الميلاد-بيوس قاشا
مع حلول ذكرى ميلاد طفل المغارة يسرني أن أُهنئ قداسة البابا فرنسيس وأباءنا المغبوطين ، وساداتنا الأجلاء وإخوتي الكهنة والرهبان والراهبات والمؤمنين،
ومسؤولي المواقع الالكترونية والعاملين في مجال الاعلام، والساهرين على ايصال كلمة الحق، وندعو الرب الذي سكن بيننا أن يمطر نعمه وخيراته وبركاته،
وان يجعلنا طلابا في مدرسة المذود الفقير، حاملين الحس الايماني، وحب الأرض، وعطاء السماء وفقر البابا فرنسيس، وأقول وكل عام والجميع بخير.
أحداث .. وعولمة
أحداث مؤلمة لا زالت ترافق مسيرة أبنائنا في شرقنا في هذا الألف الثالث، وقدازدادت وتيرتها منذ أشهر وحتى اليوم، فهي بذلك تذكّرنا بما احتمله وقاساه آباؤنا من الاضطهادات منذ نشأة المسيحية، واستمرت عبر قرون وأجيال وحتى الحربين العالميتين الأولى والثانية وحروب السنين العثمانية الأخيرة من الألفية الثانية. هذه الحروب أحرقت ضحايا لا تُعَدّ ولا تُحصى، كما رافقتها هجرة أجدادنا وآبائنا، واليوم نحن أحفادهم… وها هي المسيرة تتجدد حاملة الخوف والفزع عبر العنف الذي يحمله الأصوليون، والاضطهاد الذي تصمت أمامه أفواه لا حول لها ولا قوة، وعيون تنظر ولا ترى، كما إننا نتحرك كل يوم على وقع أحداث تتوالى وتتعاقب أمامنا ونحن فيها وحولها، ولا زالت تعمل فينا وتحصد أرواح الأبرياء، إضافة إلى عالم العولمة المزيفة التي تدغدغ حقيقة قلوب مؤمنينا ليحملوا حقائبهم ويرحلوا عبر هجرة منسَّقة ومخطَّط لها في عقول مريضة، ومعلنة أن شعب الله لا يجوز له العيش بعدُ في أرض أصوله ووطن أجداده. فالعنصرية قد ملكت في القلوب، والطائفية والمذهبية قد قتلت الأماني والإرادات، والتهميش كان الحقيقة، والاحتقار والتكفير كانا الكلمة الأولى والأخيرة والسبيل إلى الضياع والرحيل وإفراغ البلد.
كنيسة الشرق
نعم، في هذا الشرق وُلدت الكنيسة المقدسة، وبولادتها حمل أبناؤها إيمانهم بالرب ركيزة أساسية لإعلان بشرى الخلاص وحقيقتها، وهذا ما تعلنه كنيسة الشرق لتكون شاهدة حية على ينابيع الإيمان وأصول المسيحية، فهي الرئة الثانية لجسد المسيح حسب قول البابا الطوباوي يوحنا بولس الثاني، وهي تبشر وتشهد لكل ما قاله الرب يسوع وأعلمنا به ونبّهنا إليه كي نكون في استعداد دائم، وكي تبقى شهادتنا واعدة وشعلتها مشتعلة لا يقوى عليها قوات الشر والظلام.
صوت المعلّم
أمام ما يحصل يبقى صوت المعلّم، صوت الحق ينادينا. ويبقى العالم بحاجة إلى ثقافة الإنجيل، ثقافة الرجاء، بشرى الأمل من أجل الحياة. وتبقى الكنيسة برجالها ونسائها ومؤمنيها حاملة صوت الحق هذا كي تجمع ما تبقى لنا، وتسأل: أين نحن، وأين أصبحنا، وإلى أين نحن سائرون؟، وما هي زاوية اتجاهنا كي تكون أمينة لراعيها الإلهي الأول في نقل الكلمة أنْ “اذهبوا وعلّموهم” (متى 28:20)، حاملين رسالة المحبة والخدمة والحياة، إذ لا يجوز أن نبقى واقفين في أماكننا دون حراك، نراوح دون هدف وبلا رسالة بسبب خوفنا من الذي يحدث ومن الآتي إلينا، بل بالعكس علينا أن نحمل رحمةً ورجاءً وغفراناً، وهذه كلها تتطلب الكثير من الشجاعة والكثير من صلب الإرادة في نسيان الذات ونكران الأنا فهو علمنا قائلا، في أن نطعم عدوّنا إذا جاع ونسقيه إذا عطش ولا نغلب الشر بالشر بل بالخير (رو17:12-21).
