راهبات قلب يسوع المصريات – الأب انطونيوس مقار
لله انبتهن فيّ طاعته خير البنات
فأتين أطيب ما أتىّ زَهر المناقب والصفات
لم يكف أن أحسن حتى زِذن حَصّنَ المحصنات
مصر تجدد مجدها براهبــاتها المصريات
نظرة تاريخية :
عندما تولى محمد علي حُكم مصر سنة 1805م ، أظهر مقدرة وقوة في القيادة لايعوقها شيء. وبالرغم من استبداده في سبيل تأييد ملكه إلا أن همه كان الارتقاء بشأن البلاد التي يحكمها .فخلق في مصر جواً اجتماعياً لايشوبه التعصب الديني ، وانتهج خلفاؤه نهجه وسمحوا ببناء المدارس وطلبوا من القناصل أن يمدّوا البلاد بالمعلمين ، كما أوفدوا إلى اروبا الشبان النابهين ، ليتخصصوا في مختلف العلوم . وانشئ نظام تعليم عام ، إلا أن عامة الشعب لم تستفد من هذه الانشاءات ، إذ اقتصرت ابواب المدارس على من كانت الدولة في حاجة إليهم من موظفيين وفنيين .لذا فعزمت الحكومة على أن تستعين ببعض الجمعيات الرهبانية وفد في منتصف القرن التاسع عشر الاباء اللعازريون إلى مدينة الاسكندرية وأسسوا فيها مدرسة ، ومن بعدهم استقبلت الدولة في سنة 1844 راهبات من جمعية راهبات المحبة ، بعد ذلك ، توالى مجيء الرهبانيات الاجنبية إلى مصر ، فأسست مدارس ومستشفيات وملاجىء ومستوصفات في قرى ومدن الدلتا والصعيد ، وبفضل تضحياتهم وخدماتهم ، ظهر التقدم في المجالات كافة .
إلا أن هذه الجمعيات الاجنبية واجهت عقبات عديدة ولاسيما من جهة اتقان اللغة العربية ، والمناخ والتأقلم والاندماج مع البيئة المصرية . لذلك رأى الاب نومارن اليسوعي أن الوسيلة لحا هذه المشكلة هى تطعيم الراهبات الاجنبيات بعناصر مصرية ،فأنشاء فروع وطنية تتفهم العادات والتقاليد المصرية .في وقتٍ لاحق تم التشاور بين الاب نورمان والام افرازيا ، الرئيسة العامة لرهبانية القلبين الاقدسين في لبنان ، والتي اقتنعت بالفكرة ، وعلى إثر ذلك التمس الاب نورمان اليسوعي من البابا لاون الثالث عشر الاذن لتأسيس فرعاً مصرياً تابعا للرهبانية في لبنان وهمته خدمة الكنيسة المصرية ، فصّرح له البابا بذلك .في الاول من شهر اكتوبر ( ت1) سنة 1895م التحقت بالرهبانية الانسة لطيفة عبد الملك من بلدة اخميم سوهاج وديت باسم الاخت كاترين ، وبعدها الاخت استير باسيلي سبع الليل ودعيت باسم الاخت مارجريت ومن ثم تبعتها الاخوات ستيلا وتريزا وجولي وبرناديت ، وهكذا تكونت داخل رهبانية القلبين الاقدسين نواة جماعة رهبانية مصرية .سارت الامور على وضعها دون حدوث أية مشاكل من سنة 1895الى سنة 1902م السنة التي تفشى فيها مرض الطاعون في مصر .. فأصيبت بعض المبتدئات ، فاضطررن إلى ترك الدير ألامر الذي جعل الام ماتيلدة الرئيسة العامة لرهبانية القلبين الاقدسين ، أن تستدعي الراهبات السليمات إلى دير الابتداء في لبنان ، إلاأنها استبقت في مصر الراهبات اللواتي يدرن مدارس المنيا ،ملوي وطهطا وكان منهن راهبات لبنانيات ومصريات .في سنة 1911م ، إثر خلاف بين رئيس الاباء اليسوعيين من جهة ورئيسة مدرسة الراهبات في المنيا ، والرئيسة العامة لراهبات القلبين الاقدسين من جهة أخرى استدعت الاخيرة جميع الراهبات ليغادرن القطر المصري حتى اللواتي يدرن المدارس وعندما لم تسفر المساعي عن نتائج مُرضية ، سافر إلى لبنان جميع الراهبات اللبنانيات والمصريات .ولكن الارادة الالهية أقوى من الارادة البشربة ، وكانت الاولى ساهرة ، فالهمت الانبا مكسيموس صدفاوي المدير الرسولي أن يحرر رسالة إلى مجمع الكنائس الشرقية في روما سنة 1912م ، طالباً فيها تأسيس رهبانية قبطية كاثوليكية .
وكانت الفكرة هي السماح للراهبات المصريات المنتميات إلى جمعية راهبات القلبين الاقدسين في لبنان بالعودة إلى مصر وأن يقمن في مدينة طهطا ليشكلن النواة الاولى لتأسيس رهبانية قبطية كاثوليكية . لقيت الفكرة القبول لدى الكرسي الرسولي ومجمع الكنائس الشرقية ، وسؤلت راهبات قلب يسوع المصريات في لبنان عما إذ كنّ يرغبنّ في العودة إلى مصر لتأسيس رهبانية جديدة وكانت الردود ايجابية جداً .دخلت راهبات قلب يسوع المصريات معبد الدير وابتهلن إلى الله أن يكتب النجاح لمشروعهن الجديد وودعن اخواتهن اللبنانيات بحزن وألم متبادلين على الفراق وبفرح وسعادة على إتساع نشاطهن الرسولي مع البقاء على علاقة روحيةٍ قويةٍ ومتينةٍ .بعد وصول راهبات قلب يسوع المصريات إلى القاهرة سنة 1912 ، اجتمعن في الدار البطريركية مع المدير الرسولي الانبا مكسيموس صدفاوي الذي استقبلهن بفرح وأعلمهن الخطوات التي يجب أن يتبعنها لتأسيس الرهبانية . كان اولاً أن اجتمعت الراهبات السبع لتصميم ثوبهن الرهباني الجديد وإتفقن على أن يكون أسود اللون ، وأن يضعن على رؤوسهن طرحة بيضاءتكسوها أخرى سوداء، وعلى صدورهن ياقة بيضاء أن يلبسن دبلة (محبسهن) من الفضة في بنصر اليد اليسرى ، ويتمنطقن بزنار يعلقن فيه مسبحة طويلة سوداء . في شهر ديسمبر كانون الاول سنة 1912 سافرن إلى مدينة طهطا وسكن في منزل صغير لأحد ابنا الطائفة نخلة بك يسى ، وفي الوقت عينة قمن بعمل الرياضة الروحية .في السادس من شهر يناير كانون الثاني جددت الراهبات نذورهن وبعد ذلك انتخبن الاخت مارجريت سبع الليل رئيسة عامة والاخت ماري برناديت معاونة أولى والاخت ماري كاترين معاونة ثانية .ولما كان اسم قلب يسوع ومريم غالياً عندهن ، فقد أخترن لرهبانيتهن اسم راهبات قلب يسوع المصريات واقترن اسم كل راهبة باسم العذراء مريم والدة الاله .
