stay connected

- Advertisement -
الكنيسة الكاثوليكية بمصر

construct design

Travel

روحية ورعوية

الفقراء هم يسوع ليسوا مجرد صورة عنه”- قداسة البابا

1.1kviews

poverالفقراء هم يسوع ليسوا مجرد صورة عنه”- قداسة البابا

خطاب بندكتس السادس عشر لدى لقائه المرضى في تورينو

السادة الكرادلة،

أيها الإخوة والأخوات الأعزاء!

أود أن أعبّر لكم جميعًا عن فرحي وعرفاني نحو الرب الذي أوصلني إليكم، في هذا المكان، حيث تتجلى محبة وعناية الآب السماوي بأشكال مختلفة وبحسب موهبة خاصة.

لقاؤنا هذا يتناغم بشكل جيد جدًا مع حجي إلى زيارة الكفن المقدس، الذي نستطيع أن نقرأ فيه كل مأساة الألم ولكن أيضًا، على نور قيامة المسيح، ملء المعنى الذي يأخذه فداء العالم. أشكر الأب ألدو  ساروتّو للكلمات المفعمة معنىً التي وجهها إلي: من خلاله أوسع شكري ليشمل جميع العاملين في هذا المكان، بيت العناية الإلهية الصغير، كما أراد تسميته القديس جوزيبي بنديتو كوتولنغو. أحيي بعرفان العائلات الرهبانية الثلاث التي وُلدت في حضن الكوتولنغو ومن “مخيلة” الروح القدس. أشكركم جميعًا، أيها المرضى الأعزاء، فأنتم الكنز الثمين في هذه الدارة وفي هذه المؤسسة.

كما قد تعلمون، خلال مقابلة الأربعاء الماضي، إلى جانب شخصية ليوناردو موريالدو، قدمت أيضًا موهبة وعمل مؤسسكم. أجل فقد كان بطلاً من أبطال المحبة، وها إن مبادراته ظاهرة أمامنا وأمام عيون العالم بأسره كأشجار وارفة الفروع.

إذا ما قرأنا شهادات ذلك الزمان، نرى أنه لم يكن سهلاً للكوتولنغو أن يبدأ مهمته. إن أعمال المساعدة التي كانت قائمة في ذلك الزمان لصالح المحتاجين لم تكن كافية لتشفي جرح الفقر الذي كان يُؤلم مدينة تورينو. حاول القديس كوتولنغو أن يقدم جوابًا على هذه الحالة، مستقبلاً الأشخاص المحتاجين مفضلاً الذين لم يكن يستقبلهم أو يعتني بهم الآخرون. الخلية الأولى من دار العناية الإلهية لم تحظ بعيشة سهلة ولم تستمر طويلاً. في عام 1832، في حي فالدوكو، قام مبنىً جديد، بمساعدة بعض الجماعات الدينية.

رغم مروره بأوقات مأساوية في حياته، حافظ القديس كوتولنغو على ثقة هادئة أمام الأحداث؛ كان نبيهًا في إدراك علامات أبوة الله، ورأى في كل الأحوال حضوره ورحمته، ووجد في الفقراء أحب صور عظمته. كانت تقوده قناعة راسخة: “الفقراء هم يسوع – كان يقول – ليسوا مجرد صورة عنه. إنهم يسوع بالذات، وهكذا يجب خدمتهم. كل الفقراء هم أسيادنا، ولكن أولئك الذين يقززون العين الجسدية هم أسيادنا الكبار، هم جواهرنا الحقة. إذا لم نعاملهم بشكل جيد، يطردوننا من الدار الصغيرة. هم يسوع”.

