقله. اختارنا الله لنكمل مسيرة الخلاص التي بدأها هو على الجلجلة. إن ذبيحة الجلجلة وما صاحبها من آلام جسدية ونفسية لا يجب أن تتوقف. نحن مسؤولون عن تكميل رسالته الخلاصية في العالم.

أمام هذه المسؤولية نجد يسوع يعطينا ما نحتاجه من النعم لتتميم هذا العمل العظيم. “إني أهبهم كل النعم اللازمة لهم في دعوتهم”.

نحن لسنا قديسين. ولا كاملين، ولكنا نطلب القداسة ونسعى إليها كل يوم. نحن من نعرف أننا خطاة وخطايانا كثيرة ونحتاج إلى معونة الله وقوته.

نحن مَن اختارنا يسوع بمحبة لا توصف، ويجب أن نتبعه أيضاً بمحبة فائقة.. ونعلن عن حبنا له عندما نتبعه :

– إلى المزود لنجعل من أنفسنا فقراء.. مجهولين.. متجددين

– إلى مصر في هروبه لنقاسمه منفاه.. تعبه.. آلامه

– إلى الناصرة لنعيش معه حياة الاختفاء.. والعمل الجاد

– إلى الصحراء.. لنتعلم كيف يجب أن نصوم ونصلي ونختلي

– إلى مجتمع الناس في تجواله لنتعلم كيف يجب نجول نعلم ونشارك، ونعلن بشرى الخلاص ونصنع خيراً.

– إلى الجلجثة، لكي نتألم معه ونموت معه لكي نتمجد معه. يجب أن نتبعه إلى النهاية لأنه قال: “حيث أكون أنا، هناك أيضاً يكون خادمي معي”.

نعلن عن حبنا للمسيح أيضاً عندما نقوم بمحاولة يومية للعبور بأفكارنا ومعارفنا عنه إلى مرحلة المعايشة التي تغيّر حياتنا على مثال زكا العشار… “دعوة فمحبة معاشة وامتلاء.. ثم الإرسال. وفي خدمتي، ونتيجة لامتلائي أعلن بأنه الضرورة الوحيدة في حياتي.. ولا توجد آلهة أخرى سواه.. وإن وُجدت فأنا في محاولة جادة للتخلص منها. وتجعلني أعلن أيضاً بأنني لست الخادم الأول في أعمالي الرسولية، إنه هو الخادم الأول. وباتحادي به تصبح أعمالي الرسولية معمولة بالروح “إن الذي سمعناه، الذي رأيناه بعيوننا، ولمسته أيدينا. به نبشركم” من ملئه أخذنا “نأخذ منه ونعطي فنجد ثمراً وفيراً فيتحول ضعفنا إلى قوة، “تقووا في الضعف” (عب34:11).

لتكن حياتنا الباطنية كجذع شجرة ممتلئ من ماء الحياة بحيث لا تكون أعمالنا إلا إزهارة. حسب قول القديس أغسطينوس. ومن يجهل قول القديس برنردوس للمرسلين: “إن كنتم حكماء، فكونوا أحواضاً لا قنوات” لأن القناة تدع الماء يجري فيها دون أن تحتفظ منه بشيء. أما الحوض فإنه يمتلئ أولاً ثم يفيض ليروي بدون أن يفرغ من ملئه المتجدد دائماً”. وعندما نصبح أحواضاً، دائماً ممتلئين، ومتجددي الامتلاء نستطيع أن نقول: اختارني المسيح بمحبة لا توصف، ومن يستطيع أن يفصلني عن محبة المسيح، إذاً لست أنا الحي بل المسيح يحيا فيّ.

إن حياة الكاهن الباطنية هي التي تحدد علاقة البنوة مع أسقفه وعلاقة الأخوة مع زملائه الكهنة. وفي النهاية علاقة الأبوّة مع أفراد شعبه.

ثانياً: تعاون الكاهن مع الأسقف

إن حياة الكاهن الباطنية القوية والنابعة من محبة الله، لابد وأن تٌترجم إلى علاقة تعاون بنوي بين الكاهن وأسقفه.