هكذا ولدت الرهبانية الجديدة في السادس من شهر يناير كانون الثاني سنة 1913 وكان على النبت أن ينمو ويزدهر برعاية العناية الالهية ، وكانت المؤسسات السبع لايملكن إلا قلوبٍ عامرة بالايمان .ومفعمة بالآمال واتبعن قول النبي اشعياء19/19 ” فيذلك اليوم يكون مذبح للرب في وسط ارض مصر “.
عملت المؤوسسات السبع على وضع قانون اعتمده مجمع الكنائس الشرقية وثبته نهائياً سنة 1942م ، وتم تجديد هذه القوانين في المجمع العام للرهبانية سنة 1998م واعتمدها المجمع عينة في سنة 2001م .
روحانية رهبانية قلب يسوع المصريات :
إن رهبانية راهبات قلب يسوع المصريات رهبانية رسولية ذات حق حبري متأصلة في قلب كنيسة الاسكندرية العريقة بعاداتها وتقاليدها ،نشأت على روحانية اباؤها القديسين أمثال القديس انطونيوس والقديس باخوميوس ،انتماؤها للكنيسة الجامعة ، وتنشئتها على روحانية القديس اغناطيوس دي لويولا يعطيان لها انفتاحاً وشمولية وقلباً رسولياً يحمل العالم إلى قلب الاب. راهبات قلب يسوع المصريات رهبانية مكرسة لقلب يسوع الاقدس الذي به تم فداء العالم وهذا التكريس يُعطي للرهبانية اسنها وروحانيتها . فعلى الراهبات أن يجتهدن بالروح القدس للشهادة ، لحب قلب يسوع الفياض لجميع ابناء الاب ، وأن يكملن عمله الفدائي حتى يجذب ويوحد بهّن البشرية كلُها في حبه . وللقيام بهذه الشهادة عليهن أن يتأملن طويلاً في شخص يسوع المسيح في الانجيل ، حيث تظهر عواطف قلبه الاقدس وفضائله ورغائبه . ومع مريم أم الفادي الواقفة تحت الصليب ينظرن إلى قلبه المطعون حيث يشاهدن قمة الحب الالهي وقمة بذل الذات والعطاء كما ويكرسن ذواتهن لله ، بواسطة المشورات الانجيلية ، معاهدات انفسهن أن يعشن بروح الانجيل ” التطويبات ” في خدمة اخوتهن . ولهن رسالة خاصة يتقدسن بها ويحققنها في مصر وفي العالم حسب احتياجات الكنيسة وامكانية الرهبانية . لقد عاهدت راهبات قلب يسوع المصريات أنفسهن ، أن يسرن على النهج الذي سلمته إياهن أمهاتهن المؤسسات بحياتهن الممثلة بقلب يسوع ، ويقوم هذا النهج في :
1- روح إيمان عميق بالله وتسليم له
2- روح تواضع وبساطة قلب وفرح انجيلي .
3- روح تضحية ونكران ذات في العطاء .
4- روح محبة وترابط ووحدة عائلية ، متخذات لهن شعار ” قلباً واحداً وروحاً واحداً في قلب يسوع “
أن الغاية الاولى للرهبانية هي كمال المحبة ، لأن الله محبة ومن ثبت في المحبة قد ثبت في الله والله فيه “أحبب الرب الهك بكل قلبك وكل نفسك وكل قوتك وكل فكرك وقربيك كنفسك” . وتدعو الراهبات ذواتهن للاجتهاد في كل الظروف لتنمية الحياة المستترة مع المسيح في الله التي تشهد أن ملكوت الله في وسطنا . من هذه الحياة ينبع حب القريب ويفيض لأجل خلاص العالم وبناء الكنيسة. الغاية الثانية هي العمل الرسولي الذي يتغذى وينبع من الغاية الاولى والراهبات في ذلك يلبين دعوتهن لاتباع المسيح وخدمته .
في طهطا ، لم يكن المكان ولا العمل فيه غريباً على الراهبات ، فقد عملن فيه قبل استدعائهن إلى لبنان ، ولذا كان من السهل أن تفتح الراهبات من جديد مدرسة في المنطقة ولهن واجهن مشكلة مالية شديدة نتيجة الغلاء في الحياة من ناحية وايرادات المدرسة المتواضعة من ناحية أخرى ، خصوصاً مع إعلان الحرب العالمية الاولى مع ما جرته وراءها من أزمة اقتصادية .
لكن هذه الازمة مع غيرها ، ما كانت إلا قوة دافعة لعزائم وهمم الاخوات اللواتي أقتصدن من قوتهن الضروري من أجل عبور تلك المحن بسلام .
وبينما هن في أشد الضيق ، أرسل شعب سوهاج يطلب منهن افتتاح مدرسة أخرى في المدينة فرحبت الام ماري مارجريت بهذا الطلب واتكلت على العناية الالهية في سير الامور إذ قصدت سوهاج لتأسي المدرسة ولاتملك في يدها سوى عشرة جنيهات مصرية ، وعندما وافاها أحد وجهاء المنطقة بجفاء قائلاً لها “إن لم يكن معك أكثر من ستمائة جنيهاً عودي إلى حيث كنتِ ” اجابته الام الوديعة ” كن مطمئناً ، معنا ما يلزم لسائر الامور” ، وكانت تقصد في ذلك إعتمادها على العناية الالهية .وقد فتحت المدرسة في سنة 1917 وكان عدد تلميذاتها يزيد عن ثمانين تلميذة .
في صيف 1918 أمضت الرئيسة العامة الثانية ، الأم ماري برناديت والاخوات عطلتهن في السعي والعمل في سبيل افتتاح دير الابتداء وقد احتفلن في العاشر من اكتوبر (تشرين الاول) سنة 1918 بافتتاح الدير في مدينة طهطا بقبول أربع مبتدئات .
وفي عام 1929في عهد الرئاسة العامة الثاني للأم ماري مارجريت نقل الاباء اليسوعيون ملكية بيتهم في طهطا- كهبةٍ منهم لرهبانية راهبات قلب يسوع المصريات ، وفيه افتتحت الراهبات مقراً خاص للمبتدئات استمر حتى العام 1933م .
