القانون الكنسي والحياة الراعوية 2 الاستعداد لحالة الزواج والاستقصاء للأب: هاني باخوم
القانون الكنسي والحياة الراعوية 2 الاستعداد لحالة الزواج والاستقصاء
للأب: هاني باخوم
في هذه المقالة سنستعرض اولاً “الاهتمام الراعوي أو الاستعداد لحالة الزواج والاستقصاء الواجب عمله قبل الزواج”، حسب القانون الكنسي الشرقي (ق 783ـ 788)، ومن ثم الحالات التي على الكاهن أن يمتنع فيها عن مباركة الزواج بدون إذن الرئيس الكنسي المحلي (ق 789).
- الاهتمام الراعوي أو الاستعداد لحالة الزواج (ق 783)
القانون الشرقي الجديد، الذي صدر عام 1990، متبعاً تعليم المجمع الفاتيكاني الثاني، يركز على ضرورة الاهتمام الراعوي والإعداد للمؤمنين قبل قدومهم على الاحتفال بسر الزواج المقدس. فيحث رعاة النفوس على إعداد المؤمنين لهذه الحاله الجديده. في هذا الإعداد يٌنشّىء المؤمن على معنى وقيم الزواج المسيحي، وعلى واجبات الزوجين بين احدهما الاخر، وايضاً دورهم في تنشئة الابناء على كافة المستويات: جسدية ودينية واخلاقية واجتماعية وثقافية. هذا الإعداد يتم عن طريق الوعظ والتعليم الديني.
هذا الإعداد يتم على ثلاث مراحل:
ـ إعداد طويل المدى: القانون 783 بند 1.1 يؤكد على ان هذا الإعداد، عن طريق الوعظ والتعليم الديني، موجه الى الاحداث والراشدين. فهذا الإعداد ليس فقط للخطيبين، لكنه إعداد عام لكل مؤمن منذ حداثته. فالتنشئه حول الزواج المسيحي ليست افكار او مبادىء للاتقان قبل الزواج، بل هي مسيرة تصاحب المؤمن منذ حداثته لتكوين ذهنية مسيحية عن الزواج واهدافه. هذه المسيرة هي اساسيه في عصرنا الحالي، اكثر من اي عصر سابق، حيث ان الثقافة المحيطة بنا لم تعد ثقافة اساسها القيم المسيحية، ولكنها متأثره بالحداثة والعلمنة، مما افقدها العديد من المعاني والاخلاقيات حول الزواج. هذه الثقافة “غالباً ما تقود الى الشك في القيم الموروثة، خاصة من قبل الشباب…” (فرح ورجاء 7). من هنا ياتي ضرورة واهمية هذا الإعداد.
ـ إعداد مباشر وشخصي: المرحلة الثانية من الإعداد تتم بطريقة مباشرة وشخصية للخطيبين في الاشهر الاخيرة التي تسبق الاحتفال بسر الزواج. يكون هدفها تهيئة الخطيبين للحالة الجديدة المقبلين عليها. في هذه الفترة تدعو الكنيسة الخطيبين ان يحيا فترة الخطوبة بحب عفيف طاهر. لذا من المهم اعداد الخطيبين وتوعيتهم على القيم الجنسية، واطارها الخلاصي في القصد الالهي. ويتم التركيز ايضاً في هذا الإعداد على توعية الخطيبين لسر إتحاد المسيح بكنيسته، لان عهد الزواج سيصير على صورة ذلك السر المقدس. بالإضافة الى ذلك، في هذه الفترة، يتم الإستقصاء الواجب القيام به قبل الإحتفال بسر الزواج.