نقرأ في دستور الكنيسة فقرة 28 “إن الكهنة وهم معاونون حكماء لمصاف الأساقفة، يؤلفون مع أسقفهم هيئة كهنوتية واحدة. وعلى الكهنة أن يعتبروا الأسقف أباهم، وعلى الأسقف أن يعتبر الكهنة معاونيه كأبناء أحباء. لا أسميكم عبيداً بل سميتكم أحبائي.”

نقرأ في مرسوم خدمة الكهنة وحياتهم فقرة 7 “على الكهنة أن يتحدوا بأسقفهم بالطاعة والمحبة، طاعة كهنوتية مشبعة بروح التعاون”.

لائحة الاتحاد الرسولي للكهنة الإيبارشيين تقول:

فقرة 3: إن الأمانة الواقعية للحبر الأعظم، الذي هو مبدأ الوحدة للكنيسة الجامعة، وأيضاً الأمانة للأساقفة أمر ضروري ومهم، ليكون الكهنة مسئولين معاونين للأساقفة.

فقرة 4: إن الكاهن الإيبارشي مدعو لرسالة في الكنيسة يرأسه فيها الأسقف الذي هو رمز الوحدة الكنسية محلياً. وأن أعضاء الاتحاد الرسولي الكبار عليهم أن يساهموا في مسئوليات ومهام الأسقف وعليهم دائماً أن يهتموا بالأخوة في سر الكهنوت وبالمعاونة الواقعية المستندة على الحوار الصادق والأمين مع الأسقف وجميع الكهنة.

فقرة 10: وعلى الكهنة الحفاظ على الطاعة في تطبيق التعليمات الصادرة من الأسقف لخدمة الإيبارشية وفق روح الكنيسة.

طاعة مبنية على محبة وتعاون وحوار صادق وأمين لخدمة الإيبارشية. 

طاعة، محبة، تعاون، حوار، إنها فضائل أربعة تحدد العلاقة البنّاءة بين الكاهن وأسقفه. وتعطي علاقاتنا روحاً، وحياتنا الكهنوتية معنىً.

في هذا الجو الروحي العميق نعلن جميعاً إننا مدعوون ونتعهد باتباع الرب مفضلين إياه على كل شيء وكل شخص، فتصبح إرادته بالنسبة لنا غذاءً يومياً لنكمل عمله الذي يصبح عملنا.

في هذا الجو الروحي التعاوني في العمل المشترك تصبح الطاعة طبقاً لروح الكنيسة “دعوة للعمل في رسالة واحدة” دليل وحدة الهدف مع تنوع الأعمال الرسولية والخدمات حسب استعداد ومواهب الأفراد “فيصبح الأسقف هو علامة وحدة”.

يعرّف المجمع الفاتيكاني الثاني  الكنيسة بأنها جسد المسيح السري، رأسها هو السيد المسيح، وأعضاءها جميع المؤمنين. هذا التعريف يعطي قيمة جديدة لحياتنا الكهنوتية.

ويؤكد المجمع على أن الروح القدس يعمل في الجميع وبالجميع. ويعطي الحياة والثمار لعملنا الرسولي الذي نقوم به لبنيان الكنيسة. من هذا المنطلق وهذه الرؤية تتضح وتتأكد أهمية الحوار ودور الفرد في اتخاذ القرار، ومما سبق لا نستطيع الكلام عن الطاعة دون اعتبار: الفرد وإمكاناته ومواهبه.

الطاعة هي تحقيق الذات:

عندما نتكلم عن تحقيق الذات في إطار الحياة الكهنوتية يجب أن نضع في الاعتبار “الشخصية الإنسانية” وإمكانياتها. منابع قوتها ومواطن ضعفها. الحياة الكهنوتية لا تعني أبداً أن أترك ذاتي وإمكانياتي ومواهبي، بل يجب أن أنميها للعمل والخدمة راسخين في الإيمان يقودنا الرجاء وتحركنا المحبة.

كثيراً ما نخطئ عندما نرى أن تحقيق الذات يتم عن طريق التقدم الفردي باستغلال المواهب الشخصية، فالشخصية الفردية مهما بلغت من المواهب والإمكانيات تظل فقيرة ومحتاجة للآخرين وإمكانياتهم.