بعد زمن من الهدوء والاستقرار ، طالب صاحب المنزل الذي استأجرته الراهبات في سوهاج ، طالبهن باخلائه ، فشرعت الام ماري مارجريت بالسعي لشراء أرض في سوهاج لبناء مدرسة وسكن للراهبات ، ووقع اختيارها على قطعتين متجاورتين في ضواحي المدينة على ضفاف النيل . وبمساعدة الاب فرنسيس بسطورس والقديسة تريزا الطفل يسوع حصلت الرهبانية على قطعة الارض التي ارتفع عليها بناء الدير والمدرسة سنة 1929م ووضعت المدرسة تحت حماية العذراء مريم سيدة الوردية ، ونقلت اليه الراهبات دارهن ومدرستهن ، وأقبلت التلميذات من جميع الطوائف والاديان ، كما نقلت المبتدئات من طهطا إلى سوهاج.
وفي شهد سبتمبر ( ايلول) سنة 1935م ، افتتحت الراهبات مدرسة في مدينة مصر الجديدة –القاهرة ، ومالبثت أن زاد فيها عدد التلميذات حتى إضطرهن الامر إلى الانتقال إلى مكان أكبروهو مدرسة القديس يوسف حالياً . ثم إفتتحت الام ماري مارجريت مدرسة القديس مرقس في حي الفجالة الذي يسكنه اكبر عدد من المسيحيين
إن يسوع المتجسد جاء ليحمل البشارة إلى المساكين ، ويشفي منكسري القلوب ويطلق الاسرى ويعيد البصر إلى العميان ، وقد كلف المسيح الكنيسه أن تتابع رسالته بقوة روحه القدوس ، لذلك تعددت أنواع رسالة جمعية راهبات قلب يسوع المصريات :
1-تربية النشء في المدارس من أجل تكوين إنسان أفضل للمجتمع والكنيسة تكويناً دينياً وثقافياً واجتماعياً .
2- تكوين روح الخدمة الرسولية عند الشبيبة ، وايقاظ مسؤلياتهم لنشر ملكوت الله.
3-الانفتاح والتعاون المسكوني مع كافة الطوائف المسيحية وجميع الاديان.
4-أعمال التنمية الشاملة من تعليم ديني وخدمات صحية واشغال يدوية ومحوأمية وخدمة أجتماعية .
5-النشاط الرعوي لمساعدة الاساقفة والكهنة في رسالتهم الرعوية .
6-الاتحاد مع يسوع المتألم لأجل فداء البشر .
الراهبان وإن كنّ يداومن على الاصغاء إلى نداءات جديدة من الكنيسة ، فهنّ يوجبنَ ذواتهن للاختيار بين الاعمال الرسوليه التي تطلب منهنّ ، لاأن ينظرن إلى ما فيها من مجرد سهولة أو إلى ما تعودنه من اعمال ، بل أن يذهبن حتى حدودإمكانيتهن إلى ما يلبي ما هو أمس حاجة .
هكذا امتدت رسالة راهبات قلب يسوع المصريات إلى القرى والمدن في كلٍ من مدن سوهاج وطهطا (اخميم ، المراغة ، الكتكاته ، النجيلة ) ولاسيما في ايام الاجازات الاسبوعسة للقيام بعمل الخدمة الرعوية والتعليمية ، وممارسة نشاطهن الذي يشمل التعليم الديني ، تعليم الخياطة والتطريز ، وتفّقد العائلات في منازلهم ، والاسعافات الاولية والتوعية الصحية . ولما كانت هذه المنشآت تتطلب جهوداً كبيرة مضنية أحياناً ، فقدت فكرت الام مارجريت في تأسيس دير لقضاء الاجازات الصيفية والراحة ، ولما كانت تعرف هى جيداً جمال الطبيعية في لبنان المتمتثل في اشجار الصنوبر والزيتون بمناظر خلابة ، فقد اشترت في العام 1947 قطعة ارض في بلدة فالوغا في جبل لبنان ، على ارتفاع 1200متر من سطح البحر لبناء ديراً عليها تقصده الراهبات في اشهر الصيف المعدودة للستراحة واستقبال المجموعات من الشباب للرياضات الروحية وعمل المخيمات .
في 27نيسان سنة 1952 ، انهت الام ماري مارجريت شوطها على هذه الارض وتركت أخواتها الراهبات واعدة اياهن بمحبتها الدائمة واسلمت روحها في يدي باريها كمرأة فاضلة تحدث عنها الكتاب المقدس بالقول ” المرأة الفاضلة من يجدها فقيمتها تفوق اللالئ” .
لقد حملت الام ماري مارجريت سبع الليل مسؤولية الرئاسة العامة لراهبات قلب يسوع مابين 1913-1917 ،1923-1947م تميزت فيها بارادة قوية تنحني امامها صعوبات الحياة ، تحت رعاية العناية الالهية ، قادت قارب الجمعية الرهبانية الجديدة الصغيرة وسط امواج السنوات التأسيسة الاولى ورياح الحرب العالمية الاولى ادارت شؤون الرهبانية على ما يقرب الثلاثين عام ، كلها فرح وابتهاج وصبر على مواجهة الصعوبات العديدة ، شعرت فيها باحتياج رهبانيتها لمعاون كنسي يوجهها ويساندها ، فتم ذلك عن طريق مجمع الكنائس الشرقية الذي عيّت الاب عمانوئيل فلير FELLERرئيساً كنسياً قانونياً للراهبانية .
الأم ماري ستيلا البوشي :
كما امتازت الأم مارجريت بالحكمة ورجاحة الفكروالعقل بالاضافة إلى التواضع والمحبة الحقيقية ، والحياة الروحية العميقة ، مع الدقة في المحافظة على القوانين ، وامتيازها بالحكمة ورجاحة العقل مكَناها من الإحاطة الكاملة بكل متطلبات الحياة الرهبانية . كذلك كانت ذاكرتها موسوعة حقيقية للتاريخ الانساني عموماً وللتاريخ الرهباني خصوصاً ولذا فقد أٌلق عليها لقب التاريخ الحي . هى التي خلفت الام مارجريت وسارت على نهجها في ابناء وتأسيس المزيد من الأديار والبيوت ، وكان أول عمل لها استكمال دير للرهبانية في منطقة بني مزار التابعة لمحافظة المنيا بالاضافة إلى ملاحقات الدير من مدرسة وحضانة ومستوصف لمساعدة الفقراء على العلاج . وفي عهدها تم نقل دير الابتداء من سوهاج إلى مصر الجديدة واختارت بعض الراهبات ليكونا معها ومنهن من بقيى في سوهاج ، والبعض ذهبن إلى الاسكندرية لإتمام الدراسات الثانوية في مدرسة نوتردام دي سيون ، ثم أكملن تكوينهن الروحي والعملي في لبنان ومنهن من التحق بالتعليم الجامعي في بيروت والقاهرة .
