المعلم غالي ودوره في الكنيسة-الأب/أنطون فؤاد
المعلم غالي (1775-1822)
ودوره في الكنيسة القبطية الكاثوليكية
مقدمة:
كثيراً ما يحلوا لأخوتنا الأقباط الأرثوذكس محاربة الكنائس الأخرى بنشر بعض المغالطات التاريخية و التمسك بها على أنها التاريخ الصحيح – ليس هذا بغريب عن ثقافتنا المصرية عامة والتي تعتبر تزييف التاريخ عملاً من أعمال السلطة -.
من ضمن مغالطات التاريخ هذه ما يروجه بعض الكتاب الأقباط الأرثوذكس عن أن الكنيسة الكاثوليكية نشأت حينما أمر محمد علي باشا المعلم غالي بأن ينضم إلى الكثلكة ومعه مجموعة من أقاربه، إرضاء لبعض سفراء الدول الأجنبية.
في هذا المقال سنتناول سيرة المعلم غالي، وما هو دوره الفعلي في الكنيسة القبطية الكاثوليكية، وسنورد المستندات التاريخية الدالة على كلامنا، ثم سنعيد نشر وثيقة هامة تفند الإدعاء الأرثوذكسي.
ليس الهدف من مقالنا هذا الرد على الكنيسة الأرثوذكسية، فما يهمنا بالدرجة الأولى هم أبناء الكنيسة القبطية الكاثوليكية، والذين نوجه لهم مقالنا ليكونوا أكثر معرفة لتاريخهم، وأكثر إدراكاً لهويتهم.
1. من هو المعلم غالي
1.1. حياته
لا نعرف كثيراً عن طفولة المعلم غالي، كل ما نعرفه، أنه أبن المعلم سرجيوس أبن المعلم فلتاؤس من وجها أقباط مديرية قنا، وقد ولد في فرشوط[1] سنة 1775. دعاه أبواه في المعمودية باسم جرجس .
كان أبوه المعلم سرجيوس ، مسيحياً كاثوليكياً، وكان شعار والده المنقوش على خاتمه هو “المتوكل على المتعالي سرجيوس غالي”، وهو نفس الشعار الذي وضعه المعلم غالي على خاتمه الذي نقش عليه تاريخ التحاقه بخدمة محمد على في 1223 ھ، الموافق 1808 م.
كان لغالي أخ أصغر هو فرنسيس بن سرجيوس والذي سوف يلازمه في كل مراحل حياته، ولعل في أسم أخوه أحد الأدلة على كونهما من أسرة كاثوليكية الجذور، فالمعروف أن اسم فرنسيس منتشراً في الأوساط الكاثوليكية دون غيرها، نسبة وطلباً لشفاعة القديس فرنسيس الأسيزي، مؤسس رهبانية الأخوة الآصاغر، والذي لا شك فيه أن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في ذاك الوقت لم تكن تعرفه، ولم تكن لننرك أبناءها يعطون مواليدهم أسماء قديسين كاثوليك!.
لما شب غالي التحق بخدمة محمد بك الألفي، والي فرشوط، وفي هذا الوقت تعرف بمحمد علي، الذي كان قد قدم إلى مصر على رأس فرقة من الجند لمحاربة الفرنسيين، وكان الألفي يدفع رواتب محمد علي وجنده، فتوطدت الصداقة بينه وبين المعلم غالي.
تزوج المعلم غالي من المدعوة “كتورة” أو “كاترينا”، وهي من أسرة الزير الشهيرة بأخميم، وهذه الأسرة ورد ذكرها كثيراً بسجلات الآباء الفرنسيسكان آنذاك[2]، وقد أنجب منها ثلاثة أبناء هم باسيليوس ودوس وطوبيا، وبقي غالي في خدمة الألفي بك الذي توفي في سنة 1807، ثم استدعاه محمد علي عندما تولى الحكم.
1. 2. المعلم غالي في خدمة محمد علي
عندما أخذ محمد علي حكم مصر، كان رئيس كتبة الأقباط، الذي يعتمد عليه الحكام في جمع المال، هو المعلم جرجس الجوهري الذي ورث منصب أخيه المعلم إبراهيم ، والذي يقول عنه المؤرخ عبد الرحمن الجبرتي “كان بيده حل الأمور وربطها في جميع الأقاليم المصرية، نافذ الكلمة وافر الحرمة”[3].
ظهر المعلم غالي منافساً للمعلم جرجس الجوهري، في الحصول وتدبير الأموال التي يحتاجها الباشا، ويقول الجبرتي في هذا “ظهر المعلم غالي وتداخل مع الباشا وفتح له الأبواب لأخذ الأموال وجرجس يدافع في ذلك. وإذا طلب الباشا طلباً واسعاً من المعلم جرجس كان يقول له: هذا لا يتيسر تحصيله، فيأتي المعلم غالي فيسهل له الأمور ويفتح له أبواب التحصيل”[4]
[1] . يختلف المؤرخون حول موضع ميلاده، فيقول فرج سليمان فؤاد، في كتابه الكنز الثمين لعظماء المصريين، الجزء الأول، ص. 229، أنه ولد في فرشوط، في حين يذكر H. L. Rabino في كتابه Les Familles Coptes ، أنه ولد بطهطا مديرية جرجا سنة 1775.
[2] Studia Orientalia Christiana Aegypyica 12 (documenti. 1) I Primi Copti Cattolici registri editi di P. Giamberdini O. f m, p. 78, 96, 99, 100, 219, 220, 222.
[3] . راجع الشيخ عبد الرحمن الجبرتي، عجائب الآثار في التراجم والأخبار، الجزء الرابع، المطبعة العامرة الشريفة، القاهرة. 1322ھ. ص. 126.
[4] . المرجع السابق ص. 127