نقول فى لهجتنا اليومية “الناس معادن” أى انه تختلف مواقف الناس منا حسب إختلاف “معدنهم” و المقصود بالمعدن هو مجازاً نوعية السلوك البشرى و قيمته و تشبيهه بنوعية المعدن و قيمته، فنقول فلان قلبه من “دهب” و فلانة قلبها “حديد” يعنى جامد و فلان موقفه “صُلب” تعبيراً عن قوة وقيمة موقفه القوى.
فى هذا الإطار يمكننا أن نفهم “مثل الزارع” فى الإنجيل. وما هى أنواع “التربة” التى ينتمى إليها المؤمنون فى علاقتهم مع كلمة الله، كما تتزايد و تسمو قيمة التربة بمقدار ما تؤتى من ثمار أو بمقدار ما لا تثمر، فبينما “السَّمَاوَاتُ تُحَدِّثُ بِمَجْدِ اللهِ، وَالْفَلَكُ يُخْبِرُ بِعَمَلِ يَدَيْهِ(مز 19 : 1 )” نجد الإنسان يتخلف عن هذا التمجيد و يتدهور أداءه فى الحياة فيصبح سبباً لا لتمجيد الله بل سبباً للعثرة و الإنصراف عن الله.
يشرح يسوع المسيح أربعة أنواع من التربة و على السامع و القارئ أن يرجع إلى ذاته و يحدد إلى أى تربة ينتمى ليصحح و يقوّم و يجود تربته.
النوع الأول هو التربة التى تتحول إلى طريق يدوسه الناس و يصبح بالتالى غير مؤهل لإستقبال البذور و لا تتوافر فيه شروط النمو و الإستدامة، عن هذه النوعية من البشر الذين يمثلون هذا النوع من التربة يقول يسوع :” كُلُّ مَنْ يَسْمَعُ كَلِمَةَ الْمَلَكُوتِ وَلاَ يَفْهَمُ، فَيَأْتِي الشِّرِّيرُ وَيَخْطَفُ مَا قَدْ زُرِعَ فِي قَلْبِهِ”
و النوع الثانى من التربة هى الأرض الصخرية و مع هذا النوع من الأرض لا يمكن أن يكون للنبات جذور و بالتالى يموت فوراً و يصنف يسوع هذا النوع من البشر “هُوَ الَّذِي يَسْمَعُ الْكَلِمَةَ، وَحَالاً يَقْبَلُهَا بِفَرَحٍ، وَلكِنْ لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ فِي ذَاتِهِ، بَلْ هُوَ إِلَى حِينٍ. فَإِذَا حَدَثَ ضِيقٌ أَوِ اضْطِهَادٌ مِنْ أَجْلِ الْكَلِمَةِ فَحَالاً يَعْثُرُ”
و النوع الثالث من التربة فهى المزروعة في الشوك و إلى جانب أن الشوك يتغذى على نفس التربة فهو يخنق البذرة و يصنف يسوع هذا النوع بأنه ” الَّذِي يَسْمَعُ الْكَلِمَةَ، وَهَمُّ هذَا الْعَالَمِ وَغُرُورُ الْغِنَى يَخْنُقَانِ الْكَلِمَةَ فَيَصِيرُ بِلاَ ثَمَرٍ”
و أما النوع الرابع و الأخير هو “الأرض الطيبة” و هى التربة المؤهلة لإستقبال الكلمة فتنمو فيه و تكبر و تثمر “. وَهُوَ الَّذِي يَأْتِي بِثَمَرٍ، فَيَصْنَعُ بَعْضٌ مِئَةً وَآخَرُ سِتِّينَ وَآخَرُ ثَلاَثِينَ” كما يقول يسوع عن هذه التربة أيضاً ” فَهُوَ الَّذِي يَسْمَعُ الْكَلِمَةَ وَيَفْهَمُ”.
و نجد كثيراً من الذين إلتقوا يسوع من عينة هذه التربة مثل زكا العشار و المرأة السامرية و المرأة الكنعانية و قائد المائة … الخ، جميعهم امتلكوا تربة و قلباً مُفعماً بحب يسوع و البحث عنه و بعد لقاءاتهم معه تحولت حياتهم و تبدل سلوكهم ليصبحوا من أقرب المقربين له. أما النوع الأول من التربة فنجده في الفريسيون و الكتبة اللذين لم يفهموا و لم يؤمنوا و بالتالى لم يثمروا و النوع الصخرى من التربة نجده عند الابن الكبير فى مثال الابن الضال، أما النوع الثالث و التربة الشوكية فإننا نجدها فى نموذج الشاب الغنى الذى فضل هموم الدنيا على الإصغاء ليسوع و التحرر من التعلق غير المنظم بالمال.
و نحن اليوم نتفحص أى نوع من القلب لدينا الحجرى أم الشوكى أم القلب الذى تدوسه الأرجل أم الأرض الطيبة هذا يتطلب أن نفحص ضميرنا و نسوى أرضنا و يطهر قلبنا حتى نتفاعل مع كلمة الله الحية الخلاقة فنثمر ثمراً كثيراً