اهتمت رهبانية راهبات قلب يسوع بإتقان اللغات الأجنبية ولاسيما اللغة الفرنسية والإنجليزية بمساعدة راهبات من رهبانية يسوع المخلص اللواتي أيضاً ساعدهن على دراسة التمريض نذكر منهن الأخت أليس جلبير ، والأخت دي موثقالون .
في سنة 1956م وفي أثناء العدوان الثلاثي على مصر ، توجهت الراهبات لأداء واجب التمريض في مستشفيات عديدة داخل جمهورية مصر العربية وبعد العدوان وعقب تأميم قناة السويس تسلمنّ إدارة مدرسة المحبة في مدينة بور توفيق ، حيث صمدن بشجاعة لامثيل لها وبصبرٍ وفرحٍ ونشاطٍ دائم رغم ظروف الحرب القاسية .
كانت الأم ماري ستلا في حركة متواصلة ،في تنفيذ مشروع ودراسة أخرى، وفي عهدها نمت الرهبانية وازدادت عددها ، وامتدت فروعها وتأصلت جذورها.
لقد ضحت الأم ماري ستلا براحتها وصحتها للنشاط والعمل بجد وحماس ، ونكران ذات وحكمةٍ فائقة ، ولم تعرف اليأس في حياتها قلبها مليء بالحب والايمان والثقة العظيمة في محبة يسوع الذي كانت تخاطبه بحرارة وهى تقرع على بيت القربان قائلة ” يا يسوع إني أوكل قلبك بهذه المسألة … أنظر ، ثم إفعل مايرضاه قلبك ” .
أمضت الأم ماري ستلا حياتها في الرهبانية كشمعةٍ مضيئةٍ تحترق من أجل الآخرين إلى يوم ملاقاة ربها في 20اذار (مارس)سنة 1959م . الصلاة هى الركن الأساسي في الحياة المسيحية عموماً والحياة الرهبانية بوجهٍ خاص ، فكانت راهبات قلب يسوع يصلين مع وفي يسوع وبه بالروح القدس الذي يدخل في صلاتهن ويحولها إلى صلاته . إن الحياة الروحية تنبع من حب الله المجاني ، ذلك الحب الذي كشفه لنا يسوع المسيح ، وإله المحبة يجذب ابناءه إلى أعماق نفوسهم ، حيث ملكوت الله ، بواسطة الصلاة . ورسالة الراهبات معرضة أن تصير مجرد عمل بشري إن هى فرغت من روح الصلاة . تدرك الأخوات الراهبات جيداً أن حياة الصلاة تٌبنى وتتغذى من كلمة الله ومن ممارسة الأسرار المقدسة في المشاركة بالاحتفالات الليتورجيا ولاسيما الاحتفال بسر الإفخارستيا لذا فعليهن :
1-أن يتأملن يومياً في الكتاب المقدس حيث كلمة الله تشكل ينوعاً حياً لحياتهن .
2-أن يجتمعن لصلاة الاجبية أي صلاة السواعي حسب ليتورجية الكنيسة القبطية الكاثوليكية ، وهي تُعرف في الطقوس الأخرى بصلاة الفرض أو الاشحيمة في السريانية .صلاة الأجبية هذه هي صلاة غنية بالمزامير والنبوات وقطع التسابيح وتتلى يومياً صباحاً ومساءً.
3- التركيز على القراءات الروحية واقوال الاباء كي يتغذين منها وينمين روحياً.
4-أن يقتربن من الأسرار المقدسة رمز الخلاص وعلامة الوحدة مع المسيح يسوع ، ولاسيما سري التوبة والافخارستيا.
5-أن يحفظن على حياة الصمت والهدوء ولاسيما في لقاءاتهن الشهرية كجماعة واحدة متحدة معاً في الدير ولقاءهن السنوي كجماعة رهبانية على مائدة الخلوة الروحية عصب مسيرتهن نحو القلب الواحد .
بما أن الراهبات يحملن اسم قلب يسوع فيخصصن ساعة يومية للسجود أمام القربان كفعل تعويض عن كل ماهو تقصير وإكراماً صادقاً لمريم العذراء التى يحملن اسمها الراهبات مدعوات ليحملن بعضهن البعض في صلواتهن ، مؤمنات أن الشركة بينهن تمتد إلى مارواء هذه الحياة في المسيح المتألم .
مرحلة الانقسام :
منذ العام 1967م ، بدأ جوّ من التوتر ينتشر على الرهبانية ، وازداد خصوصاً سنة 1969 عندما انتهت مدة الرئاسة لبعض الرئيسات المحليات . وبموجب القانون الرهباني ، أرسلت الأم ماري دي لاكروا ، الرئيسة العامة ، خطابها مرفقاً به بعض التعينات الجديدة لجميع الادير . ثم سافر غبطة البطريرك استفانوس الاول سيداروس الذي كان قد كلفه مجمع الكنائس الشرقية مسؤولية إدارة الرهبانية إلى أوغندا للاشتراك في حفل استقبال البابا بولس السادس . وبعد عودته إلى مصر ، دعا الأم ماري دي لاكروا إلى الدار البطريركيةوفاجأها بطلب أربع عشرة راهبة بالانفصال عن الرهبانية. في العام نفسه 1969م تركت رهبانية قلب يسوع المصريات دير ومدرسة الفيوم حيث انشأت الراهبات المنفصلات رهبانية مستقلة تحت اسم راهبات يسوع ومريم القبطيات. في بداية العام 1970م ، استلمت راهبات قلب يسوع المصريات إدارة مدرسة نوتردام دي سيون في مدينة الاسكندرية ، ياؤم هذه المدرسة العديد من التلاميذ نظراً لمستوى التعليم الذي يشمل المستوى الفرنسي الرفيع والمستوى العربي .
الأم ماري دي لاكروا :
انتخبت الام ماري دي لاكروا رئيسة عامة (أم) بعد انتقال الأم ماري ستلا إلى السماء . وفي بدء مسيرتها القيادية وعت الام ماري دي لاكروا على ضرورة صون جوهرة الصلاة ناصعة ، فكانت رغبتها الأولى تعميق وتأصل الحياة الروحية في نفوس أخواتها الراهبات إلى جانب تثقيفهن العالي ، كما أرادت الاهتمام باعمال الرسالة والتعليم الديني في القرى والمدن . أول عمل قامت به هو شراء منزل في محافظة مرسى مطروح ليكون مصيفاً بارزاً في إطار التجديد الروحي الذي رغبته .كما يكون هذا المنزل مكان لقاء الراهبات بعضهن مع بعض في شهور الصيف لتبادل الخبرات الروحية والعملية والتجديدي الروحي والجسدي .