الحس الإيماني
ما نفتقر إليه هو الحسي الإيماني وإلى إرادات الثبات في أرض الأجداد وعدم الهجرة والرحيل، فالحياة لا تقاس بسندويج النهار ونعاس الليل ووقفة أمام دار الإقامة، بل بالرسالة والهدف السامي، بالحس الإيماني النابع من عمق الأصول، لأن غياب أبنائنا يعني انتحار لوجودنا وافتقار لمسيحيتنا وخسارة لتعدديتنا وفقدان لأصولنا في مشرقنا الذي من أجله خُلقنا، ولأجله ُثُبتنا بمسحة إلهية كي نكون خميراً حية وعلامةً للحوار وقبول الآخر، ورسالةً لبناء جسور العبور والشراكة. فهجرتنا تعني هزيمتنا وقبولنا لخسارة نحن أردناها ليس إلا. أما حضورنا فما هو إلا من أولى واجباتنا وإعلان حقيقتنا في أننا حاملي بشرى الحياة وليس حقائب السفر.، في أننا أعمدة الوطن وليس أناس الرحيل. وفي ذلك أدعو أن يكون لنا آذاناً صاغية لدى عامة الناس كي يُدركوا ويعملوا ليس فقط من أجل يومهم بل من أجل رسالتهم. لذا ما نحتاج إليه هو الوعي، فالوعي قليل بل غائب، والحرب ضد المسيحية لن تنتهي، وإسكات الإرهاب لا يمكن أن يتوقف لا بل ربما يتحول إلى سبل أخرى وطرق مستَنبَطَة جديدة. ومهما يكن سيبقى الإنجيل، فالإنجيل حقيقة. كما لا يمكن أن نخجل من أن نكون مسيحيين، فلا تيأس، ولا يلج القنوط إلى قلبكَ، بل عش إيمانك بفرح وسلام بالرغم من الصعوبات ، عبر إتجاهات جديدة وسبل حاملة للرجاء والثقة.
ضحية… وأية ضحية
نعم، من المؤلم أن أرى المسيحي سلعة يُشترى ويباع في حقيقة واقعة خوفاً من، وهزيمة من، بسبب مفسدي الدهر عبر التعصب وقتله بدم بريء واضطهاده بتغذية فكر حاقد، ومعلنين أن الحياة لا تُكتَب للأبرياء بل لأقوياء الزمن ومفسدي الدهر الحالي بدولار عبر حوالات مزوَّرة في بيع ممتلكات وإنْ كانت مقدسة، وبخفية العيون وهمسة القلوب دون إدراكهم أن الله عليم بكل شيء.
أليس ربنا هو الذي قال:”ما عملتموه في الخفاء سيُعلَن على السطوح” (متى 27:10). فيا لهم من فاسدين وإنْ كانوا مقرَّبين من الأعالي كفريسي الإنجيل… كم إنهم منافقون، يتظاهرون أمام واجهاتنا بأنهم لله ومن أجله يعملون وإياه يقصدون، ولكن الحقيقة هي غير ذلك بالتمام والكمال، بالحقيقة والأمان. وكم يحنو البشر أمامهم خاشعين وخاضعين بل وخانعين، وما غايات هؤلاء وأولئك إلا المصالح الأنانية والأهداف السوداء وتدمير الأبرياء مدّعين أن مواقفهم المضلِّلة لا تحارب إلا المتَّهمين، ولكن الحقيقة هي أن أنفسهم متهمّون ، وما المتَّهمون إلا أبرياء، فقد باعوا حتى ضمائرهم بل لا ضمائر لهم، وإنما ما يملكون ما هو إلا من فضلات الضمائر، فمن المؤسف أن مَن يصفح ما هو إلآ صاحب القلب الكبير، وهو الضحية، وأية ضحية.
