المحبة (اللّه – القريب)
“الله محبة” هذا ما عبر عنه القدّيس يوحنا في رسالته الأولى، وذلك لما اختبره ولمسه من الله، وهذه العبارة هي ملخص حياة الله التّي قبل التّجسد وفي التجسد وبعد التّجسد، بل وملخص كل أبحاث اللاهوتيين السّابقة والحاليّة، ذلك لأن المحبة هي المصدر والغايّة.
عاش السّيد المسيح المحبة وأعطاها لنا وصيّة أولى، أي المصدر والوسيلة والغايّة المرجوة في حياتنا، وهذه المحبة “لا تكون بالكلام بل بالعمل والحق”.
المحبة جوهر الله
• الله محبة وليس إلا محبة، فهي ليست صفة من صفات الله مثل: ذراع الرّبّ، قوة الرّبّ، قدرة الرّبّ، ولكنها طبيعته، وكيانه الإلهي. والإنسان خلق ثمرة لهذه المحبة، ويعيش بها ويتجه نحوها، فهي أساسه وحاضره وغايته. هذه المحبة تتجه إلى الكيان الإنسانيّ ولا تنظر إلى الأفعال البشريّة، وقد أظهر الله محبته في الإنسان.
المحبة أساس وغاية كلّ الفضائل
من المحبة ينبع كل شيء، فهي الأساس والغايّة، منها ينبع الإيمان والرّجاء وهما فضائل إلهيّة، فالمحبة هي:«رباط الكمال» (كول3/14)، وأيضا هي:«تحيي وتلهم ممارسة جميع الفضائل، هي صورة الفضائل، تربطها وتنسقها بعضها ببعض، إنها مصدر ممارستها المسيحية ومنتهاها» . ويؤكد القديس بولس أن المحبة هي أساس كل شيء بقوله:«بدون محبة لست بشيء» (1كور 13/1-3).
المحبة والإيمان
من المحبة ينبع الإيمان، فالإنسان قبل أن يؤمن هو يحب، ولأنه يحب فهو يؤمن بمن يحبه، ويوجه إيمانه إلى من يحبه ليكون هو هدف الإيمان. القديس بولس يوضح أن الإيمان بدون المحبة لا شيء بقوله:«إن كان لي كل الإيمان حتى أنقل الجبال وليس لي محبة فلست شيئاً» (1كور13/2)
المحبة والرجاء
كما يقوم الإيمان على المحبة، هكذا الرجاء أيضا يقوم على المحبة، فالرجاء هو انتظار واثق في تحقيق وعود مَن يحبنا، ونحن نثق في حبه لذلك نرجو وعوده. يقول الأب متى المسكين:«التحام الرجاء بالمحبة هو في الواقع سر قوة الرجاء كما هو سر قوة المحبة [……]، وكذلك فان التحام المحبة بالرجاء يعطي الرجاء واقعية قوية، لأن مجرد الرجاء الفكريّ في الأمور المستقبلة لا يكفي للتعويض عن الخسائر الجائز التي تهز كيان الإنسان كله» .
المحبة أساس وغاية كل الأفعال البشريّة
قال القدّيس أغسطينوس:«أحبب وافعل ما تشاء»، وهذا معناه أن أساس كل أفعال الإنسان التي يقوم بها الإنسان، إنما هي المحبة ويجب أن تكون المحبة، حتى يكون الفعل الإنسانيّ يليق بالإنسانيّة. المحبة إذًا هي مصدر الأفعال الحسنة التي تصبو إلى الخير العام، نحو كل البشر.وهذا ما جاء في تعليم الكنيسة:«الخير العام يُوجه دائما نحو تقدم الأشخاص “فنظام الأشياء يجب أن يخضع لنظام الأشخاص، ولا يُعكس ذلك”، وأساس هذا النظام الحقيقة، وهو يُبنى في العدل ويحيا بالمحبة» . والمحبة تقوم أساسا في أن نحب كما أحبنا الله، وهذا الحب يظهر في الواقع العملي تجاه الذات والآخر، وفي المجمع الفاتيكاني الثاني جاء الآتي:«إن كل عمل رسولي يُستمد من المحبة أصله وقوته، إلا أن هناك من الأعمال ما تكون بحكم طبيعتها جديدة بان تصبح تعبيراً ينطبق بنوع خاص بهذه المحبة» ، وفعل المحبة الذي نقوم به تجاه بعض، هو علامة على تجاوب حبنا على محبة الله لنا:«يعرف أنكم تلاميذي إذا أحببتم بعضكم بعضاً» (يو13/35).
المحبة من الذات إلى الآخر
حب الذات
هناك تشابه واختلاف بين الأنانية وحب الذات، يقوم التشابه بين الاثنين في الأخذ أكثر من العطاء، ويقوم الاختلاف في هدف الإنسان من الأخذ.
الأنانية تأخذ دون أن تعطي وليس لها مراحل أخرى، أي أنها تتوقف على الأخذ لهدف الغنى، والمجد الذاتي بما لديها، والامتلاك الأكثر من الغير.
أما حب الذات يأخذ لكي يعطي، فهدف الأخذ هو الامتلاء الإيجابي، أي تكوين الذات من اجل مرحلة لاحقه، وهنا الهدف يكون الآخر وليس الذات، «فمن ليس له لا يعطي»، هكذا الإنسان إذا لم يكن لديه لا يجد ما يعطيه. لذلك يبحث الإنسان عن ما يغذي به ذاته من اجل أن يفيض به على من ليس لديه. وحب الذات ليس شيء سلبي طالما هدفه الآخر وليس الذات ومجدها، فلا يمكن أن يشرب الإنسان من كوب ماء فارغ.
محبة القريب
اصل محبة القريب هي محبة الله التي داخل الإنسان، والسيد المسيح ربط بين الاثنين في كلامه عن محبة القريب بقوله:«أحبب الرب إلهك من كل قلبك، وكل نفسك، وكل قوتك، وكل ذهنك، وأحبب قريبك مثل نفسك» (لو10/27)، وهكذا يصف المجمع الفاتيكاني الثاني التلميذ الحقيقي بمحبته لله وللبشر بقوله:«لذلك تلميذ المسيح الحقيقي يمتاز بالمحبة، محبة الله والقريب» . ويؤكد أيضا على أن المحبة علامة لتلاميذ المسيح:«وقد جعل المسيح من شريعة محبة القريب وصيته الشخصية […]، وقد جعل من المحبة العلامة الدالة على تلاميذه، بقوله:”يعرف الناس أنكم تلاميذي إذا أحببتم بعضكم بعضا” (يو13/35)» .
فيما تقوم محبة القريب؟ يُعلم المجمع الفاتيكاني الثاني أن المحبة عملها يشمل كل إنسان قريبا أو بعيدا، حيث يعتبر أن العالم كله أسرة واحدة وهذا نصه:«سكان الأرض بأسرها أصبحوا أعضاء أسرة واحدة، وعمل المحبة يمكن وينبغي أن يبلغ اليوم جميع الناس(و كل حالات الضيق حيث من يتألم من جراء العجز في الغذاء والشراب، والكساء، والسكن، والدواء، والعمل،…) ينبغي للمحبة المسيحية أن تسعى إليهم وتكتشفهم بعناية مستمرة، وتخفف عنهم بتقديم العناية الملائمة» .
الشّماس حسام أمجد