إن الله يدعونا إلى العمل معاً في رسالة ابنه، وهذا يتطلب منا الجدية في التكوين المستمر الذي يساعد على إتمام العمل. إن الطاعة والتعاون معاً يفرضان علينا أن نضع مواهبنا في خدمة الآخرين لننمو معاً لأجل ملكوت الله.

ليس هناك تعاون بنّاء دون طاعة إنجيلية، ولا توجد طاعة إنجيلية دون حوار وحرية وحب. إرادة الله تجعل من الجميع أصحاب مسئولية، مكملين بعضنا بعضاً لأجل بناء ملكوت الله حسب عطية الرب لكل فرد منّا. وحتى يكون التعاون مثمراً:

– يجب أن يكون مؤسساً على الحوار في ثقة، وأن تكون المصلحة العامة هي هدف الجميع.

– يجب أن نخلق جواً من الحرية الشخصية حتى يمكن التعبير عن الذات.

– يجب أن ننزع عنا الخوف الذي يقيّد عمل الروح فينا. فعندما نتكلم نقول ما يجب أن يقال. وسفر الأمثال يقول: “كلمة تقال في وقتها تشبه تفاحة من ذهب موضوعة على طبق من فضة”. ولا يجب أن ننسى أبداً أننا معاونون للأباء الأساقفة وأنهم بدورهم أباء أحباء لنا باتحادنا وتعاوننا تثمر أعمالنا وتزدهر طائفتنا.

ثالثاً: صداقة الكاهن لاخوته الكهنة

إن الحياة الباطنية القوية للكاهن، النابعة من محبة الله، والتعاون بين الكهنة والأساقفة الأجلاء المبني على المحبة والحوار، لابد أن يترجم هذا كله إلى صداقة قوية وخدمات متبادلة فيما بيننا. 

نقرأ في دستور الكنيسة فقرة 28 “جميع الكهنة يرتبطون فيما بينهم ارتباطاً أخوياً وثيقاً بقوة درجة الكهنوت والرسالة المشتركة. وينبغي أن يظهر هذا الارتباط تلقائياً وبطيبة خاطر فيما يتبادلون من عون روحي ومادي ورعوي وشخصي في اجتماعاتهم وفي شركتهم في الحياة والعمل والمحبة”.

ونقرأ في مرسوم خدمة الكهنة وحياتهم فقرة 8 “ونظراً للشركة الواحدة في الكهنوت، ينبغي للكهنة أن يعتبروا أنفسهم مسئولين بنوع خاص تجاه الذين يقاسون الصعوبات وأن يقدموا لهم العون في الوقت المناسب وأن ينصحوهم برفق. أما الذين سقطوا في بعض الأمور فيجب على الكهنة اخوتهم أن يحيطونهم دائماً بمحبة أخوية، فيرفعون الصلوات لأجلهم ويسلكون إزاءهم على الدوام كأخوة وأصدقاء حقيقيين”.

أما لائحة الاتحاد الرسولي للكهنة الإيبارشيين فتقول في فقرة 6: “إن الاتحاد الرسولي يدعو أعضاءه إلى أن يعيشوا بمحبة رعوية تحت إرشاد الروح. مقتدين بالأمانة الوديعة والسخية والمتواضعة التي تملأ قلب مريم شريكة المسيح الكاهن والذبيحة في عمل الفداء”.

فقرة 17: “إن المحبة الأخوية المتبادلة في ممارسة الحياة الكهنوتية هي الهدف للشركة الكهنوتية. وأن الاجتماعات الكهنوتية هي التي تقوي هذه الأهداف. وإن زيارة الأخوة المحتاجين هي من أهم المساعدات للزملاء الكهنة”.

بعد أن سمعنا ما يوصينا به المجمع الفاتيكاني الثاني وما توصينا به لائحة الاتحاد الرسولي. بماذا توصينا الكنيسة اليوم ؟ توصينا الكنيسة في اتجاهين متكاملين: فعلى لسان قداسة البابا يوحنا بولس الثاني تدعونا إلى التعرّف على الأقانيم الثلاثة، معرفة معايشة ومحبة، وعلى لسان غبطة البطريرك واخوته الأساقفة يدعونا المجمع السكندري الثاني إلى أن نجعل كل شيء جديداً عن طريق تعميق الإيمان وتجديد الحياة الروحية استعداداً لاستقبال سنة 2000 اليوبيل العظيم لميلاد السيد المسيح. اتجاهان متكاملان، لأنه لا تجديد للحياة وتعميق للإيمان إلا عن طريق إعادة اكتشاف عمل الثالوث الأقدس في حياتي. فلنحاول جادين تلبية نداء الكنيسة لنا أولاً ولأفراد شعبنا ثانياً، حتى نصل إلى الاحتفال باليوبيل ونحن في مسيرة إيمان مشترك لنتوحد في الهدف “تعميق الإيمان وتجديد الحياة” وإن تنوعت الرسالات والاستعدادات الشخصية.

