stay connected

- Advertisement -
الكنيسة الكاثوليكية بمصر

construct design

Travel

البابا والكنيسة في العالم

“تحلوا بالشجاعة لكي تستبدلوا المخاوف بالأحلام”.. قداسة البابا فرنسيس يلتقي شباب الجامعة الكاثوليكية في لشبونة

333views

٣ أغسطس ٢٠٢٣

الفاتيكان نيوز

في إطار زيارته الرسوليّة إلى البرتغال زار قداسة البابا فرنسيس صباح الخميس الجامعة الكاثوليكية في لشبونة حيث التقى بالشباب الجامعيين، وبعد كلمة مديرة الجامعة وشهادات حياة لبعض الطلاب حول الرسالة العامة “كن مسبحًا” والميثاق التربوي العالمي واقتصاد فرنسيس ألقى الأب الأقدس كلمة قال فيها أشكر رئيسة الجامعة على كلماتها: لقد قالت إننا نشعر جميعًا بـأننا “حجاج”. إنها كلمة جميلة تستحق أن نتأمّل في معناها.

هي تعني حرفياً أن نترك الروتين المعتاد جانباً وننطلق بقصد معيّن، فنتحرك “عبر الحقول” أو “أبعد من الحدود الشخصية”، أي خارج منطقة الراحة الخاصة نحو أفق المعنى. في مصطلح “الحاج” نرى انعكاس الحالة البشريّة، لأن كل فرد منا مدعو لكي يتعامل مع الأسئلة الكبيرة التي ليس لها إجابة مبسطة أو فورية، ولكنها تدعونا لكي نقوم برحلة ونتخطى ذواتنا ونذهب أبعد منها.

إنها عملية يفهمها طالب الجامعة جيدًا، لأن هذه هي الطريقة التي يولد بها العلم. وكذلك أيضًا ينمو البحث الروحي. نحن لا نثق في الصيغ الجاهزة، والإجابات التي تبدو في متناول اليد، التي تنزلق من كُمِّ القميص مثل أوراق اللعب المزورة؛ نحن لا نثق بتلك المقترحات التي يبدو أنها تقدم كل شيء دون أن تطلب أي شيء. في أحد أمثال يسوع، يجد اللؤلؤة الثمينة ذلك الذي يبحث عنها بذكاء ومهارة، ويعطي كل شيء، ويخاطر بكل ما لديه لكي يحصل عليها. البحث والمجازفة: هذا هما فعلي الحجاج.

تابع البابا فرنسيس يقول قال بيسوا، بأسلوب معذب وإنما صحيح، “أن تكون غير راضٍ هو أن تكون إنسانًا”. لا يجب أن نخاف من الشعور بالقلق، ومن التفكير في أن ما نقوم به ليس كافياً. كونك غير راضٍ، بهذا المعنى وبالقدر الصحيح، هو ترياق جيد ضد افتراض الاكتفاء الذاتي والنرجسية. يميز عدم الاكتمال حالتنا كباحثين وحجاج لأنه، وكما يذكرنا يسوع، “نحن في العالم، ولكننا لسنا من العالم”. نحن مدعوون إلى شيء أكبر، إلى إقلاع لا يمكن الطيران بدونه.

لذلك لا نخافنَّ إذا وجدنا أنفسنا عطشى من الداخل، مضطربين، وغير مكتملين، يتوقون إلى المعنى والمستقبل! نحن لسنا مرضى، بل أحياء! لنقلق بالأحرى عندما نكون مستعدين لكي نستبدل الدرب الذي علينا القيام به بأي نقطة إنعاش، طالما أنها تعطينا وهم الراحة؛ عندما نستبدل الوجوه بشاشات، والحقيقي بالافتراضي؛ وعندما، بدلاً من الأسئلة التي تمزّق، نفضل الإجابات السهلة التي تخدِر.

أضاف الأب الأقدس يقول أيها الأصدقاء، اسمحوا لي أن أقول لكم: إبحثوا وجازفوا. إنَّ التحديات هائلة والآهات أليمة في هذا المنعطف التاريخي، ولكن لنعانق خطر الاعتقاد بأننا لسنا في عذاب، وإنما في مرحلة الولادة؛ لا في النهاية، وإنما في بداية عرض رائع. لذا كونوا روادَ “تصميم رقصة جديدة” تضع الإنسان في المحور، كونوا مصمِّمين لرقصة الحياة. لقد كانت كلمات مديرة الجامعة ملهمة بالنسبة لي، لاسيما عندما قالت إن “الجامعة ليست موجودة لتحافظ على نفسها كمؤسسة، وإنما لكي تجيب بشجاعة على تحديات الحاضر والمستقبل”. إنَّ الحفاظ على الذات هو تجربة، ردة فعل مشروطة للخوف، تجعلنا ننظر إلى الحياة بطريقة مشوهة. إذا حافظت البذور على نفسها، فستهدر تمامًا قدرتها على التوليد وستحكم علينا بالجوع؛ إذا حافظ الشتاء على نفسه، فلن تكون هناك روعة الربيع. لذا تحلوا بالشجاعة لكي تستبدلوا المخاوف بالأحلام: لا تكونوا مدبري مخاوف، وإنما رواد أحلام!

