stay connected

- Advertisement -
الكنيسة الكاثوليكية بمصر

construct design

Travel

كتابات القراء

رسالة البابا ليوم الشبيبة العالمي (مدريد-2011)-البابا بنديكتُس

780views

thumbرسالة البابا ليوم الشبيبة العالمي (مدريد-2011)-البابا بنديكتُس

وأنتم متأصلون ومبنيون في المسيح وراسخون في الإيمان”

أيها الشباب الأعزاء،
كثيراً ما أعيد التفكير في يوم الشبيبة العالمي الذي أقيم في سيدني سنة 2008. فهناك عشنا احتفالاً عظيماً بالإيمان، احتفالاً عمل خلاله روح الله بقوة محدثاً شركة بين جميع المشاركين القادمين من العالم أجمع. هذا التجمع، وعلى غرار التجمعات السابقة، حمل ثماراً وافرة لحياة العديد من الشباب والكنيسة جمعاء. حالياً، تتجه أنظارنا نحو يوم الشبيبة العالمي المقبل الذي سيقام في مدريد في شهر أغسطس 2011. وبالعودة إلى سنة 1989، وقبل أشهر قليلة من السقوط التاريخي لجدار برلين، كانت محطة رحلة الحج الشبابية في إسبانيا، في سانتياغو دي كومبوستيلا. حالياً، وفي الوقت الذي تحتاج فيه أوروبا إلى إعادة اكتشاف جذورها المسيحية، نلتقي في مدريد تحت شعار “وأنتم متأصلون ومبنيون في المسيح وراسخون في الإيمان” (كول 2، 7). إنني أدعوكم إذاً إلى المشاركة في هذا الحدث البالغ الأهمية للكنيسة في أوروبا وللكنيسة جمعاء. وأرجو أن يتمكن جميع الشباب – الذين يشاركوننا إيماننا بيسوع المسيح، الذين يتحيرون، يشكون أو لا يؤمنون به – من عيش هذه التجربة التي قد تكون حاسمة لحياتهم: إنها تجربة الرب يسوع القائم من بين الأموات والحي، وتجربة محبته لكل واحد منا.
1. عند مصدر تطلعاتكم الكبيرة
 في كل زمان، وحتى في زماننا الحالي، يشعر العديد من الشباب برغبة عميقة في أن تعاش العلاقات بين الأفراد في الحقيقة والتضامن. كثيرون يتوقون لبناء علاقات فعلية من الصداقة، واختبار حب حقيقي، وتأسيس عائلة موحدة، وبلوغ استقرار فردي وأمان فعلي، الأمور التي تضمن لهم مستقبلاً هادئاً وسعيداً.
خلال التفكير في شبابي، أدرك جيداً أن الاستقرار والأمان ليسا المسألتين اللتين تشغلان كثيراً فكر الشباب. وإن كان من المهم والملح البحث عن وظيفة تسمح بالتمتع بوضع مستقر، فإن فترة الشباب هي أيضاً فترة البحث عن مثال حياتي. عندما أفكر في سنوات شبابي، أرى أننا لم نكن نريد الضياع في حياة بورجوازية تقليدية. كنا نريد الأمور العظيمة والجديدة. كنا نرغب في إيجاد الحياة نفسها بعظمتها وجمالها. بالتأكيد أن السبب في ذلك كان يعود أيضاً لوضعنا. خلال سيطرة الاشتراكية القومية والحرب، يمكن القول أننا كنا “مطوقين” من قبل السلطة المهيمنة. إذاً، رغبنا في الخروج إلى الهواء الطلق، واختبار كافة الإمكانيات البشرية. أعتقد بمعنى ما أن هذه الحماسة التي تدفع إلى تغيير العناصر المألوفة موجودة لدى كل الأجيال. فالرغبة في أمور تتخطى الحياة اليومية والوظيفة المستقرة، والتطلع إلى أمور عظيمة، يشكلان جزءاً من فترة الشباب. هل هذا حلم واه يتلاشى عند بلوغ سن الرشد؟ كلا، لأن الإنسان خلق للأمور العظيمة اللامتناهية. كل الباقي ليس كافياً ومرضياً. لقد كان القديس أغسطينوس محقاً: “قلوبنا مضطربة ما لم ترتاح فيك”. إن الرغبة في حياة تحمل المزيد من المعاني هي دليل على أن الله خلقنا وعلى أننا نحمل “سماته”. الله حياة، لذلك يميل كل مخلوق إلى الحياة. وبطريقة فريدة من نوعها، يطمح الإنسان المخلوق على صورة الله ومثاله إلى المحبة والفرح والسلام.