شعر القديس جوزيبي بنديتو كوتولنغو بضرورة الالتزام من أجل الله ومن أجل الإنسان مدفوعًا من عمق قلبه من كلمة الرسول بولس: محبة المسيح تضطرنا (راجع 2 كور 5، 14). أراد أن يترجمها من خلال التزام كامل بخدمة الصغار والمنسيين. كان المبدأ الأساسي في عمله منذ البدء أن يمارس المحبة المسيحية نحو الجميع، وكانت هذه تجعله يعترف بكرامة عظيمة في كل إنسان، حتى ولو كان على هامش المجتمع. لقد فهم أن من يعاني من الألم ومن الرفض يميل إلى الانغلاق وإلى العزلة ويبين عن قلة ثقة نحو الحياة. لهذا فحمل ثقل الآلام البشرية كان يعني، بالنسبة لقديسنا، خلق علاقات قرب عاطفي، عائلي وعفوي، يُقيم بُنىً تستطيع أن تعزز هذا القرب، من خلال أسلوب العائلة الذي ما زال قائمًا حتى اليوم.

كانت إعادة بناء الكرامة الشخصية بالنسبة للقديس جوزيبي بنديتو كوتولنغو تعني إعادة بناء وتقييم كل ما هو بشري: من الحاجات الأساسية النفسية والاجتماعية وصولاً إلى الحاجات الخلقية والروحية، من تأهيل القدرات الجسدية إلى البحث عن معنى للحياة، وحمل الأشخاص لكي يكونوا جزءًا حيًا من الجماعة البشرية ومن النسيج الاجتماعي. نشكر رسول المحبة هذا لأننا، إذ نزور هذه الأماكن، ونلتقي بالألم اليومي في وجوه وأعضاء الكثير من إخوتنا وأخواتنا الذين يتم استقبالهم هنا كما ولو كانوا في بيوتهم، نختبر قيمة ومعنى الألم والعذاب.

أيها المرضى الأعزاء، أنتم تقومون بعمل عظيم: تعيشون آلامكم في شركة مع المسيح المصلوب والقائم، تشتركون في سر آلامه لأجل خلاص العالم. في تقديم ألمنا لله بواسطة المسيح، نستطيع أن نشارك في انتصار الخير على الشر، لأن الله يُخصب تقدمتنا وفعل حبنا.

أيها الإخوة والأخوات الأعزاء، إن الموجودين هنا جميعًا، كلٌ في موضعه، لا يجب أن يشعروا بأنهم غرباء عن مصير العالم، بل أن يشعروا بأنهم حجارة كريمة في فسيفساء جميلة جدًا، يقوم الله، كفنان كبير، بصياغتها يومًا فيوم من خلال إسهامكم أيضًا. المسيح، الذي مات على الصليب لفدائنا، قَبِل أن يُسمّر لكيما من تلك الخشبة، التي هي علامة موت، تستطيع أن تُزهر الحياة بكل بهائها. هذه الدار هي إحدى الثمار الناضجة التي وُلدت من صليب وقيامة المسيح، وهي تُبيّن أن الألم، الشر، والموت ليس لها الكلمة الأخيرة، لأن الحياة تستطيع أن تقوم من الموت والألم. لقد شهد لهذا الأمر بشكل نموذجي واحد منكم، وأود أن أذكره: المكرم الأخ لويجي بوردينو، وهو صورة رائعة للراهب الممرض.

في هذا المكان نفهم بشكل أفضل أنه إذا كان المسيح قد أخذ آلام المسيح في ألامه، فما من شيء يذهب هدرًا. في هذا الموضع نفهم بشكل خاص رسالة عرض الكفن: آلام المسيح – آلام الإنسان (Passio Christi – Passio hominis).

فلنصل إلى الرب المصلوب والقائم لكي ينير حجنا اليومي بضياء وجهه؛ ينير حياتنا، الحاضر والمستقبل، الألم والفرح، أتعاب ورجاء البشرية برمتها. إليكم جميعًا، أيها الإخوة والأخوات، إذ أستشفع مريم العذراء والقديس جوزيبي بنديتو كوتولنغو، أمنح من كل القلب بركتي: فلتعزيكم وتسندكم في التجارب ولتنل لكم كل نعمة تأتي من الله، أصل وواهب كل عطية كاملة. شكرًا!

عن وكالة زينيت