تابع البابا يقول سيكون هدرًا أن نفكّر في جامعة تلتزم بتنشئة الأجيال الجديدة فقط لإدامة النظام النخبوي الحالي غير المتكافئ في العالم، حيث يبقى التعليم العالي امتيازًا لقليلين. إذا لم يتم قبول المعرفة كمسؤولية، فستصبح عقيمة. إذا لم يبذل الذين تلقوا تعليمًا عاليًا (والذي يبقى اليوم امتيازًا في البرتغال وفي العالم) جهدًا لإعادة ما استفادوا منه، فهم لم يفهموا تمامًا ما قد تم تقديمه لهم.

إنَّ الأسئلة الأولى التي طرحها الله على الإنسان في سفر التكوين، هي: “أين أنت؟” و”أين أخوك؟”. لنسأل أنفسنا: أين أنا؟ هل أنا منغلق في فقاعاتي أم أخاطر بترك ضماناتي لكي أصبح مسيحيًا ممارسًا، وصانع عدالة وجمال؟ ومرة أخرى: أين أخي؟ إن خبرات الخدمة الأخوية مثل Missão País والعديد من الخدمات الآخرى التي تنشأ داخل الأكاديمية يجب اعتبارها خبرات لا غنى عنها للذين يمرّون في الجامعة.

في الواقع، لا يجب أن يُنظر إلى الدرجة العلميّة كرخصةٍ لبناء الرفاهية الشخصية وحسب، وإنما كمهمّة لتكريس الذات لمجتمع أكثر عدالة وادماجًا، أي أكثر تقدمًا. لقد قيل لي أن إحدى شاعراتكم العظيمات، صوفيا دي ميلو براينر أندرسن، في مقابلة لها كانت نوع من الوصية، على السؤال: “ما الذي تودين أن ترينَه يتحقق في البرتغال في هذا القرن الجديد؟”، أجابت بدون تردد: “أود أن أرى تحقيق العدالة الاجتماعية، وتقليص الهوة بين الأغنياء والفقراء”. أنقل هذا السؤال إليكم. أعزائي الطلاب، حجاج العلم، ما الذي تريدون أن ترونه يتحقق في البرتغال وفي العالم؟ أي تغيّرات وأي تحولات؟ وكيف يمكن للجامعة ولاسيما للجامعة الكاثوليكية أن تساهم في ذلك؟

أضاف الحبر الأعظم يقول بياتريس، ماهور، ماريانا وتوماس، شكراً لكم على شهاداتكم. كان لديها كلها نبرة رجاء، وشحنة من الحماس الواقعي، بدون شكاوى وإنما أيضًا بدون قفزات مثالية إلى الأمام. تريدون أن تكونوا “رواد التغيير”، كما قالت ماريانا. خلال الإصغاء إليكم، فكرت في عبارة ربما قد تكون مألوفة لكم، من الكاتب خوسيه دي ألمادا نيغرييروس: “حلمت ببلد يصبح فيه الجميع معلِّمين”. وهذا المسن الذي يتحدث إليكم يحلم أيضًا بأن يصبح جيلكم جيل معلمين. معلمو بشريّة. معلمو رحمة. معلمو فرص جديدة لكوكب الأرض وسكانه. معلمو رجاء.

تابع البابا يقول كما أكد البعض منكم، علينا أن نعترف بالضرورة الملحة للاهتمام ببيتنا المشترك. ولكن، لا يمكن القيام بذلك دون ارتداد القلب وتغيير الرؤية الأنثروبولوجية التي يقوم عليها الاقتصاد والسياسة. لا يمكننا أن نكتفي بالإجراءات البسيطة الملطفة أو التنازلات الخجولة والغامضة. في هذه الحالة “الحلول الوسطى ليست سوى تأخير بسيط في الكارثة”. بينما يتعلق الأمر بتولي مسؤولية ما لا يزال يتمُّ تأجيله للأسف: الحاجة إلى إعادة تعريف ما نسميه التقدم والتطور.

لأنه، باسم التقدم، كان هناك الكثير من الانحطاط والتراجع. أنتم الجيل الذي يمكنه أن يفوز بهذا التحدي: لديكم أكثر الأدوات العلمية والتكنولوجية تقدمًا ولكن من فضلكم لا تقعوا في فخ الرؤى الجزئية. لا تنسوا أننا بحاجة إلى إيكولوجيا متكاملة، وإلى أن نصغي إلى ألم الكوكب وألم الفقراء؛ ونجعل مأساة التصحر موازية لمأساة اللاجئين، وموضوع الهجرة مع موضوع انخفاض معدل الولادات وإلى أن نهتمَّ بالبعد المادي للحياة داخل بعد روحي. لا أن نخلق استقطابات، وإنما رؤى شاملة.