اضطهاد… وإيماننا
إنه اضطهاد واضح في العلن أو في الخفية، حينما ينعتوننا بأننا لا نستحق الحياة ، وبذلك يرسمون مخططاً لإهلاكنا واضطهادنا لكي يقلّ عددنا وتتطهر البلاد وتفرغ من وجودنا ، فإذا بهم بهذه الشهادة يولد مسيحيون جدد ومن أحسن طراز لأن الشخص الذي يدخل المسيحية في أيام الاضطهاد يكون من العناصر الشاهدة لإيمان الأصول التي لم تأتِ للإيمان نتيجة إغراء مادي أو منصب رئاسي، ولكن ما دفعه إلى المسيحية هو التضحية وعمق الإيمان اللذان دفعا هؤلاء الشهداء فتأثر بصمودهم وصبرهم وحبهم فجذبه المسيح بنعمته بوساطتهم، وحسب قول ترتليانوس “دماء الشهداء بذار الحياة”. فإن كان الاضطهاد والاستشهاد لابدّ منه ولا مفرّ منه فهو مفيد لكيان الكنيسة، فهذه الهزّة العنيفة لحقيقة الإنسان كالشجرة التي يترتب عليها أن تسقط بعض أوراقها الصفراء ليكون هناك مكاناً للبراعم الجديدة والخضراء، وفي ذلك تبقى المسيحية وتدوم أعواماً وقروناً وستدوم إلى الأبد “إن أبواب الجحيم لن تقوى عليها” (متى 18:16). وكثيراً ما نشعر بأن الله لا يصغي إلينا ولا يستجيب إلى صلاتنا، فهذا دليل على ضعف إيماننا من جهة وعدم قوة صلاتنا من جهة أخرى، ودافع لنا بأن نثابر على الصلاة دون ملل وبلا انقطاع في هذه الأيام الصعبة أكثر من أي وقت مضى علّ الله يرأف بنا ويباركنا منيراً بوجهه علينا، فنحصل على المعجزة التي نحتاج إليها وهي أن يبارك الله أرضنا بالسلام.
ألقاب ..وصمتٌ
ما نحتاج إليه هو تفعيل قوانين دستورنا. يقولون “لا تهاجرون” ونِعْمَ القول، ولكن أعطونا حقوقنا، وقّعوا على حقيقة أصالتنا، اطردوا العنف من خطاباتكم، فالنزيف من صنعنا قبل أن يكون من صنع الغريب… فأين هي المعاهدات؟، وأين هي البيانات؟، وأين هي الاستنكارات؟… ألم تتجسد لحدّ اليوم؟، ألم تظهر للملأ لحدّ الساعة؟… فلا زلنا نلقَّب حسب إرادة الأشرار، مرة خنازير وأخرى كلاب وثالثة كفّار ورابعة وخامسة، والمعلّم صامت، والكنيسة مثل معلّمها، ورؤساؤنا ليس في يدهم حيلة إلا الصوم والصلاة، فأصواتهم قد بُحَّت ولا أحد يسمعها. الأمم المتفرقة تتّحد لتدميرنا ببياناتها، وتتّحد لإدانة قتلنا. ومن المؤتمرات تُسمع منا أخبارُنا كي تُرسم خططٌ لتدميرنا ولتهجيرنا عبر دول تحتاج إلينا وإلى سواعدنا وورقتنا ونفوطنا، وإنْ كنا لا نعلم فنحن نباع ولا في العلن، ونُشترى بأقل من ثلاثين من الفضة، ويملئوا بطوننا كلاماً وبيانات واستنكارات و، و، ومؤتمرات، مرة لأبناء أحزابنا وأخرى لقادة كنائسنا وثالثة لروّاد حركاتنا، فيعود المؤتَمِرون ولم يحملوا إلا صوراً وأحلاماً وذكريات وضاعت القضية ، بل تركوها عند مخارج القاعات أو في مداخل المطارات والمحطات .
