الصوم الكبير و محبة الحبيب- موقع سلطانة الحبل بلا دنس
رحلة جميلة مع يسوع … فيها راح نشبع ونجوع
هذه هي مطلع ترنيمة الصوم الكبير والذي ننتظره فرحين من السنة للسنة التالية, في الحقيقة نجد كثيرين يخافون ويهابون الصوم الكبير, وكثيرون أيضاً يقابلونه بالنقد والبدع والهرطقات والتي لا تنم إلا على نفوس تريد أن تتمرغ في الذات والشهوات.
الصوم الكبير:
هو كبير ولكن ليس في عدد أيامه ولكنه كبير في أهميته, كبير في كم النعم التي نحصل عليها في لقاءانا المتكرر وكل يوم مع الحبيب, كبير لأننا نتشبه به في صومه أربعون يوماًَ وأربعون ليلة.
الصوم في المفهوم المسيحي هو الإمتناع عن كل ما يعيق الروح لحياة منطلقة في محبة الحبيب, أي هو الإمتناع عن الشر وشبه الشر, الإمتناع عن مصادر الخطية, أو كل ما يمكن أن يؤدي بنا إلى الخطية, والإمتناع عن طريق الأشرار, “وفي طريق الخطاة لم يقف وفي مجلس المستهزئين لم يجلس” إذاًَ لفظ صوم هو الإمتناع وبدءاً بالطعام ونوعيته أي بمفهوم آخر الإمتناع عن الطعام وأنواع معينة منه ليس هو الصوم الروحاني بل هو بداية للدخول في صوم روحاني والذي سبق وصفه, ومن هنا ننطلق لمفهوم روحانية الصوم المسيحي:
الصوم رحلة طاعة للآباء الأولين ولتعاليم الكتاب المقدس ولتعاليم ربنا يسوع المسيح لأنه صام هو أولاً, أي أن أولى بركات الصوم هي فضيلة الطاعة, ومن غير الطاعة لا يمكن أن نصل لباقي الفضائل ولا يمكن أن نقتني أم الفضائل التي هي التواضع, لأنك لا تجد متكبر مطيع, وإن ظهر مطيعاً فهذا لكي يحصل على مجد وتبجيل من الآخرين أما من يملك الطاعة الحقيقية فهو قد ملك التواضع أولاً.
الصوم ليس معناه الجوع والعطش لعدد من ساعات النهار, فهذا مفهوم حرفي ضيق, ولكننا أيضاً ملتزمون بطقس الكنيسة لندخل من خلال الطقس لغصب النفس على إقتناء الفضائل بدءاً بالطاعة, ولكن الكنيسة حتى في هذه تراعى أبناءها كلٍ تبعاًَ لظروف حياته, فتجد المريض له قانونه المخفف تبعاً لحالته الصحية, وأيضاً أصحاب المهن الشاقة تبعاً لحجم وكم الأعمال الشاقة التي يقوموا بإنجازها, كذلك المأسورين برباطات الخطية كالمدمنين بأنواع من الإدمان تراعي الكنيسة هذه الحالات بأن تعطى قانون الصيام بما يتناسب مع رحلتهم في الشفاء من الإدمان أولاً, لأن الكنيسة لا تريد عذاب أبنائها بقدر تمتعهم بروحانية الصوم, فيقول معلمنا بولس الرسول “أقمع جسدي وأستعبده”
القمع هنا بغرض إطاعة الجسد للروح لأن الروح يعمل ضد الجسد والجسد يعمل ضد الروح, فلا بد من قمع الجسد حتى ينطلق في الروحيات, إذاً كل الحالات التي تعاني من أشياء مقمعة للجسد أصلاً, تراعيهم الكنيسة بتخفيف قانون الصيام لهم حتى نصل في النهاية لتوازن جسدي روحي لنتمتع بالروحيات من خلال الصوم, وكثيرون من أصحاب البدع والهرطقات يعارضون الصوم الطقسي, فإنني أقول لهم إن وجدت طريقة لقمع جسدك وتطويعه لروحك لتصل لروحيات عالية بخلاف الصوم افعله!! ولكننا نحن لم نجد غير الصيام بديلاً لقمع الجسد فيقول الكتاب في سفر نشيد الأنشاد الإصحاح الأول “فإخرجي على آثار الغنم وإرعي جداءك عند مساكن الرعاة” أي أننا لابد أن نستفيد بمن سبقونا وتعرفوا على الحياة الروحية مع المسيح وأن نتعلم منهم ونتبع طريقتهم في معرفة الحبيب, فلا تتكبر يا صديقي على فكر الآباء الأولين فلا تنجرف يميناً أو يساراً, فنقول لمن يخضع ذاته لقانون صيام أكثر من طاقة البشر تباهياً منه بأنه يصوم أكثر من باقي خليقة الله!! الشيطان المتكبر لا يأكل أبداًَ, فلا بكثرة صيامك سوف تدخل في علاقة مع الحبيب, بل بمسكنة الروح يمكنك أن تفعل هذا, وأقول أيضاًَ لمن يجد أن الصوم عن الأكل والمشرب ليس له علاقة بالحياة الروحية, كيف تستطيع يا هذا أن تمتطي جواداً قوي البنية بدون اللجام ووسائل إخضاع الجياد, فبدون قمع الجسد لا تستطيع أن تتمتع بعلاقة مع الحبيب في الروحيات.
