القديسة ريتا شفيعة الحالات والأمور المستعصية

٢٢ مايو ٢٠٢٥
إعداد الأب وليم عبد المسيح سعيد الفرنسيسكاني
وُلدت القديسة ريتا في 22 مايو 1381 في بلدة روكا بورينا التابعة لمقاطعة أومبريا في إيطاليا، بعد طول انتظار من والديها التقيين أنطونيو وفاري، اللذين رُزقا بها بعد رؤيا ملائكية تؤكد أن الله سيمنحهما ابنة عظيمة. منذ ولادتها، أحاطت بها علامات إعجازية، من بينها حادثة النحل التي دارت حولها دون أن تلسعها، بل أدخلت في فمها العسل، ما عُدّ بشارة لقداستها. نشأت ريتا في بيت تقي، وتعلّمت منذ طفولتها المحبة، والخضوع، والصلاة، وكانت تطمح إلى الحياة الرهبانية والتكريس الكامل لله.
رغم رغبتها العميقة في دخول الحياة الرهبانية، اضطرت ريتا إلى الزواج نزولًا عند رغبة والديها، من شاب يُدعى بول فرديناندوس، كان عنيفًا وفظًا، ومحبًّا للعنف والانتقام. عاشت معه حياة مليئة بالإهانات والمعاناة، لكنها احتملته بصبر وصمت، مؤمنة بأن الله قادر على تحويله. وفعلاً، استطاعت بفضل مثابرتها وتقواها أن تعيده إلى الله. رُزقت منه بتوأمين، كرستهما لله، لكنها عانت لاحقًا من ميلهما إلى الانتقام لوالدهما بعد مقتله. فصلّت بحرارة لكي لا يقعا في الخطيئة، وفضّلت موتهما على أن يفقدا خلاصهما الأبدي، فماتا بعد مرضهما تائبين، مما حرر قلبها من كل ارتباط أرضي.
بعدما فقدت زوجها وأبناءها، طلبت ريتا الدخول إلى دير القديسة مريم المجدلية للراهبات الأوغسطينيات. رُفض طلبها أكثر من مرة بسبب زواجها السابق، لكنها لم تيأس، بل داومت على الصلاة والتقشف، واستعانت بشفاعة القديسين. وفي إحدى الليالي، ظهرت لها ثلاثة شخصيات قديسين: يوحنا المعمدان وأوغسطينوس ونيقولا، وأدخلوها إلى الدير رغم أبوابه المغلقة، في أعجوبة سماوية أقنعت الراهبات بقداستها، وقُبلت أخيرًا في الحياة الرهبانية.
في الدير، عاشت ريتا حياة مملوءة بالطاعة والتواضع، وتميزت بطاعتها العمياء لأوامر رئيساتها، حتى إنها كانت تسقي غصن كرمة يابسًا كل يوم، امتثالًا لأمر الرئيسة، فتحول العود اليابس إلى كرمة مثمرة ما زالت موجودة حتى اليوم في دير كاسيا، وتُستخدم أوراقها كوسيلة روحية للشفاء والبركة. مارست ريتا أقسى أنواع الزهد، وارتدت لباسًا خشنًا يمزق جسدها، وكانت تعذب نفسها من أجل التوبة والشركة في آلام المسيح.
أعظم ما عُرفت به ريتا هو اشتراكها في آلام المسيح بطريقة ملموسة. إذ توسلت يومًا أمام المصلوب أن تشارك يسوع أوجاعه، فطارت شوكة من إكليل المصلوب واستقرت في جبينها، مسببة جرحًا مؤلمًا دام خمس عشرة سنة. رافق الجرح رائحة كريهة جعلتها تنعزل عن الأخريات، لكنها احتملت ذلك بشكر ومحبة، معتبرة إياه نعمةً تُقربها من الرب، ولم تكن تتناول سوى القربان المقدس كغذاء روحي.
من أعاجيبها الشهيرة، أنها في أحد أيام الشتاء طلبت من قريبتها إحضار وردة من حديقة منزلها، فوجدت القريبة وردة متفتحة وسط الثلج والجليد، كما وجدت تينتين ناضجتين على شجرة جافة، وهي معجزات حفظتها الكنيسة وتُحتفل بها سنويًا في 22 مايو، حيث توزع الورود المباركة على المؤمنين طلبًا للشفاء والنعمة.
في سنواتها الأخيرة، أنهكها المرض والتقشف، لكنها بقيت مخلصة لتكريسها. قبل وفاتها بثلاثة أيام، ظهر لها المسيح وأمه العذراء، وأخبراها أنها ستنتقل إلى السماء، فاستعدت بسرور، وتناولت الأسرار الأخيرة، ثم رقدت بالسلام في 22 مايو 1457. عند وفاتها، انبعث من جرحها عطر سماوي، وشفُيت راهبة كانت مشلولة عند اقترابها منها. كما بقي جسدها سليمًا، وانتشرت حوله المعجزات.
تم إعلان ريتا طوباوية عام 1628، ثم أعلنها البابا لاون الثالث عشر قديسة عام 1900. وتُعرف اليوم بـ”شفيعة الأمور المستحيلة والمستعصية”، لما لها من وساطات عجائبية وشفاعات فعالة، وتبقى سيرتها مثالًا حيًا للصبر والرجاء والإيمان في أحلك الظروف. فلتكن صلاتها معنا جميعًا.