ـ الإعداد النهائي قبل الاحتفال بسر الزواج: في هذا الإعداد يتم التهيئه النهائيه للاحتفال بسر الزواج، عن طريق التهيئه لاستقبال الاسرار المقدسة (التوبة و التناول المقدس والزواج). فالقانون يحث الخطيبين على المناولة اثناء الاحتفال بسر الزواج، وهذا أمر يفترض ان يتم الاحتفال بسر الزواج داخل إطار القداس الالهي. في هذا الإعداد النهائي يتم ايضاً شرح طقوس احتفال سر الزواج ومعانيه. وبهذا يتهيئى الخطيبين لكي يحيوا وقت الاحتفال بسر الزواج بالملء، وفي حالة النعمة.
مما سبق يتضح ان هذه المراحل للإعداد لحالة الزواج هى بمثابة موعوظية فيها يتنشىء المؤمن على استقبال سر الزواج، كما يتنشىء الموعوظ على اسقبال سر العماد. لذا فهو يتنعم باهمية قصوى. بالرغم من ذلك عدم اتمام هذا الإعداد لا يمثل مانعاً مبطلاً يحول دون الاحتفال بالزواج بطريقة صحيحة او جائزة.
دور رعاة النفوس لا ينتهي بمباركة سر الزواج. فعليهم ان يمدوا الزوجين بالعون المناسب، ويساعدوهما على حفظ امانة عهد الزواج من اجل حياة اكثر قداسة واوفر ثمراً (ق 783 بند 3، 816). بمعنى اخر، هذه المسيرة لا تنتهي باحتفال سر الزواج، بل تأخذ صورةٍ اخرى تناسب حالة الزوجين الجديدة.
- الإستقصاء قبل الزواج
الزواج هو عقد، عهد وسر مقدس، ذو اهمية كبرى على المستوى الكنسي والمدني، ينتج عنه مفاعيل قانونية[1]. لذا قبل الإحتفال به، يجب التأكد وبكل عناية ان لا شىء يحول دون اتمامه بطريقة صحيحة وجائزة. من اجل هذا الغرض يحث القانون الكنسي كل كنيسة ذات حق خاص على ان تحدد في شرعها، بعد التشاور مع الاساقفة الابرشيين من الكنائس الاخرى ذات الحق الخاص الذين يمارسون سلطتهم في نفس الولاية، نظم لاستجواب الخطيبين وطرق التحري او الإستقصاء قبل مباركة الزواج. فالقانون الكنسي العام يترك هذا الامر لكل كنيسة ذات حق خاص كي تحدده حسب عاداتها وتقاليدها، لكنه يحدد هدف هذا الإستقصاء و هو التاكد من معمودية الخطيبين ومطلق حالهما (ق 784)، المقصود بمطلق الحال هو خلوص الخطيبين من كل ما من شانه ان يمنعهما من عقد زواج صحيح وجائز.
التشريع القديم، الإرادة الرسولية “لنظام سر الزواج” للبابا بيوس الثاني عشر، يحدد ان هذا الإستقصاء يتم من خلال المناديات (ق 12- 18)، فعلى الكاهن ان يعلن علانية اسماء الراغبين في الزواج، إذا ما ورد ذلك في الحق الخاص، لكل مؤمني الرعية. الغاية من ذلك هو اشهار امر الزواج وتسهيل اكتشاف الموانع التي قد تحول دون عقده جائزاً او صحيحاً.
التشريع الجديد لا يذكر شىء عن المناديات، بل يترك كما ذكرنا من قبل لكل كنيسة ذات حق خاص ان تحدد الطرق الخاصة بها لاجراء هذا الإستقصاء.
تقع مهمة الإستقصاء على عاتق رعاة النفوس (ق 785)، وبطريقة عملية على كاهن الرعية التي فيها يكون مسكن او شبه مسكن كلا الخطيبين (ق 829 § 1) واذا كان لكل منهما رعية مختلفة، فيكون الإستقصاء مهمة كاهن رعية الخطيب (ق 831 § 2). في الحالة التي سيتم فيها الزواج خارج رعية الزوج فعلى كاهن تلك الرعية ان يعلم الكاهن الذي سوف يبارك الزواج بنتيجة الإستقصاء بوثيقة رسمية (ق 787).
