تأمل الاب وليم سيدهم – لقد إختارت مريم النصيب الأفضل
No tags
2.3kviews
لقد إختارت مريم النصيب الأفضل
يسوع الناصرى كانت له صديقتان من جملة أصدقاءه الكثيرين وهن مريم و مرثا و صديق هو لعازر أخوهما، هل يصح لله ان يكون له أصدقاء؟ أين العدالة، أين الحب المجانى، أين الرحمة كل هذه الصفات الإلهية من الصداقة.
نعم يستطيع الله أن يكون له صديقات و أصدقاء دون أن ينقص ذلك من عدله و رحمته للعالمين. لقد أطلق علماء المقدس على “إبراهيم” صفة “خليل الله” و على موسي صفة “كليم الله” و على العبرانين “شعب الله” من دون الشعوب كلها. و هناك شواهد كثيرة فى العهد القديم تبين العلاقات الحميمية بين الله و أنبياء العهد القديم. وأطلق على داود “ابن الله” و هذه الصفة التى يتميز بها يسوع فقط في العهد الجديد، ونحن بفضله صرنا شركاؤه في البنوة.
و في مشهد زيارة يسوع لمرثا و مريم نجد مرثا بعد أن تسلم على يسوع و تستقبله تتركه مع اختها مريم و تسرع إلى المطبخ لتحضر الموقد و الحطب و النار و الماء و الفراخ و السلطة والعنب وكل ما لذّ و طاب من خيرات فلسطين التى نعرفها جميعاً.
و لا تكتفى مرثا بأنها تركت يسوع وحده مع مريم رغبة في التعبير عن حبها و كرمها و خدمتها له، إنها تُشهد يسوع على عدم تعاون أختها مريم معها لتعد الطعام و الشراب معها للضيف العظيم يسوع. و يبدو أن لعازر كان خارج المنزل فى ذلك الوقت مما يجعل طلبها فيه قليل من الحكمة إذ قالت ليسوع “قل لمريم أن تساعدنى في المطبخ” إلا ان يسوع رد عليها قائلاً “لقد اختارت مريم النصيب الأفضل.
لقد جلست مريم تحت قدمى يسوع تسمع منه الأخبار السارة التى أدهش بها كل أهل فلسطين من طرد للشياطين و شفاء للعميان و البرص و عظاته للجموع حول الفرق بين النور و الظلمة المحبة و العداوة ، الخدمة والبشارة، حتى تغذى إيمانها به و تستطيع أن تحكى له عن أحوال أخيها لعازر الذى لم نسمع له صوتاً فى كامل الانجيل على غرار يوسف خطيب مريم العذراء ، و عن التوترات التى تحدث بينها و بين أختها مرثا نفسها.
لقد كانت مريم محبة حقيقية ليسوع و تعرف أن ما يهم يسوع ليس الأكل و الشرب لكن الاستمتاع بحضور الأسرة قليلة العدد و تشجيعه لهم و الاصغاء إلى نجاحاتهم و فشلهم فى إدارة حياتهم اليومية على غرار ما فعل مع تلميذى عمّاوس و هى فى طريقها بعيداً عن أورشليم. لقد “اختارت النصيب الافضل ” طريق السكوت و الصمت بعيداً عن الضوضاء و المجاملات. لكن مرثا رغم حبها ليسوع و بعدها عنه لكى تخدمه تكاد أن تهدر وقت زيارة الرب لها فى أفعال ثانوية.
هكذا حياتنا تقوم على التوتر القائم بين الوقت الذى نكرسه لعلاقتنا مع الله و الوقت الذى نكرسه للرسالة و النشاط و الحركة. إن الحركة والنشاط لن يكملا إلا إذا كانا معجونين بحضورنا لله و حضور الله لنا. كالخميرة في العجين هكذا روح الله فينا و لكى يسكن فينا روح الله لابد أن نعطى نفسنا الوقت لكى نصغى إليه ، أن نصمت ليتكلم فينا. و إلا فإنه يصبح كالخميرة قبل أن توضع فى العجين. هكذا نشاطنا المستمر يهدر طاقتنا إن لم نجد الوقت اللازم للصمت و التأمل ووققف النشاط لنمتلأ بخميرة الروح القدس فى كياننا و قلبنا و عقلنا.
هلم أيها الرب يسوع و ارسل روحك ليزورنى و يملأنى من وجوده و على الدوام.
إن الذين يحبون الله يبحثون عنه و يسهرون و يصلون و يصبرون لذلك يصبحون أصدقاء الله ، أصدقاء يسوع فلا نعجب إن كان قلبنا قاسياً و فارغاً و عديم الرغبة و كثير الشكوى عن غياب الرب. معنى ذلك أن محاولاتنا سطحية عاطفية حتى المرض أنانية ، غاضبة ، متسرعة.
فى هذا الجو لن نحصل على زيارة صديقنا يسوع، أو أحد ملائكته لأننا ضلينا طريق الصداقة مع الله. منطق الفهلوة الذى نعيش به فى أغلب علاقاتنا بعضنا مع بعض لن يخدع الرب.
إن رحمة الرب و حضورها فى متناول يد كل إنسان و إنسانة مهما كانت حدوده و خطاياه. و حينما نعجز عن الوصول إليها علينا أن نصبر و نتريث و نراجع أنفسنا هى كنا فى انتظار الرب أم كنا ننتظر ساحراً أو دجالاً ممن يكتبون الحُجُب و الكتب و يدعون أنهم يعرفون الغيب