نحن.. وألارملة
صحيح إنهم يمتلكون سلاحاً، ويمتلكون قوة، ويبطشون بفقراء الله، ولكن لا يمكن أن تبقى لغة القوة تسود على ذوي الإرادة الصالحة، فبطشهم هذا يعني خوفهم، وقوتهم هذه تعني هزيمتهم، وسلاحهم هذا يعني رعبهم، فلا يمكن أن يبقوا إلى ما لا نهاية. نعم، إنهم خصم ظالم وشرير، إنهم جانب مظلم ومكفرّ، ولكن مهما نجحوا في مسيرة شرهم هذه لا يمكن أن يواصلوا، فالحقيقة يجب أن تنتصر أخيراً. ما ينقصنا أن يكون لنا الثقة بالرب والاستسلام لإرادة الله القدير.
قد تكون المشكلة فينا وفي ضعفنا كوننا فقدنا الثقة بإله الرجاء بقولنا: طال مصابنا وزادت آلامنا ونسينا الله وتربّع اليأس على مجالس الحكم في داخلنا، وبدأنا نشكّ ونتردد ونتراجع بل ونتقهقر لأننا نخاف السيف وفعله وننسى أن هناك مَن سبق وأعلمنا أنّ “كل الذين ياخذون بالسيف بالسيف يهلكون” (متى53:26). من هنا يجب أن نأخذ العبرة من كلام الحياة، فالأرملة لم تبطل ولم تسكت عن طلب حقها. ألم يقل المَثَل العربي “لا يضيع حق وراءه مُطالِب”، ولا يجوز أن نكون مِمَّن قال عنهم المسيح:”ولكن إذا جاء ابن الإنسان أتراه يجد الإيمان على الأرض” (لوقا 18 : 8 ). فالعالم الآن غارق في المادة، لذلك يسير في خطى متسارعة نحو الهلاك. فنحن المؤمنين لا نريد أن ننزلق في هذا المنزلق بل نبقى ثابتين على الإيمان والرجاء والمحبة.
مَن .. بطول عمرِنا
نحن كشعوب مسيحية مظلومة شئنا أم أبينا وإنْ كان يُبكى على حالنا أو يشاركوننا ألمنا،وهولاء ذوي الارادة الطيبة لهم كل الشكر والتقدير، فالحقيقة يجب أن نقولها، والحرية ومسيرة الحياة التي نحياها مقيَّدة بتعاليمهم الماورائية فيفرض علينا كيف يجب أن نحياها وكيف يجب أن نكون لها. واحتلال أرضنا وقُرانا وبلدنا ما هو إلا باحترام أحياناً وأخرى بغصب والأنكى بالتحايل من أجل إقامة مشروع أو ما شاكله، ولا زلنا نصرخ منذ أجيال وأجيال: أين أولادنا؟، مَن قتل أساقفتنا؟، أين كهنتنا؟،من خطفهم ؟ مَن قتل شعبنا؟، مَن أحرق كنائسنا؟، ومَن هذه تطول بطول عمرنا وطول سني حياتنا، ولسان حالنا يقول:”يا رب أنصفنا من خصمنا”… فأنا مؤمن بلجاجتنا وإلحاحنا ولا يجوز التراجع أمام القاتل، أمام الظلم، أمام الحقد والكراهية، سنبقى نصرخ وبصبرنا نحفظ صراخنا لننال ما نبتغيه وليس بحمل الحقائب والرحيل وترك الكنيسة جدراناً وشموعاً، مذبحاً ويسوعاً، بكاءً ودموعاً… فالظلم لا يمكن أن يستمر، ولابد أن تتحرك الضمائر مهما كانت قاسية، فمَثَلنا قاضي الظلم في إنجيل لوقا والذي قال لنا “لا تخافوا”، لم يقل ذلك ليُكتَب في الإنجيل بل لنحياه أيضاً ونؤمن ونثق ونبشر ونرجو. صحيح إن العنف لا زال يمزق أرضنا، والكثيرون محاصَرون يعانون ويشعرون بتهميش يزداد يوماً بعد يوم ويكبر معنا بساعاته، ومع هذا نحن القطيع الصغير مدعوون أن نفكر في بشارة جديدة كون الكنيسة تحتاج إلى قوة متجددة لتعيش إيمانها، وأن تكون علامة حية لحضور الرب القائم بالرجاء الذي يقوينا بثبات الإيمان وشجاعة الحياة وقول الحقيقة، لأنّ كنائسنا المشرقية ما هي إلا شاهدة حية على أصول المسيحية.