كما استلمت الراهبات إدارة مدرسة في حي العباسية بالقاهرة على اسم مار يوسف الظهور، وإدارة مدرسة مار مرقس في حي الفجالة بالقاهرة . في سنة 1961 م طلبت الرئيسة العامة للراهبات الفرنسسكانيات من الأم ماري دي لاكروا إدارة واستلام مدرستهن في محافظة الفيوم ، كما تسلمن إدراة مدرسة هيئة قناة السويس في مدينة الاسماعيلية من راهبات المحبة . شعرت الأم ماري دي لاكروا بأن رهبانيتها هي رهبانية وطنية ، تنتمي إلى الكنيسة القبطية ، لذا اهتمت بإدخال الطقس القبطي على كافة الاحتفالات ، وجعلته يعم جميع الفرائض والعبادات ، وقد حولت العديد من كنائس الأديرة إلى كنائس قبطية ، وأعدت الراهبات إلى الاهتمام بالألحان القبطية الشجية حتى صرن جوقة شمامسة يشاركن الشعب في كنيسة الرعية الصلوات في أيام الآحاد والأعياد . إلى جانب اهتمامها بتخصيص بعض الراهبات لتفصيل الملابس الكهنوتية الخاصة بالطقس القبطي .
في سنة 1963 عُرض موضوع تغيير الزي الرهباني التقليدي إلى زي عبارة عن فستان أزرق اللون ، مع طرحة بيضاء اللون وصلبياً فضياً متساوي الاضلاع مكتوب على أطرافه بالحرف اليوناني يسوع المسيح مخلص العالم وفي وسطه قلب مريم الطاهر وهذا الصليب مصنوع على الطراز الفني القبطي . سنة 1971م اعيد انتخاب الام ماري دي لاكروا لثالث مرة على التوالي بعد أن لجأ المجمع العام للرهبانية إلى الكرسي الرسولي وفي هذه الفترة إلى جانب التكوين الروحي للراهبات كان قد بدأ العمل في تنظيم بيت للراغبات في الحياة الرهبانية في مدينة سوهاج .
ظلت الأم ماري دي لاكروا رئيسة عامة مدة خمسة عشر سنة عاشتها رمزاً للصمود والايمان ، وكانت تتمتع بشخصيةٍ فذة ، وقوية الإرادة ، تميزت حياتها بالاتحاد العميق مع الله ومنبعه تقواها العميقة وصلاتها الدائمة ، كانت تشع بالنور لمن حولها . عرفت بالأم ذات القلب الكبير في المحبة والفياض حباً وحناناً على الراهبات وكل من كانت تصادفه ، أعطت ذاتها للمسيح عطاء بلا حدود فأخذت منه المحبة الكاملة . كان شغلها الشاغل الارتقاء الروحي بأفراد الرهبانية وتنمية كرم الرب. قد واجهت الأم ماري دي لاكروا مصاعب ومحن كثيرة تحملتها بصبر كبير وهدوء تام مدة رئاستها .
المجمع العام للرهبانية :
يتشكل المجمع العام للرهبانية من الرئيسة العامة والمستشارت الأربع والنائبة العامة التي غالباً ما تكون هى ضمن المستشارات . كما يشكل المجمع العام السلطة العليا في الرهبانية وهو ينعقد بطريقة شرعية بموجب القوانين وله مهمات تنقسم إلى :
1- انتخاب الرئيسة العامة ومستشارتها
2-النظر في شؤون الرهبانية الهامة .
ينعقد المجمع العام العادي مرة كل ست سنوات بإعلان من الرئيسة العامة وبموافقة مجلس المشورة ، وعلى الرئيسة العامة إبلاغ غبطة البطريرك أو من ينوب عنه بإنقاد المجمع ومع طلب ترأس جلسة الانتخاب ، ومن جهة أخرى ينعقد المجمع بطريقة استثنائيا بطلب من الرئيسة العامة ورضى مجلس المشورة حتى لو تغيبت إحدى المستشارات .نذكر أنه في العام 1974م انعقد مجمع عام لاختيار رئيسة عامة جديدة على الرهبانية تكون خلف للأم ماري دي لاكروا ، وصوتت الاغلبية للأم ماري دي ساكركير . منذ أن نشأت الرهبانية وهى تهتم بإقامة المراكز وإعداد الموعوظين لقبول المعمودية ولاسيما في السودان حيث الأرض خصبة لنمو الحياة المسيحية ، كما تهتم بخدمة التربية الدينية لطلبة المدارس وتكوين الخدام ، وتحضير العائلات لقبول سر الزواج بالإضافة إلى الاجتماعات الروحية التي تهدف إلى تنمية الدعوات وقيامهن ببعض الأعمال الاجتماعية .
الأم ماري دي ساكركير :
أُختيرت رئيسة عامة على الرهبانية على إثر إنعقاد مجمع عام في سنة 1974 تم بحضور أغلبية الراهبات الللواتي صوتن لإختيارها ، وأول ما سعت إليه ولاسيما في العام 1976 ،هو توضيح وضع الراهبات اللواتي انفصلن عنهن وكون رهبانية جديدة على اسم يسوع ومريم القبطيات وقد غيرت الرهبانية الجديد الزي . توجهت الام ماري دي ساكركير لتهنئة الأم كونسطنس أول رئيسة عامة لجمعيتها الناشئة. كانت الأم ماري دي ساكركير في طليعة من فّكر في افتتاح معهد للتعليم الديني والتعليم اللاهوتي للراهبات من كافة الرهبانيات الأخرى المتواجدة على الأراضي المصرية ولاسيما منهن الراغبات في التثقيف اللاهوتي، بدأ تنفيذ فكرة إنشاء المدرسة اللاهوتية في فصول مدرسة مار يوسف الظهور الواقعة في حي العباسية ، نمت هذه الفكرة وتحولت من مدرسة صغيرة إلى كلية دراسات لاهوتية في حي السكاكيني بالقاهرة وهذه الكلية مفتوحة لجميع الراهبات والراغبين في الدراسات اللاهوتية من العلمانيين .
زرعت الأم ماري دي ساكركير روح الرسالة في نفوس الراهبات وقد كانت تجهزهنّ وترسلهنّ إلى قرى الصعيد التي هى في حاجة لتوعية . قد بادرت إلى فتح بيوت للرسالة انطلاقاً من محافظة المنيا وأسيوط وسوهاج وصولاً إلى الاقصر . لم يقتصر عمل الأم ماري دي ساكركير على فتح بيوت الرسالة داخل مصر بل تخطى الحدود إلى السودان وجنوبه فمنذ العام 1978م استجابات لنداء احتياجات السودان وأرسلت ثلاث راهبات لتأسيس مركز للخدمة الرعوية والتنمية في كلٍ من منطقة سنار ومنطقة الدمازين بالتعاون والتفاهم مع مطران الخرطوم ونائبه العام كانت هذه الانطلاقة سبباً فعالاً في نمو الدعوات الرهبانية من فتيات من خارج القطر المصري ، حيث تضم اليوم رهبانية راهبات قلب يسوع المصريات العديد من الراهبات السودانيات . ومن السودان إلى تونس والجزائر حيث تعمل الراهبات بغيرة ونشاط دون خوف من أجل إعلان اسم يسوع المسيح .