نفهم إذاً أنه من السخف التفكير بأننا قادرون على العيش من خلال إزالة الله! الله هو مصدر الحياة: وبالتالي فإن إزالته تعني الانفصال عن هذا المصدر، والحرمان الحتمي من الكمال والفرح: “فالخليقة تتلاشى من دون الخالق” (المجمع الفاتيكاني الثاني، فرح ورجاء، 36). تميل الثقافة المعاصرة في بعض مناطق العالم وبخاصة في الغرب إلى استبعاد الله أو اعتبار الإيمان كمسألة خاصة لا علاقة لها بالحياة الاجتماعية. وعلى الرغم من أن كل القيم التي تؤسس المجتمع نابعة من الإنجيل – كمعنى كرامة الإنسان والتضامن والعمل والعائلة – إلا أننا نلاحظ “غياب الله”، ونسياناً ورفضاً للمسيحية، وإنكاراً لكنز إيماننا، الأمر الذي قد يؤدي إلى فقدان هويتنا العميقة.
لذلك، أيها الأحباء، أدعوكم إلى ترسيخ إيمانكم بالله، أب ربنا يسوع المسيح. أنتم مستقبل المجتمع والكنيسة! وكما كتب الرسول بولس لمسيحيي مدينة كولوسي، فمن الضروري أن تكون لنا جذور، أسس متينة! وهذا يصح اليوم بخاصة، عندما لا يتمتع شباب كثيرون بمراجع مستقرة لبناء حياتهم مما يولد فيهم شعوراً بالخطر. إن النسبوية السائدة التي تعتبر أن كل الأمور متساوية وأن لا وجود لأي حقيقة ولأي مرجعية مطلقة، لا تولد الحرية الفعلية بل عدم الاستقرار وخيبة الأمل والتقيد ببدع الزمن. يحق لكم أنتم الشباب أن تنالوا من الأجيال السابقة مراجع واضحة لتتخذوا خياراتكم وتبنوا حياتكم: كما تحتاج النبتة الصغيرة للدعم لكي تنمو جذورها وتصبح شجرة قوية قادرة على الإثمار.
2. متأصلون ومبنيون في المسيح
في سبيل تسليط الضوء على أهمية الإيمان بالله في حياة المؤمنين، أريد التوقف عند العبارات الثلاث التي استخدمها القديس بولس في هذا القول: “وأنتم متأصلون ومبنيون في المسيح وراسخون في الإيمان”. يمكننا ملاحظة ثلاث صور فيها. فإن عبارة “متأصل” تذكر بالشجرة والجذور التي تغذيها. وعبارة “مبني” تشير إلى بناء المنزل. أما عبارة “راسخ” فهي تدل على نمو القدرة المادية أو المعنوية. هذه الصور معبرة جداً. وقبل تفسيرها، أشير إلى أن هذه العبارات هي غير فعالة نحوياً في النص الأصلي اليوناني: هذا يعني أن المسيح عينه هو الذي يأخذ مبادرة تأصيل المؤمنين وبنائهم وترسيخهم.
الصورة الأولى هي صورة الشجرة المنغرسة في الأرض بصلابة بفعل جذورها التي تثبتها وتغذيها. ومن دون الجذور، يقتلعها الهواء وتموت. ما هي جذورنا؟ هناك بالطبع أهلنا وعائلتنا وثقافة بلادنا التي تشكل جانباً مهماً جداً من جوانب هويتنا. والكتاب المقدس يكشف جانباً آخراً. إذ يكتب النبي إرميا: “مبارك الرجل الذي يتوكل على الرب ويكون الرب معتمده. إنه يكون كالشجر المغروس على المياه الذي يلقي أصوله في الرطوبة ولا يرى الحر إذا أقبل بل يبقى ورقه أخضر وفي سنة القحط لا خوف عليه ولا يكف عن الإثمار” (إر 17: 7، 8).