إن صداقتنا الكهنوتية تطلب من كل منا: تعميق الإيمان بالله وبالآخر. فتتجدد حياتنا بالروح القدس فنصبح مؤهلين للعمل والخدمة. حدد السيد المسيح إقامة الرسل قبل العنصرة “امكثوا في أورشليم انتظروا موعد أبي” فبدون الروح القدس لا يوجد عمل ناجح ولا إيمان عميق ولا توجد صداقة حقيقية، ولا يستطيع الجهد البشري وحده أن يعطي الصداقة الحية لحياتنا الكهنوتية. فإذا كان ما يجمعنا كأصدقاء مبدأ أرضي فسيزول. أما أساس الصداقة الكهنوتية الحقة فهو اتحاد كل منا بالمسيح. إن غذاءنا المشترك هو كلمة الله والتأمل فيها قانعين ومتأكدين ومؤمنين بأن حب عملنا مرتبط باتحادنا بالمسيح وباتحادنا باخوتنا، وأن النجاح الفردي لا يبني الكنيسة، فالكنيسة تبني ويتجدد شبابها بالاتحاد والداقة والمشاركة.

هنا تذوب الفوارق الشخصية فنصبح جميعاً في خدمة بعض كل ما أملك هو من عند الله “أي شيء لك ولم..” ولأجل خدمة الآخرين. وليس وسيلة للتكبر “سيدتنا مريم العذراء نالت أعظم موهبة. أنا خادمة للرب”.. كل واحد فينا عنده أو يملك موهبة لا توجد لدى الآخرين. فتتحول الفروق الشخصية إلى وسيلة تجميع إنها علامة احتياج لا يوجد إنسان يملك كل شيء وآخر لا يملك شيء. يجب أن نكون واثقين من أنفسنا بأن المجموعة من غيري ينقصها الكثير لأجل بناء الكنيسة.

إن صداقتنا الكهنوتية تقوي عملنا الرسولي وتضاعف من الثمار، تجعلنا ننظر إلى بعضنا البعض بإيجابية أي إلى “الجزء الملآن من الكوب” فنجاح اخوتي هو نجاح لي. والنجاح يولّد نجاحاً. إن الصداقة الكهنوتية تجعل من لقاءاتنا لقاء أخوّة، لقاء الأحباء بفرح على مثال مريم وأليصابات التقوا فذكروا اسم الله.

تجعلني الصداقة الكهنوتية أتعلم دائماً من سلبيات اخوتي بالابتعاد عنها، وأن أتعلم من إيجابياتهم، فكل منا محتاج للآخر لنتأكد أن الخدمات العظيمة هي التي أستطيع أن أقوم بها بدافع المحبة والصداقة على أحسن وجه.

صداقتنا الكهنوتية ليست مجرد لوائح تنظيمية أو هدايا أو حتى مسكن شيك للمسنين، إنما هي قبل كل شيء عمل محبة والمحبة ليست كلمة جوفاء بلا مدلول إنما هي بذل وموت. “إننا انتقلنا من الموت إلى الحياة لأننا نحب الأخوة” (1يو14:3). ليست الصداقة هي أن ننظر بعضنا إلى بعض ولكن أن ننظر جميعاً إلى هدف واتجاه مشترك. ولنا في القديس بولس نموذج للصداقة الكهنوتية “إني إذ كنت حراً استعبدت نفسي للجميع. صرت يهودياً لليهود وصرت للضعفاء كضعيف وأنا فاعل ذلك لأجل الإنجيل (1كور 19:9-23).

لا يوجد عمل رسولي دون حب، ولا حب دون تنازلات ولا تنازلات دون صداقة.