من أبرز إنجازات الأم ماري دي ساكركير ، إنشاء رسالة في مدينة المنيا إذ أرسلت خمس راهبات بناءً على طلب المطران انطونيوس نجيب لمساعدة الكهنة في العمل الرعوي والاجتماعي . وفي سنة 1978م سلّم المطران انطونيوس الراهبات بيتاً كان قد أسسه من رعاية الفتيات المغتربات لمتابعة دروسهن في جامعة المنيا . وعندما ازداد عدد هؤلاء المغتربات ونشاط الراهبات قامت الرهبانية بشراء قطعة أرض وبنت عليها ديراً ليكون مركز انطلاق رسمي لرسالتهن . قد انشأن في أحد أركان الدير مركز لتعليم اللغات وكان ذلك في العام 1980م . سعت الأم ماري دي ساكركير إلى حسن اختيار الدعوات ، كما شددت على أهمية التكوين الروحي والعملي للراغبات في الحياة الرهبانية ، فعملت أولاً على توحيد الصلوات الجماعية وتنظيمها بطريقة خاصة بالحياة الرهبانية ، كما جالت على أديار الرهبانية تعلمهن طريقة ترانيم المزامير وبشكل خاص أعطت الأهمية الكبرى لممارسة الحياة الجماعية وعلى المشاركة الأخوية بفرح وحب متبادلين ” ليكونوا واحداً مثلما أنت وأنا واحد ” ، أنا فيهم وأنت فيّ لتكون وحدتهم كاملة .
كانت الأم ماري دي ساكركير بحراً يفيض بحب وحنان قلب يسوع ، حملت مسؤولية رهبانيتها منذ العام 1974 لغاية العام 1986، نمت في عائلة كلها تقوى وحب للمسيح فكانت أحسن منبت لدعوتها، وكانت الأم ماري دي ساكركير لرهبانيتها نجماً ساطعاً يشير إلى حب قلب يسوع معروفاً ومحبوباً في كل مكان ، مثلها في ذلك مثل القديسة الشابة تريزا دي ليزيو. ولما كانت في زمن الابتداء وحيدة قالت لها معلمة الابتداء (الأم ماري ستلا) وهي تمزح لأن تخرجي من الابتداء إلا بعد أن تأتي بسبع دعوات وراءك ، وحدثت فعلاً المعجزة بفضل صلاتها ، ودخلت الابتداء سبع دعوات مبتدئات قبل نذورها الأولى ، ومن بينها شقيقتيها الأمهات ماري دي لاكروا وماري بول . كل من عرف الأم ماري دي ساكركير قال عنها إنها قديسة … أنها ملاك ” تأصلت فيها حياة الفضلية وفضيلة الشكر منذ صغرها حتى لقبتها عائلتها بالآنسة MERCI ، أحبت الأم دي ساكركير الفقير والمحتاج لأنهم إخوة يسوع .
الأم ماري جورجيت حبشي :
في العام 1986 انتخبت الأم ماري جورجيت حبشي رئيسة عامة وكانت تتمتع بخبرة كبيرة ، بمعايشتها سنوات طويلة الرئيسات العامات السابقات . اهتمت منذ بدء فترة رئاستها بتنشيط الدعوات الرهبانية لأنها مؤمنة أنّ يسوع مازال يدعو النفوس في كرمه ، فعينت لجنة من الأخوات الراهبات للقيام بهذه المهمة ، وكانت تشارك هذه اللجنة في تحضير الندوات والرياضات . أسست الأم ماري جورجيت جمعية راهبات قلب يسوع مدة خمسة عشر عاماً بوجه مبتسم دائماً يسعد بمن يراه ويرحب بالجميع ، منفتحة على حاجات العالم والناس ، روحها طموحه ذات عزم وتصميم ، إنسانة نشيطة ، دؤوبه في عملها واثقة بالله الذي منحها قلباً كبيراً محباً للجميع ، ويصفح سريعاً وينسى الإساءة . لُقبت الأم ماري جورجيت برائدة نهضة التكوين والتعمير . وتنيحت في 18/07/2009.
الأم ماري عايدة بطرس :
استلمت الأم ماري عايدة بطرس مشعل الرهبانية المضيء من يد الأم ماري جورجيت بعد فترة جهاد طويلة في الحفاظ على المصباح المنير مدة خمسة عشر سنة من عام 1986 حتى العاشر من شهر اغسطس (آب) عام 2001م حيث تولت الأم الرئيسة الجديدة مسيرة التكوين الإنساني الرهباني المضيء بنور قلب يسوع عازمةً استكمال وبناء ما أسسته الرئيسات العامات السابقات حيث يبقى صرح الحياة الرهبانية لجمعية راهبات قلب يسوع راسخ ومتجذر بقوة أصالة في أرض لم تعرف إلا العطاء . فرحلة العطاء الثقافي باقية ومستمرة . وقد أُعيد اختيارها رئيسة عامة جديدة لفترة ثانية في الاجتماعات الأخيرة لمجلس المدبرات في أواخر العام الماضي 2007 نظراً لما تقوم به من تضحيات في سبيل تقدم الرهبانية ، والأن تُعد الرئيسة العامة الأم ماري عايدة العُدة لانعقاد مجمع عام لتنظيم شؤون الرهبانية ، ونحن بدرونا ابناء الكنيسة القبطية الكاثوليكية نتمنى التقدم والتقدم في مسيرة الرهبانية نور ومنارة كنيستنا المحلية.
الحياة الجماعية :
حياة الراهبات الجماعية تنبع مباشرة من الثالوث الأقدس ، وتهدف إلى شركة الأشخاص التى تقوم على : الصلاة الجماعية ، الالتزام بالتكرس الرهباني ومطالبه ، البحث معاً عن إرادة الله ، المشاركة بالخبرات ، احترم قوانين ورسوم الجمعية . إن ممارسة الحياة الجماعية تطهّر الأخوات وتقوي محبتهن للمسيح وتحافظ على حياتهن الروحية وتسندها ، وسر الافخارستيا يغذي اتحادهن بالمسيح وبعضهن بعضاً ويرسلهن نحو اخوتهن البشر . لذلك فالراهبات مدعوات لتحقيق الوحدة والتفاهم الأخوي والصريح والتقدير المخلص لكل عضوٍ في الجماعة ، وللسهر على الحوار المشترك بثقة ولنسيان الذات ولتمييز علاقتهن بروح المصالحة والتعاون والانشراح في العمل كما في الاستراحة ، عليهن أيضاً أن ينتبهن لبعضهن بعضاً وأن يتقبلن بالشكر أخواتهن وأن يحظن بمحبة أخوية خاصة للأخوات المسنات والمريضات .