في حالة خطر الموت، وإذا تعذر الحصول على ادلة اخرى، يكفي قسم الخطيبين بانهما معمدان ومطلقا الحال (ق 785 § 2). فالقانون والذي هدفه الاسمى خلاص النفوس يسمح بذلك بهدف تصحيح وحل وضع غير سوي. على سبيل المثال معاشرة او مساكنة بين شخصين بلا زواج مع وجود اولاد، ففي خطر الموت وضيق الوقت واستحالة اي ادلة اخرى يكفي قسم الشخصان لاتمام مباركة الزواج.
جميع المؤمنين يشاركون رعاة النفوس في مهمة الاستقصاء. فعليهم ان يكشفوا للكاهن المسؤل او للرئيس الكنسي المحلي، قبل الاحتفال بسر الزواج، عن الموانع التي قد يكونوا على علم بها (ق 786). حفظ السر لا يمنع كشف تلك الموانع اذا وجدت، الا اذا كانت معرفة هذا السر ناتجة من الاعتراف، في هذه الحالة حفظ السر هو الزامي. اما في حالة ان معرفة هذا السر ناتجة عن الوظيفة، فعديد من القانونيين يؤكدوا واجب كشفه، أي انه في هذه الحالة لا يوجد الالزام بحفظ السر.
في حال بعد الإستقصاء والتحري مازال يوجد شك فيما يخص معمودية او مطلق حال الخطيبين يرفع الكاهن الأمر للرئيس الكنسي المحلي (ق 788).
هذا هو ما يحدده القانون الكنسي للإستقصاء والتحري. ومنه يتضح ان الإستعداد والاهتمام الراعوي للزواج من ناحية والإستقصاء من ناحية اخرى هما امران مختلفان لكن ليسا منفصلان. كلاهما يهدفا للتأكد من صحة وجواز الزواج في حالة اتمامه.
- الحالات التي على الكاهن أن يمتنع فيها عن مباركة الزواج بدون إذن الرئيس الكنسي المحلي (ق 789).
القانون الشرقي يعرض ستة حالات فيها يجب على الكاهن ان يمتنع عن مباركة الزواج بدون إذن الرئيس الكنسي المحلي، وان كان بإستطاعته ان يحتفل بهذا الزواج احتفالاً صحيحاً ولكنه يكون غير جائزاً. تلك الحالات هي:
3.1 حالة زواج الدوَّارين: الدوَّار هو الشخص الذي لا مسكن له ولا شبه مسكن وبالتالي فهو لا يتمتع بمسكن او بشبه مسكن في أي رعية (ق 911)، بل دائم التجول من مكان لأخر. من المعروف ان المسكن يكتسب بالإقامة في رعية مع نية البقاء فيها على الدوام او بفعل البقاء لمدة خمسة سنوات كاملة (ق 912 § 1). اما شبه المسكن يكتسب بنية البقاء على الاقل لمدة ثلاثة اشهر او البقاء الفعلي لنفس المدة (ق 912 § 2).
3.2 حالة الزواج الذي لا يستطيع القانون المدني ان يعترف به او يعقده: الحالة الاكثر شهرة، عندما يكون احد الفريقين بالفعل قد عقد زواج مدني فقط ويريد بعد ذلك عقد زواج مسيحي مع طرف ثالث. القانون المدني لا يعترف ولا يعقد هذا الزواج الثاني لان احد الفريقين مرتبط بالفعل بعقد اخر وان كان مدني فقط. في هذه الحالة يمتنع الكاهن عن مباركة الزواج ويعرض الامر على الرئيس الكنسي المحلي. هذا القانون ليس هدفه تقنين القانون المدني اي جعل القوانين المدنية جزء من القانون الذي ينظم الزواج الكنسي. لكن في نفس الوقت لا تستطيع الكنيسة تجاهل القوانين المدنية التي تنظم حياة العائلة والزواج في المجتمع. لذلك القانون الكنسي يرفع الامر الى تمييز الرئيس الكنسي المحلي، الذي عليه التمييز في كل حالة.
