طلب يسوع من السامرية أن تسقيه، لقد تعب من السفر و جلس على حافة البئر رأى إمرأة تستعد لرفع الماء فى الصحراء صائماً عن المشرب و المأكل كما جاء فى نص تجارب الشيطان فى انجيل متى الاصحاح الرابع، إنما كان فى مهمة إرسالية يبشر بالملكوت و تعب من السفر و العطش سمة كل البشر و قال يسوع فى إنجيل مرقس 9 : 41 ” لأَنَّ مَنْ سَقَاكُمْ كَأْسَ مَاءٍ بِاسْمِي لأَنَّكُمْ لِلْمَسِيحِ، فَالْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ لاَ يُضِيعُ أَجْرَهُ.”، لكن المرأة تذرعت بكونها “سامرية” و رفضت تعطيه ليشرب قائلةً “:كَيْفَ تَطْلُبُ مِنِّي لِتَشْرَبَ، وَأَنْتَ يَهُودِيٌّ وَأَنَا امْرَأَةٌ سَامِرِيَّةٌ؟» لأَنَّ الْيَهُودَ لاَ يُعَامِلُونَ السَّامِرِيِّينَ. ” لكن يسوع أصر و كأنه إتخذ من عطشه ذريعة ليدخل فى حوار مع من تعتبر نفسها “عدوة له” لقد خطب يسوع فى تلاميذه قبل ذلك قائلاً: “سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ: عَيْنٌ بِعَيْنٍ وَسِنٌّ بِسِنٍّ. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ” (متى 5 : 38 / 44).
و ها هو يسوع يفعل ما يقول و لا يكتفى بوعظ الآخرين ، إنه يدخل مباشرة فى تطبيق أصعب شئ طلبه من تلاميذه و مازال يطلبه من كل مؤمن به فى أى مكان فى العالم حتى الآن ، نتعلم منه كيف يقاوم رفض المخالفين له بعذرية و احترام. و أمام رفض السامرية يجاوبها «لَوْ كُنْتِ تَعْلَمِينَ عَطِيَّةَ اللهِ، وَمَنْ هُوَ الَّذِي يَقُولُ لَكِ أَعْطِينِي لأَشْرَبَ، لَطَلَبْتِ أَنْتِ مِنْهُ فَأَعْطَاكِ مَاءً حَيًّا«.
وتتمادى السامرية فى الرفض قائلة ما معناه أنت مين؟ ابن مين؟ «أَلَعَلَّكَ أَعْظَمُ مِنْ أَبِينَا يَعْقُوبَ، الَّذِي أَعْطَانَا الْبِئْرَ، وَشَرِبَ مِنْهَا هُوَ وَبَنُوهُ وَمَوَاشِيهِ؟« ، لقد صدقت المرأة فيما تقول و لكن مالم تفصح به هو رغبتها فى حرمان إنسان عطشان لأنها تعتبره عدواً لها بموجب عقيدتها الدينية. لقد علمها أولوا الأمر إلا نعطى شيئاً بما فيه الماء للأغراب خاصة الأعداء منهم فهى تنفذ ما قيل لها و لا تتعامل بفطرتها ، لقد أفسد رجال الدين هذه الفطرة بتعاليمهم الإقصائية و الطائفية و أقاموا الحدود ليفصلوا الناس بعضهم عن بعض بحجة أنها أوامر إلهية يجب إحترامها.
وهنا يواصل يسوع الحوار محاولاً كسر القيود واحداً بعد الآخر ليحرر هذه المرأة المسكينة من براثن التعاليم الفاسدة. و بعد أن كسر حاجز العداوة بين السامريين و اليهود يبدأ بكسر حاجز إحتكار الماء بحجة أنه ملك ليعقوب صاحب البئر و لإبناءه فقط من بعده فيقول لها : “وَلكِنْ مَنْ يَشْرَبُ مِنَ الْمَاءِ الَّذِي أُعْطِيهِ أَنَا فَلَنْ يَعْطَشَ إِلَى الأَبَدِ” (يو 4 : 14) .
