stay connected

- Advertisement -
الكنيسة الكاثوليكية بمصر

construct design

Travel

روحية ورعويةموضوعات

تزامناً مع الاحتفال بجمعة ختام الصوم : سر مسحة المرضى والرجاء فى الشفاء للجسد والروح

808views

نقلا عن جريدة حامل الرسالة

أمام صراعات الحياة والآمها المتنوعة ، يأتي الإيمان بحضور الله وعمله العجيب مع الإنسان ، فى مقدمة عوامل القوة الروحية التى تقود إلى الدخول فى سر الحب الإلهي . وتمثل الاسرار المقدسة التى تمارسها الكنيسة بالسلطان الإلهي المعطى لها ، أقوى علامات التعبير الدالة على محبة الله للإنسان واتحاده به . فى هذا الزمن الصعب الذي نعيشه فى مواجهة جائحة كورونا ، يضحى التزود بالأسرار الإلهية ضرورة إيمانية ، لا سيما تلك الأسرار التى تعملنا الكنيسة الجامعة بأنها أسرار للشفاء ، وهما ” الاعتراف والمسحة ” . أود فى هذا المقال أن نتناول بالقراءة فى سر ” مسحة المرضي ” وما يوجبه الظرف التاريخي العالمي الذي نعيشه ، من ضرورة الاقتراب من هذا السر العظيم بالدراسة والممارسة .

اولاً – الأساس الكتابي للسر المقدس :

يروي لنا الإنجيل فى العهد الجديد أعمال يسوع وتعاليمه الخلاصية للإنسان ، وتبرز معجزات الشفاء التى أجراها السيد المسيح للكثير من المرضى ، وبانواع أمراض مختلفة ، سلطانه الإلهي على شفاء أمراض الجسد والنفس معاً . وقد أوصى الرب يسوع تلاميذه بشفاء المرضى مرتين ، المرة الأولى ، أيام رسالته الأرضية قبل قيامته عندما أرسل تلاميذه الأثنى عشر للخدمة حيث قال لهم ” اعلنوا فى الطريق أن قد اقترب ملكوت السموات . اشفوا المرضى ، وأقيموا الموتى ، وابرئوا البرص ، واطردوا الشياطين . أخذتم مجاناً فمجاناً أعطوا ” ( مت 10 / 7- 8 ) . أما المرة الثانية فكانت عندما أوصى تلاميذه بعد قيامته قائلاً لهم : ” إذهبوا فى العالم كله ، وأعلنوا البشارة إلى الخلق أجمعين .. والذين يؤمنون تصحبهم هذه الآيات : فباسمي يطردون الشياطين ، ويتكلمون بلغات لا يعرفونها ، ويمسكون الحيات بأيديهم ، وإن شربوا شراباً قاتلاً لا يوذيهم ، ويضعون أيديهم على المرضى فيتعافون ” ( مر 16 / 15 -18 ) . بالإضافة إلى هذه الإشارات الكتابية ، هناك نص كتابي آخر برر أكثر من غيره لجوء الكنيسة الأولى إلى عادة دهن المرضى بالزيت ، وهو النص المعروف والوارد فى رسالة يعقوب الرسول ” هل فيكم مريض ؟ فليدع شيوخ الكنيسة ، وليصلوا عليه بعد أن يمسحوه بالزيت باسم الرب . إن صلاة الإيمان تخلص المريض ، والرب يعافيه . وإذا كان قد ارتكب بعض الخطايا غفرت له ” ( يع 5 / 14 – 15 ) .

ثانياً – خدمة مسحة المرضى :

فى دراسة بعنوان ” الليتورجية القبطية ” من اعداد نيافة الانبا كيرلس وليم مطران كرسي اسيوط ورئيس اللجنة الطقسية بالكنيسة القبطية الكاثوليكية ، والدراسة واردة فى كتاب ” تاريخ الكنيسة القبطية الكاثوليكية ” من أعمال المجمع الاسكندري الثاني ، يتحدث سيادة المطران عن خدمة مسحة المرضى ويقول : ” إعتاد أبناء الكنيسة القبطية أن يكثروا من طلب صلاة القنديل ليس فقط فى حالات المرض ، إنما فى حالات الضيق والأزمات وفى مناسبات أخرى عديدة . وتقام الصلاة فى المنازل ويبارك الزيت فى طقس الصلاة التى تتضمن قراءات وطلبات ترفع إلى الرب مع البخور والابتهالات ثم يدهن المريض وكل أهل البيت بالزيت . واعتادت كنيستنا أن تقيم هذا الطقس مرة فى السنة جماعياً لكل مؤمنيها قبل قداس يوم جمعة ختام الصوم الأربعيني ، قبل أن يدخل المؤمنون فى اسبوع الآلام لكى تُهيئ نفوسهم لخدمة الآلام مع المسيح وتقويهم على تحملها ” . ويضيف نيافة الانبا كيرلس كاتباً : ” سُمى هذا الطقس بصلاة القنديل نظراً لإشعال فتائل من القطن فى الزيت يكون عددها سبعة ، وتنصح الكنيسة باشتراك عدد كبير من الكهنة معاً فى الصلاة ، فصلاة الإيمان تخلص المريض ” . ولكل فتيلة قراءة من الرسائل ونص الإنجيل وطلبة خاصة ” .