الصوم المسيحي ليس فرضاً ولكنه رحلة حب متبادل مع من أحبنا أولاً وإذ بعد نحن خطاة, ولأننا نريد أن ندخل معه في علاقة روحية كما في السماء كذلك على الأرض فلابد أن أتيح لروحي فرصة الإنطلاق لمعرفة الحبيب بأن أخفض حركات الجسد من خلال قمعه بالصوم الحقيقي كما أوضحت في مقدمة المقال, فالصوم وسيلة من وسائل الإتصال بالله, فمتى أحببت الفادي الحنون وجب عليك البحث عن وسائل الوصول إليه والتي أولها الصيام.
الصوم أيضاً يعطيك النصرة على الشيطان والخطية فيقول الكتاب المقدس عن الشياطين “أن هذا الجنس لا يخرج إلا بالصلاة والصوم”.
الصوم هو وسيلة لمعرفة شعور الآخرين الذين لا يملكون قوت يومهم, فشعورك بالجوع يساعدك على معرفة مشاعر الفقراء الذين لا يأكلون كما أنت, ولا يترفهون كما أنت, شعورك بالجوع يجعلك تشعر بحر النهار, وفي البلاد الباردة يشعرك ببرد الليل “لأن الجوع في الشتاء يزيد الإحساس بالبرودة” فتشعر بمعاناة الفقراء الذين لا يملكون ما يسترون به عريهم, لهذا إقترنت أيام الصيام بالرحمة على المساكين وإن لم تفعل الأخيرة كلٍ على قدر طاقته لم تستمتع بروحانية الصوم.
الصوم الطقسي الذي هو بميعاد سبق تحديده بواسطة أباء الكنيسة, هو بمثابة الجرعة الدوائية التي يحددها الطبيب تبعاً لحالة المريض وفي ميعاد محدد, فلا يحق لك أن تناقش الطبيب في إختياره لهذا الميعاد فهو أدرى منك بمصلحتك في هذا الشأن أيضاًَ الكنيسة أدرى منا في شأن روحانياتنا لهذا وجب علينا الطاعة, لنتمتع بروحانيات الصيام.
دعوة أقدمها , لكل نفس تريد الحبيب, لكل نفس تريد أن تتعرف على راعينا, لكل نفس تريد أن تربح الأبديات في ملكوت السماوات والتي لا تحتمل المقامرة لأن حياتنا على الأرض أقصر بكثير مما تتوهم أو تتوقع لأننا على الأرض لابد أن ننتصر على ممالك الشر بقيادة الشيطان وكل جنوده, ونصرتنا هذه ليست بالأسلحة التقليدية بل بالأسلحة الروحية, ولأننا نحتاج للروحيات فلابد أن نُخضع الجسديات ليهبنا الله النصرة على الشيطان بالصلاة والصوم.
دعوة لرحلة نلتقي فيها براعينا ومخلصنا ليهبنا بركاته في الصيام.
نحن لا نصوم لنتقاضى أجرة أو جزاء لصيامنا أو نصوم لأن الله يريدنا أن نصوم فالله لا يعنيه صيامك فالذي يعنيه صيامك هو أنت, فأنت تصوم من أجل نفسك لتأخذ وتتمتع ببركات الصوم وأولها العشرة مع الحبيب يسوع المسيح الذي يريدك ليهبك حياة أبدية معه في ملكوته الأبدي.
عن موقع سلطانة الحبل بلا دنس