وسيراً مع ما تفرضه القوانين والأحكام الكنسية ، تخضع بعض أقسام الدير للحصن الجزئي لضمان الخلوة مع النفس التي يحلو فيها للرب أن يخاطب القلب . يدعو القانون الرهباني ، الراهبات للحذر من دخول روح العالم المخالف لروح الإنجيل في أديرتهن ويوصيهن بالاتزان والفطنة في استعمال وسائل الاتصال الاجتماعي بما يليق بحياة التكريس ولا يتعارض مع متطلبات الحياة الاجتماعية .
التنشئة الروحية :
تقوم مرحلة التنشئة الروحية على كلمة الله المكتوبة في الإنجيل المقدس ، حيث يعلمنا النص الإنجيلي “ان الرب يسوع المسيح دعا تلاميذه ليرافقوه في العمل الإرسالي دعاهم ، فأرسلهم مر3/14 أي أنه أدخلهم في علاقة حميمة مع أبيه السماوي ، وأشركهم في العمل الذي أرسله من أجله . أنطلاقاً من هذه الدعوة التي إليها دعى المسيح كل ذوي النوايا الحسنة ، يتقوم التنشئة الروحية وتكوين الراهبات . على أن يعين(؟) هذه الدعوة لكي يصلن إلى الالتزام التام والنهائي باتباعه وأن يعدن أنفسهن شخصياً وجماعياً للقيام بالرسالة التي تُعهد اليهنّ . يوضع برنامج للتكوين عميق وشامل، ويجمع بين التكوين الإنساني والروحي والعقائدي والعملي والرسولي ، وفقاً لأُسس تربوية سليمة ولروح الرهبانية واحتياجات الكنيسة والعصر ويراعي البرنامج في تطبيقه إمكانيات ومؤهلات الشخص ومواهبه .
مراحل التكوين الرهباني:
مرحلة الطلب :
إن الطلب هو فترة اختبار وتدريب على الحياة الروحية والجماعية والعملية أيضاّ ويساعد الفتيات الراغبات على أن يميزن بصورة أوضح معالم دعوتهن الرهبانية ، وما يريده الله منهن . تترواح مدة الطلب بين سنة وسنتين ، وللطالبه مطلق الحرية في أي وقت أن تتراجع عن طلبها ، وللرئيسة العامة الحق في إبعاد طالبة قد تكون غير مؤهلة للحياة الرهبانية . كما تعين الرئيسة العامة معلمة من الراهبات ذوي الخبرة والباع الطويل في الحياة الرهبانية لتكون مسؤولة ومعلمة الطالبات ، ومعلمة المبتدئات تكون قد نذرت نذورها الدائمة ، ولا تستمر في وظيفتها الموكلة اليها أكثر من ست سنوات . ومن الجدير بالذكر أنه يسبق مرحلة الطلب شروط اساسية لقبول المرشحة نذكر منها :
1- التحقق بقدر الإمكان في صحة دعوة المرشحة .
2- أن يكون لديها إدراك سليم للأمور مع الاستعداد لعيش تقوى حقيقية وروح محبة لله ولخدمة الناس .
3- أن تتمتع بالصحة النفسية والصحة الجسدية .
عملت الأم الرئيسة العامة ماري جورجيت حبشي على تقسيم مرحلة الطلب إلى قسمين : قسم ارتكز على تعميق مفهوم الدعوة من خلال التكوين الديني والإنساني واللاهوتي والروحي ، وقسم ثانٍ ارتكز على التدريب على جميع أنواع الرسالات في أديرة الرهبانية المنتشرة في أماكن عدة . كما دأبت الأم ماري جورجيت على تكوين الراهبات المسؤولات في جميع الوظائف وأعمال الرهبانية فكان حصاد هذا السعى تقدماً كبيراً في الأداء الرسولي في المجالات كافة . وإيماناً منها بأن التجديد المستمر للرهبانية يتوقف جوهرياً على التكوين الثقافي لأعضائها ، فقد شجعت الأم ماري جورجيت جميع الأخوات على استكمال ثقافتهن الروحية والعقائدية والعلمية والفنية واللغوية طوال حياتهن . وقررت تأهيل الراهبات اللواتي لديهن الاستعداد للدراسة تأهيلاً عالياً في الكليات والمعاهد العليا ، أرسلت الرهبانية في شخص الرئيسة العامة ماري جورجيت حبشي بعض الراهبات إلى روما للتخصص في العلوم الكنسية نذكر منهن الأخت ماري جورجينا جرجس ، والأخت ماري مارجريت فكري .
كما حرصت الأم الرئيسة على تكوين معلمة المبتدئات في لبنان ، للاستفادة من خبرات معلمات المبتدئات وفي بعض الأماكن الغاصة بالرهبانيات الشرقية ذات التراث العريق . ولما كانت رسالة جمعية قلب يسوع المصريات الأولى هي تربية النشء تربية شاملة ، بذلت الأم ماري جورجيت مجهوداً ملحوظاً على مستوى الرهبانية للنهوض برسالة التربية في المدارس الكاثوليكية التي تجمع الطلاب من كافة الطوائف بمحبة وسلام واخوّة . ومن جهة أخرى سعت لتكون مدارس الرهبانية في تجدد مستمر لتواكب تطورات العصر، فقامت بتجهيز معامل للتكنولوجيا الحديثة كما أخذت مكانتها المرموقة بين مدارس اللغات في عالم اليوم. من ناحية أخرى ونظراً لكثرة الوافدات المغتربات على كليات الأقاليم وإصرار أولياء الأمور على ضرورة تواجدهن تحت إشراف الراهبات ، فقد اضطررن إلى فتح وإدارة بيوت مخصصة لاستقبال المغتربات ولاسيما في كلٍ من مدينة المنيا ، أسيوط ، الأقصر التي تم انشاء دير جديد للرهبانية سنة 1996م ليكون مركزاً لتنشيط حركة الرهبانية في الأقصر وتعليم اللغات ، كما خصصن فيه طابق لاستقبال الطالبات المغتربات ، واستقبال الاجتماعات واللقاءات الكبرى والمؤتمرات الخاصة بالبرامج الصيفية.
مرحلة الابتداء :
هي المرحلة الثانية بعد مرحلة الطلب ، وهي زمن تسعى فيه المبتدئة إلى التعمق في حياتها المستترة في الله لاختبار ما سيقوم عليه تكريسها الرهباني ، وذلك بممارسة المشورات الإنجيلية وتتمرن فيه على الفضائل الرهبانية ، تدرس القوانين الرهبانية وروحانيتها وحياتها العملية .القبول في مرحلة الابتداء تقره الرئيسة العامة بعد استشارة مجلس المشورة العام . وتبدأ هذه المرحلة الثانية بارتداء الزي الرهباني الخاص بالمبتدئات اللواتي لهّن معلمة خاصه ترافقهن ، وتقدم عن كل واحدة منهن لمجلس المشورة العام تقريراً كتابياً سنوياً. يمتد زمن الابتداء إلى سنتين في نهايتها تستعد المبتدئة لتكريس ذاتها للرب بالنذور المؤقتة برياضة روحية لمدة ثمانية أيام .