أضاف الحبر الأعظم يقول شكراً توماس لقولك إن “إيكولوجيا متكاملة أصيلة لن تكون ممكنة بدون الله، وأنه لا يمكن أن يكون هناك مستقبل في عالم بدون الله”. أود أن أقول لكم: اجعلوا الإيمان ذات مصداقية من خلال خياراتكم. لأنه إذا لم يولد الإيمان أنماط حياة مقنعة، فلن يختمر عجين العالم. لا يكفي أن يكون المسيحي مُقتنعًا بل يجب أن يكون مُقنعًا؛ وبالتالي فإن أفعالنا مدعوة لكي تعكس جمال الإنجيل الفرِح والجذري في الوقت عينه. كذلك، لا يمكن أن تُسكَن المسيحية كحصن محاط بالجدران، يرفع المعاقل ضد العالم. لذلك وجدت شهادة بياتريس مؤثرة عندما قالت إنها “من مجال الثقافة” بالتحديد تشعر بأنها مدعوة لكي تعيش التطويبات. إنَّ أحد أهم المهام بالنسبة للمسيحيين في كل عصر هو استعادة معنى التجسد. بدون التجسد تصبح المسيحية أيديولوجية. إن التجسد هو الذي يسمح لنا بأن نندهش من الجمال الذي يكشفه المسيح من خلال كل أخ وأخت، وكل رجل وامرأة.

تابع الأب الأقدس يقول في هذا الصدد، من المثير للاهتمام أنكم أضفتم القديسة كلارا في القسم الجديد المخصص لـ “اقتصاد فرنسيس”. في الواقع، إنَّ مساهمة النساء لا غنى عنها. كذلك، يُظهر الكتاب المقدس كيف أن اقتصاد العائلة هو إلى حد كبير في يد المرأة. فهي “الحاكم” الحقيقي للبيت، بحكمة لا يقتصر هدفها على الربح، وإنما على العناية والتعايش والرفاهية الجسدية والروحية للجميع، فضلاً عن المشاركة مع الفقراء والغرباء. لذلك من المثير تناول الدراسات الاقتصادية من هذا المنظور: بهدف أن نعيد إلى الاقتصاد الكرامة التي يستحقها، لكي لا يقع فريسة للسوق الجامح والمضاربة.

أضاف الحبر الأعظم يقول تتضمن مبادرة الميثاق التربوي العالمي، والمبادئ السبعة التي تشكل بنيته، العديد من هذه المواضيع، من العناية بالبيت المشترك إلى المشاركة الكاملة للمرأة، وصولاً إلى الحاجة إلى إيجاد أساليب جديدة لفهم الاقتصاد والسياسة والنمو والتقدم. أدعوكم لكي تدرسوا الميثاق التربوي العالمي وتصبحوا شغوفين به.

إن إحدى النقاط التي يعالجها هي التربية على الاستقبال والادماج. لا يمكننا أن ندعي أننا لم نسمع كلمات يسوع في إنجيل متى الفصل الخامس والعشرين: “كنت غريبا فآويتموني”. لقد تابعتُ شهادة ماهور بتأثُّر كبير، عندما ذكرت ما يعنيه العيش مع “الشعور الدائم بغياب البيت والعائلة والأصدقاء […]، وبأنها قد بقيت بلا بيت وبلا جامعة، وبلا نقود […]، متعبة، منهكة يثقِّلها الحزن والخسارة”. وقالت لنا إنها وجدت الرجاء مجدّدًا لأن شخصًا ما آمن بالتأثير المحوِّل لثقافة اللقاء. لأنه في كل مرة يمارس فيها شخص ما لفتة حسن الضيافة، هو يحدث تحولاً.

وختم البابا فرنسيس كلمته بالقول أيها الأصدقاء، يسعدني أن أراكم جماعة تربوية حيّة، منفتحة على الواقع، مع الإنجيل الذي ليس مجرد زينة، ولكنه ينعش الأجزاء والكل. أعلم أن مسيرتكم تشمل مجالات مختلفة: الدراسة، والصداقة، والخدمة الاجتماعية، والمسؤولية المدنية والسياسية، والعناية بالبيت المشترك، والتعبيرات الفنية … إنَّ كونكم جامعة كاثوليكية يعني أولاً: أن كل عنصر هو في علاقة مع الكل وأن الكل موجود في الأجزاء.

وهكذا، فيما تكتسبون المهارات العلمية، تنضجون كأشخاص، في معرفة الذات وفي تمييز مساراتكم. فهيا إذن إلى ألامام! يخبرنا تقليد من القرون الوسطى أنه عندما كان يلتقي الحجاج ببعضهم البعض، كان أحدهم يحيِّ الآخر قائلاً «Ultreia» فيجيبه الثاني «et Suseia». إنها تعابير تشجيع على مواصلة البحث ومخاطر المسيرة، كمن يقول: “اذهب أبعد، وأعلى؛ هيا، تشدّد، امضِ قدما!”. وهذا ما أتمناه لكم أيضًا من كل قلبي.