3.3 حالة زواج الاشخاص الذين تقيدهم واجبات طبيعية تجاه فريق ثالث او تجاه ابناء لهم من زواج سابق شرعي كان او غير شرعي: المقصود بهذه الحالة هو زواج شخص مقيد بواجبات طبيعية تجاه فريق ثالث او تجاه ابناء له. الواجبات الطبيعية تنشأ من بعض الحالات، على سبيل المثال
– تجاه ابناء من زواج قد انتهى بسبب موت الفريق الاخر
– تجاه ابناء او تجاه الفريق الاخر من زواج قد تم اعلان بطلانه او فسح فيه
– تجاه ابناء او تجاه الفريق الاخر من زواج غير شرعي (مدني فقط)
– تجاه ابناء او تجاه الفريق الاخر من المعاشرة والمساكنة حتى بلا زواج مدني.
في اي من هذه الحالات يجب علي الكاهن ان يمتنع عن مباركة الزواج، وان يرفع الامر الى الرئيس الكنسي المحلي، الذي بدوره عليه ان يتأكد ان عقد هذا الزواج الجديد لن يمنع ذلك الشخص من ان يفي بتلك الواجبات الطبيعية.
3.4 حالة زواج القاصر بدون علم العائلة اوضد رغبتهم: بالرغم من ان القانون 800 § 1 يحدد ان الحد الادنى لسن الزواج هو السادسة عشرة للرجل والرابعة عشرة للمرأة ، الا ان القانون 789. 4° يمنع الكاهن من مباركة زواج القاصر بدون علم العائلة اوضد رغبتهم. القاصر هو الذي لم يبلغ سن الثامنة عشرة كاملة (ق 909 § 1). فعلى الكاهن ان يرفع الامر للرئيس الكنسي المحلي، الذي بدوره يجب ان يفحص الامر لادراك سبب رفض الاهل او سبب رغبة طالبي الزواج لاخفاء امر الزواج عن العائلة.
3.5 حالة زواج الاشخاص الذين يمنع زواجهما الجديد حكم كنسي، ما لم تتمِّم بعض الشروط: في بعض احكام بطلان الزواج او فسخه يكون الحكم مرتبط بمنع او حظر زواج جديد الا اذا اوفي بعض الشروط. هذا الحظر او المنع يجب ان يكون مذكور نصياً في الحكم الكنسي الصادر (ق 1370 § 1). في هذه الحالة وقبل عقد الزواج الجديد يجب التأكد من ان الفريق المختص قد اتمم تلك الشروط.
3.6 حالة زواج الاشخاص الذين انكروا الايمان الكاثوليكي علناً حتى وان لم ينضموا الى جماعة او كنيسة غير كاثوليكية. في هذه الحالة لا يعطي الرئيس الكنسي المحلي الاذن بالزواج الا بعد التأكد من متطلبات القانون 814 والتي تنص على:
– ان يعلن الطرف الكاثوليكي عن استعداده لدفع خطر الايمان، ويعد وعداً صادقاً بانه شيبذل ما في وسعه لتعميد ابنائه وتربيتهم في الكنيسة الكاثوليكية؛
– أن يٌحاط الطرف الاخر في حينه علماً بهذه الوعود؛
– يجب تلقين الطرفين أهداف الزواج وخصائصه الجوهرية التي يجب الأّ يستبعدها أي من الطرفين.
تلك هي الحالات الست التي فيها يجب على الكاهن ان يمتنع عن مباركة الزواج قبل ان يحصل على إذن الرئيس الكنسي المحلي. مع العلم بانه في إستطاعته ان يحتفل بهذا الزواج احتفالاً صحيحاً ولكنه يكون غير جائزاً.
[1] لمعرفة ماهيّة الزواج ومفاعيله القانونية، راجع المقالة الاولى.