يعتبر إرميا أن مد الجذور يعني الوثوق بالله بالإيمان. فمن الله، نستمد حياتنا. ومن دونه، لا نستطيع أن نعيش حياة حقيقية. “الله أعطانا حياة أبدية، وهذه الحياة هي في ابنه” (1 يو 5، 11). ويسوع نفسه يعرف عن ذاته كحياتنا (يو 14، 6). لذلك، فإن الإيمان المسيحي ليس مجرد إيمان بحقائق، وإنما هو أولاً علاقة شخصية مع يسوع المسيح. إنه اللقاء مع ابن الله الذي يعطي طاقة جديدة لوجودنا. عندما نبني علاقة شخصية معه، يكشف لنا المسيح هويتنا الخاصة، وفي هذه الصداقة، تنمو الحياة وتتحقق بالكامل.
في فترة معينة من الشباب، يتساءل كل واحد منا: ما معنى حياتي؟ ما هو الهدف أو الاتجاه الذي يجب أن أعطيها إياه؟ إنها مرحلة أساسية قد تعذب الروح لفترة طويلة أحياناً. يبدأ التفكير بنوع العمل الذي يجب أن نقوم به، بالعلاقات الاجتماعية التي يجب تأسيسها، بالعلاقات العاطفية التي يجب أن ننميها… في هذا السياق، أعيد التفكير في شبابي. بطريقة ما، أدركت أن الرب كان يريدني أن أصبح كاهناً. لكنني لاحقاً، وبعد الحرب، عندما كنت أسير في الإكليريكية والجامعة نحو هذا الهدف، كان ينبغي علي أن أستعيد هذا اليقين. كان علي أن أتساءل قائلاً: هل هذه هي دربي؟ هل هذه هي حقاً مشيئة الرب لي؟ هل سأكون قادراً على الحفاظ على أمانتي له والبقاء في خدمته؟ إن اتخاذ قرار مماثل لا يتم من دون معاناة لكنه لا يتم بطريقة أخرى. لكن اليقين انبثق في وقت لاحق: هذا هو الخيار الصحيح! أجل، الرب يريدني، لذا فهو سيمنحني القوة. خلال الإصغاء إليه، والسير معه، أصبح على حقيقتي. وما يهم ليس تحقيق رغباتي الخاصة وإنما مشيئته. هكذا تصبح الحياة فعلية.
كما تتمتع الشجرة بجذور تبقيها متشبثة بصلابة بالأرض، هكذا تعطي الأسس المنزل استقراراً دائماً. بالإيمان، نبنى في المسيح (كول 2، 6) كما يبنى منزل على أسسه. وفي التاريخ المقدس، يبرز العديد من القديسين الذين بنوا حياتهم على كلمة الله. إبراهيم هو الأول بينهم. فإن “أبونا في الإيمان” أطاع الله الذي طلب منه مغادرة بيت أبيه للذهاب إلى بلاد مجهولة. “آمن إبراهيم بالله، فحسب ذلك له براً، حتى إنه دعي خليل الله” (يع 2، 23). إن القيام في المسيح يعني الاستجابة لدعوة الله من خلال الوثوق به والعمل بكلمته. يسوع نفسه يحذر تلاميذه قائلاً: “لماذا تدعونني: يا رب، يا رب! ولا تعملون بما أقوله؟” (لو 6، 46). ومن خلال استخدام صورة بناء المنزل، يضيف: “كل من يأتي إلي، فيسمع كلامي ويعمل به، أريكم من يشبه. إنه يشبه إنساناً يبني بيتاً، فحفر وعمق ووضع الأساس على الصخر. ثم هطل مطر غزير وصدم السيل ذلك البيت، فلم يقدر أن يزعزعه، لأنه كان مؤسساً على الصخر. وأما من سمع ولم يعمل، فهو يشبه إنساناً بنى بيتاً على الأرض دون أساس. فلما صدمه السيل، انهار في الحال؛ وكان خراب ذلك البيت جسيماً!” (لو 6: 47، 49)
أيها الأحباء، ابنوا بيتكم على الصخر على غرار هذا الرجل الذي حفر عميقاً. أنتم أيضاً اسعوا يومياً إلى اتباع كلمة المسيح. أصغوا إليه كالصديق الحقيقي الذي تشاركونه درب حياتكم. عندما يكون إلى جانبكم، ستتمكنون من مواجهة الصعاب والمشاكل وخيبات الأمل والفشل بشجاعة ورجاء. هناك اقتراحات أسهل تقدم إليكم من دون انقطاع، لكنكم تعرفون أنها إغراءات لا تعطي الهدوء والفرح. وحدها كلمة الله هي التي تدلنا على الطريق الفعلية، وحده الإيمان الذي نلناه هو النور الذي ينير دربنا. اقبلوا بامتنان هذه الهبة الروحية التي نلتموها من عائلاتكم والتزموا بالاستجابة بمسؤولية لنداء الله وبالنمو في الإيمان. لا تصدقوا من يقول لكم أنكم لستم بحاجة إلى الآخرين لتبنوا حياتكم! اتكلوا على العكس على إيمان أقربائكم، على إيمان الكنيسة، واشكروا الرب على نيله وجعله خاصتكم!.