فوضى .. وإرهاب
نحن المسيحيين ندفع ثمناً إضافياً لحالة الفوضى والصراع والعنف، فهم يستهدفون مباشرة كنائسنا ورجالنا وممتلكاتنا وصلباننا وأديرتنا في موجة اقتلاع مبرمجة وسط ذهول عربي وإسلامي ودولي وصمت ، وكل ما يجري مسرح اللامعقول، وما الخطف إلا نموذج آخر للاعتداء والتهجير وهدم وتدمير عشرات الكنائس التي يعود تاريخها إلى القرون الأولى للميلاد لا زال يعكّر المشهد على يد الإرهاب والعصابات المسلحة والمنفلتة والخارجة عن القانون حيث يتم استخدام الدين لتبرير الأعمال الإجرامية التي كلّفت المئات من حياة الأبرياء في مختلف مناطق وطننا وشرقنا، والاستيلاء على ممتلكات المسيحيين معتبرين إياهم غنائم يحق جمعها حسب تبريرات واجتهادات مختلفة.
كفانا نقبل بوضع قضية وجودنا على شماعات مختلفة، مرة الإرهاب وأخرى العصابات والثالثة العنصريات والرابعة الحرامية والخامسة والسادسة وأخرى عديدة وبكل سهولة، وتسجَّل التهمة ضد مجهولين وغالباً ما يفلت المجرمون من العقاب. لقد بعنا أرضنا بحقيبة الرحيل، ولا زال استمرار نزيف الهجرة بشكل يومي، وهناك أكثر من عدد من الأشخاص يغادرون، وهذا لا يجوز. فصوت رؤساء كنائسنا ينادينا ويدعونا أن لا نبيع، لا نبيع مهما كان ذهب الدولار، فالأرض أسمى من ملايين الدولارات وإنْ سُرقت نصفها. من المؤسف أن تكون الورقة الخضراء دليلنا إلى حيث الضياع، فهناك مَن يبكي على حالنا ويولول على مصابنا فيسألنا عن عددنا، ولا أعلم ماذا يعني السؤال عن عدد وجودنا، وإنْ كان العدد ليس إلا قيمة رمزية.
خاتمة
المسيحي الحقيقي الثابت في إيمانه مهما قيل عنه ومهما اضطُهد ومهما قاسى من الآلام في مجتمعه فهو ملح ونور وخميرة، يتفاعل وإنْ لم يكن بالحالة التي فيها، فهو يتفاعل بصلاته وبغفرانه وبحمله لرسالة المحبة وبدعوته الإنسانية بروح الوطنية من أجل إعلان الهوية المتأصلة في قداسة ترابه. مهما حصل فلا تفقدوا شجاعتكم، فاعلموا وتشجعوا “أنا غلبتُ العالم” (يو 33:16)، وسنبقى حاضرين ومستمرين بحضورنا وشهادتنا لمسيحييتنا. فنحن اليوم لسنا بحاجة إلى مَن يصيح على هواه ففي ذلك تضيع ليلاه، فإننا ندق ناقوس الخطر مع تنامي استهداف الجهاديين لمؤمنينا. ما نرجوه هو بقاء المسيحيين والتشبث بالأرض والوطن ، وإلا تبقى رسالتنا لا معنى لها ، ولا يمكن اعتبارها إلا لذرّ الرماد في العين كي لا يكون التفكير بهجرة الوطن هو الخيار المفروض أمام مواجهة خط الإرهاب وفقدان الحياة. هذه حقائق مرة ، لا يجوز أن نضع قناعاً عليها ، بل أن نكون يقظين أمام ما يحصل، ليس بعواطفنا بل بالتزامنا ومسؤوليتنا. نعم، إنها ظروف تاريخية معقدة عاشها آباؤنا ولا زلنا نحن أحفادهم نحياها وإنْ بصور متعددة واتجاهات مختلفة، وعبر تحديات هائلة لا مناص منها كما لا خلاص لها. ولكي نضع الأحداث في مكانها وزمانها وحجمها غير مكترثين بالناقمين والفاسدين والمجرمين، فإننا بذلك نعطي صورة وصدى عن واقع حقيقي وصورة موضوعية.فلنكن صرخة حق وليس عابري سبيل على دروب الحقيقة .