ثالثاً – صلوات المسحة فى الطقس القبطي :

فى دراسة بعنوان ” أضواء طقسية على سر مسحة المرضى ” للأب ممدوح شهاب الفرنسيسكاني ، والمنشورة بمجلة نور على الطريق ( العدد الثاني 2014 ) تذكر الدراسة أن الكنيسة القبطية تنفرد عن غيرها من الكنائس الشرقية بما تسميه ” جمعة ختام الصوم الأربعيني ” والذي تمنح فيه الكنيسة حسب طقسها الاسكندري سر مسحة المرضي لجميع المصلين . وعن تاريخية السر يقول الأب ممدوح شهاب : ” لا شك أن الكنيسة البزنطية تركت أثرها على كثير من الممارسات الطقسية القبطية . وبالرجوع إلى كتب الكنيسة البيزنطية ، سنلاحظ أن الطقس الخاص بسر مسحة المرضى تحدد بصفة نهائية بين القرنين الثالث عشر والرابع عشر عندما بدأت هذه الكنيسة الإصلاح الليتورجي بعد 1261 م ” . وعن مسحة المرضى فى الخبرة الكنسية القبطية ، يذكر الأب ممدوح شهاب فى دراسته : ” فى مطلع القرن الرابع عشر ، سجل لنا ابو البركات بن كبر ، المتوفي تقريباً بعد سنة 1320 ، فى موسوعته ” مصباح الظلمة ” نص خدمة القنديل استوحاها بطريقة واضحة من الخولاجيات البيزنطية . وبناء عليه ، فإن طقس القنديل المستخدم لسر مسحة المرضى فى الكنيسة القبطية ليس الإ اقتباساً من الكنيسة البيزنطية وهو ما أكده الأب ” هانسنز اليسوعي ” المتخصص فى العلوم المسيحية الشرقية . وعن الترتيب الطقسي لسر مسحة المرضي يكتب الأب ممدوح شهاب ويقول : ” إن صلاة القنديل تتضمن سبع أواشي وسبعة قراءات من الابسلطس وسبعة مقاطع من الإنجيل وسبع صلوات تدور حول النعمتين الأساسيتين المرجوتين من هذا السر ، ألا وهما ، غفران الخطايا اولاً ثم الشفاء من المرض . وفى نهاية صلاة القنديل يوضع كتاب صلاة القنديل على رأس المريض ، ويستخدم الزيت فى مسح المريض كما فعل الرسل الذين ” دهنوا بزيت مرضى كثيرين ، فشفوهم ” ( مر 6 / 12 ) .

رابعاً – الثمار الروحية للسر الإلهي :

فى كتاب ” موجز التعليم المسيحي للكنيسة الجامعة ” من اعداد نيافة الانبا مكاريوس توفيق مطران الاسماعيلية الشرفي ، يتحدث عن الغاية الروحية من مسحة المرضى ويقول : ” غاية مسحة المرضى أن يمنح السر نعمة خاصة للمسيحي الذي يعاني مرضاً شديداً أو حالة الشيخوخة وخاصة فى خطر الموت ، ويمكن قبول السر فى كل مرة يتعرض فيها المسيحي لمرض شديد أو عندما يتفاقم المرض “. ويضيف سيادة المطران : ” لمسحة المرضى نعم وفيرة أهمها اتحاد المريض بالآم المسيح لخير المريض ذاته ولخير الكنيسة الجامعة ، التعزية الروحية والسلام والشجاعة لتحمل الآلم بإيمان ورجاء . كذلك غفران الخطايا إذا كان المريض لم يتمكن من الاعتراف بها فى سر التوبة ، استعادة الصحة إذا كان هذا يؤدي إلى الخلاص الروحي واخيراً الاستعداد للانتقال بسلام إلى الحياة الأبدية ” .

خامساً – ضرورة نوال سر المسحة اليوم :

فيما نحن نعيش واقعاً عالمياً مريضاً حيث يتربص وباء كورونا اللعين بالإنسان اينما كان ، لذا تقتضي الضرورة الروحية لخلاص الإنسان – فى تقديري – إلى أهمية ممارسة هذا السر المنسي ومنحه للمصابين بالكورونا رجاءاً فى شفاء اجسادهم وخلاص أرواحهم . قد يكون هذا المطلب صعباً لا سيما على الآباء الكهنة خدام الأسرار المقدسة ، لكن أمام هذا الخطر الجسيم ، المهدد للحياة برمتها ، لا يبقى أمام الطبيب والكاهن ، بل وكل من يتعامل مع مرضى الوباء ، سوى الثقة فى عناية الله والتماس مراحمه ، وهو ما يولد فى الضمير أمانة ، وفى القلب رحمة ، وفى العمل رسالة وشهادة .

ناجح سمعـان