وهنا تفصح المرأة عن رغبتها العميقة فى الحصول على ماء يطول مفعوله و يعفيها عن البهدلة و يحميها من نظرات الرجال غير المحترمين الذين استغلوها و مشقة الحصول على ماء بئر يعقوب التى ظللت مرتبطة به حتى لقاءها يسوع فتقول : “يَا سَيِّدُ أَعْطِنِي هذَا الْمَاءَ” (يو 4 : 15) .
وبعد أن تحررت المرأة من التشبث ببئر يعقوب بدأت تتعلق بهذا الرجل الذى أثار لديها الدهشة و الفضول يقودها يسوع إلى مرحلة أخرى إلى إكتشاف حياتها الشخصية إلى “بئرها الشخصي” و يخبرها يسوع أنه لكى يعطيها من هذا الماء عليها أن تحضر “رجلها” إن العادات و التقاليد ذلك الحين كانت تقنن العلاقة بين الرجل و المرأة و من البديهى أن تغيير حياة المرأة بعد تحريرها من الطائفية و المعتقدات الدينية التقليدية لا يكتمل إلا بمشاركة زوجها.
و هنا ندخل في عمق البئر الباطنى للمرأة التى ترد قائلاً “ليس لو زوج” و المسكوت عنه أنها لديها أزواج كثيرة و من موالين زوجها، و يرد عليها يسوع و قد قرأ شخصيتها و تأمل أسلوب حديثها و مظهرها و سبب حضورها إلى هذا المكان فيقول بحنكته و خبرته مع بنى البشر “حَسَنًا قُلْتِ: لَيْسَ لِي زَوْجٌ، لأَنَّهُ كَانَ لَكِ خَمْسَةُ أَزْوَاجٍ، وَالَّذِي لَكِ الآنَ لَيْسَ هُوَ زَوْجَكِ. هذَا قُلْتِ بِالصِّدْقِ”، فتجد المرأة نفسها عارية تماماً أمام هذا الرجل غير العادى، الذى يعاملها معاملة محترمة ليس فيها شبهة إستغلال ، إنه يتبادل الحديث معها منذ التقته بطريقة تهفو لها النفس و تجد نفسها و كأنها تتعرض لأشعة مقطعية ظهرت فيها أمام يسوع على حقيقتها، ترد منبهرة “يَا سَيِّدُ، أَرَى أَنَّكَ نَبِيٌّ!” و تقفز قفزة أخرى جوهرية فتسأل عن ماهية العلاقة مع الله؟ و أين الحقيقة فيما نسمعه من دعاتنا و من أولى الأمر فينا ، فتقول “آبَاؤُنَا سَجَدُوا فِي هذَا الْجَبَلِ، وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ إِنَّ فِي أُورُشَلِيمَ الْمَوْضِعَ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُسْجَدَ فِيهِ” إنها تناقش قضية مازالت تتفاعل منذ الفى عام عن ما هو المكان المقدس الحقيقي لعبادة الله؟ القدس؟ الاسكندرية؟ القسطنطينية؟. يقول يسوع و مازال يقول حتى الآن : “يَا امْرَأَةُ، صَدِّقِينِي أَنَّهُ تَأْتِي سَاعَةٌ، لاَ فِي هذَا الْجَبَلِ، وَلاَ فِي أُورُشَلِيمَ تَسْجُدُونَ لِلآبِ.أَنْتُمْ تَسْجُدُونَ لِمَا لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ، أَمَّا نَحْنُ فَنَسْجُدُ لِمَا نَعْلَمُ . لأَنَّ الْخَلاَصَ هُوَ مِنَ الْيَهُودِ. وَلكِنْ تَأْتِي سَاعَةٌ، وَهِيَ الآنَ، حِينَ السَّاجِدُونَ الْحَقِيقِيُّونَ يَسْجُدُونَ لِلآبِ بِالرُّوحِ وَالْحَقِّ، لأَنَّ الآبَ طَالِبٌ مِثْلَ هؤُلاَءِ السَّاجِدِينَ لَهُ”
ويختتم الحوار بين يسوع و السامرية بإيمانها بشخصية يسوع و تترك حيرتها لتبشر أهل قريتها بهذا الاله ، اله العهد الجديد، ينبوع الماء الحى . يارب أعطنا من هذا الماء حتى لا نعطش أبداً.