مرحلة النذر المؤقت والمؤبد :
إن راهبات قلب يسوع المصريات يكرسن أنفسهن لله بإبرازهن بعد فترة الابتداء النذور الرهبانية الثلاثة : الفقر الطاعة العفة . مدة النذر المؤقت تصل إلى خمس سنوات تتجدد فيها النذور سنوياً ويتابع فيها برنامج التكوين الرهباني بالاستعداد للتعهد النهائي الحر والناضج بالنذور الدائمة في هذه المرحلة ترافق راهبة أعلنت نذورها المؤبدة منذ عشر سنوات الراهبات الحديثات النذر . قبل موعد النذور الدائمة بثلاثة أشهر كحد أدنى تتقدم الراهبة بطلب كتابي إلى الرئيسة العامة ومجلس المشورة ملتمسة فيها قبولها للخطوة النهائية والحاسمة .
أحداث بارزة :
نذكر منها : رهبانية الراهبات المصريات هي رهبانية غُرست في مشتل الرهبانية اليسوعية العريقة في تربة لبنان المقدسة ، ونمت في حشا مصر الحاملة حضارتين “حضارة إنسانية وحضارة رهبانية” متجذرتين في تاريخ البشرية . في السادس من شهر يناير(كانون الثاني) تأسست في مصر ، من سبع راهبات مصريات ، بناءً على طلب من السلطة الكنسية المحلية ، وأبناء الطائفة القبطية الكاثوليكية بموافقة قداسة البابا بيوس العاشر ، وقد تأسس أول دير للرهبانية في مدينة طهطا في السنة عينها . انتخبت الأم ماري مارجريت سبع الليل أول رئيسة عامة ، وقد ثبت مجمع الكنائس الشرقية قوانين الرهبانية نهائياً في شهر فبراير (شباط) سنة 1942 وقد جددت هذه القوانين في سنة 1998 . في الثالث من شهر مايو (آيار) 1963م ، تم الاحتفال باليوبيل الذهبي للرهبانية ، أُحتفل به في كنيسة الآباء اليسوعيين بالفجالة ، وقد لبىّ الدعوة عدد كبير من الرهبان والراهبات والعلمانيين . وكانت هذه الحقبة ذهبية ، ففيها ازداد عدد الراهبات وفتح المزيد من المدارس وكثرت الأنشطة التعليمية والرسولية . في سنة 1964 أختيرت الأم ماري دي لاكروا لتكون رئيسة لاتحاد الرئيسات العامات الإقليميات لمختلف الرهبانيات الموجودة على الأراضي المصرية ، وهذه مما جعلها تُعيّن بصفة مستمعة لأعمال المجمع الفاتيكاني الثاني في روما . في السادس والعشرين من شهر فبراير (شباط) سنة 1967م شاركت ماري دي لاكروا في مؤتمر الاتحاد الدولي للرئيسات العامات المنعقد في روما لبحث مشاريع تجديد الحياة الرهبانية على ضوء قرارات المجمع الفاتيكاني الثاني . في عام 1987م احتفل باليوبيل الذهبي لمدرسة القديس يوسف في مصر الجدية ، حضرته حرم رئيس الجمهورية السيدة سوزان مبارك . في شهر سبتمبر(ايلول) عام 1994م شاركت مدرسة القديس يوسف في مؤتمر السكّان والتنمية الدولي الذي انعقد في القاهرة ، كما استضافت وفد الفاتيكان المشارك .
رسائل واردة للرهبانية من مصادر كنسية :
1- بركة رسوليه من قداسة البابا بولس السادس سنة 1965من أجل انعقاد المجمع العام .
2- خطاب من مدير أعمال المجمع الفاتيكاني بتعيين الأم ماري دي لاكروا بصفة مستمعة في جلسات المجمع الفاتيكاني الثاني .
بعضٍ مما قالته الأم ماري دي ساكركير في خطابها إلى الراهبات في السادس من شهر يناير (كانون الثاني ) سنة 1985م إن رهبانية قلب يسوع يجب أن تتشبه بصورته : حياته المستترة في الله …. حياة صلاة ، خلوة ، وعلاقة بنوية مع الآب …. حياة الاختلاء والصمت … حياة التسليم لإرادة أبيه… نفس منقادة من الروح القدس شراع منبسطة حتى يدفعها تيار الروح القدس حيث يشاء … قلب متحرر من كل رباط يعود اتحاده بالمسيح .. نفس تبذل ذاتها دائماًُ لخلاص العالم … خبز موزع بلا حدود … ينبوع ماء حي مستمد من الله ليروى كل عطشان أذان صاغية .. نفس تعطي لذاتها الوقت والاختلاء والمقابلة مع الحبيب… قلب فقير بالروح مفتوح يستقبل بفرح وعطاء …. بهذا النهج نصل إلى هدفنا ” كمال المحبة “
خاتمة :
راهبات قلب يسوع ، خلقنَ من الطمي المصري الذي غُرس فيه الشعب المصري فعُرف بطيبته وقناعته وحبه للعمل ، يكافح ويجاهد من أجل لقمة العيش ورغم ذلك شعب يعيش حياته بمرح وفرح كل هذه الصفات تنطبق ايضاً على راهبات قلب يسوع المصريات فهن متوضعات مثل الزارع الذي يشق الارض بصبر وصمت ، واضعاً نصب عينيه الخطوط التي تنمي الحصاد . إنهن سيعدات إذ يقمن بدورٍ فاعلٍ وبارزٍ في كنيسة مصر ذات الامجاد الخالدة ، ولكنهن يجدن المجد في الخدمة الخفية المتواصلة ….عشن بموجب التراث القبطي العريق منفتحات على ثقافة الغرب دون الوقع في انماطة المختلفة ، عمدن في حياتهن الروحية التقليد الشرقي المتأصل في روحانية الكنيسة القبطية.
راهبات قلب يسوع مكرسات لله ، يقدمن شهادة للعالم بحياة نقية صافيه ، مجردة وخاضعة . إنهن مصريات ، أي بنات جمهورية مصر العربية ، يعملن أولاً على أرض مصر بروح وطنية حية وبناءة ، يتمسكن بطقوس الكنيسة القبطية ، تحت حماية قلب يسوع الذي أحبهن كثيراً ، لذا يطلب منهن أن يُحببن الجميع دون فرق ولاتمييز ، فان للمحبة عطاء بلا حدود راهبات مصريات وافقات غالباً عند الصليب ، يَسِرن في الاتجاه الصحيح ، نحو الشرق نحو الغد المشرق