3. راسخون في الإيمان
كونوا متأصلين ومبنيين في المسيح وراسخين في الإيمان (كول 2، 7). إن الرسالة التي أخذ منها هذا القول كتبها القديس بولس لتلبية حاجة مسيحيي مدينة كولوسي. ففي الواقع أن هذه الجماعة كانت مهددة بفعل تأثير بعض نزعات ثقافة العصر التي كانت تبعد المؤمنين عن الإنجيل. أيها الشباب الأعزاء، هناك أوجه شبه عديدة بين سياقنا الثقافي وسياق أبناء كولوسي في ذلك الزمن. يوجد تيار “علماني” قوي يريد حذف الله من حياة الأفراد والمجتمع، مقترحاً ومحاولاً خلق “فردوس” من دونه. لكن التجربة تعلم أن العالم من دون الله يصبح “جحيماً” تسود فيه الأنانية والانقسامات العائلية والضغينة بين الأفراد والشعوب، ونقص الحب والفرح والرجاء. بالمقابل، عندما يعيش الأفراد والشعوب في حضور الله، ويعبدونه في الحقيقة ويصغون إلى صوته، عندها تبنى حضارة المحبة حيث تحترم كرامة الجميع، وحيث تنمو الشركة بكل ثمارها. لكن بعض المسيحيين يسمحون لنفسهم بالافتتان بأسلوب التفكير العلماني، أو يميلون نحو تيارات دينية تبعد عن الإيمان بيسوع المسيح. آخرون، ومن دون الالتزام بمقاربات مماثلة، يسمحون بفتور إيمانهم بالمسيح مما يرتب تبعات سلبية محتومة على الصعيد الروحي.
إلى الإخوة المتأثرين بهذه الأفكار الغريبة عن الإنجيل، يتحدث الرسول بولس عن قدرة المسيح المائت والقائم من بين الأموات. هذا السر هو أساس حياتنا، ومحور الإيمان المسيحي. وكل الفلسفات التي تجهله وتعتبره كـ “جهالة” (1 كور 1، 23) تظهر محدوديتها أمام المسائل العظيمة التي تخيم على قلوب البشر. لذلك أنا أيضاً، كخليفة الرسول بطرس، أرغب في ترسيخكم في الإيمان (لو 22، 32). نحن نؤمن بثبات بأن يسوع المسيح بذل نفسه على الصليب ليعطينا محبته. بآلامه، حمل معاناتنا، وتحمل ذنوبنا، ونال لنا المغفرة وصالحنا مع الله الآب، فاتحاً لنا درب الحياة الأبدية. هكذا، حررنا من أكبر عائق في حياتنا وهو عبودية الخطيئة. إذاً يمكننا أن نحب كل البشر حتى أعداءنا، ونشارك هذه المحبة مع إخوتنا الأكثر فقراً وتألماً.
أيها الأحباء، إن الصليب يخيفنا أحياناً لأنه يبدو كإنكار للحياة. لكنه العكس في الواقع! إنه “استجابة” الله للإنسان، التعبير الأسمى عن محبته والمنبع الذي تنبثق الحياة منه. فمن قلب يسوع المجروح على الصليب، انبثقت هذه الحياة الإلهية المتوفرة دوماً لمن يرفع نظره نحو الصليب. لا يسعني إذاً إلا أن أدعوكم إلى قبول صليب يسوع، رمز محبة الله، كمصدر حياة جديدة. فلا خلاص من دون المسيح المائت والقائم من بين الأموات! وحده هو القادر على تحرير العالم من الشر وتنمية مملكة العدالة والسلام والمحبة التي نصبو إليها جميعاً.
4. الإيمان بيسوع من دون رؤيته
في الإنجيل، توصف تجربة الإيمان التي عاشها الرسول توما في قبول سر الصلب وقيامة المسيح. كان توما واحداً من الرسل الاثني عشر. تبع يسوع وكان شاهداً مباشراً على الشفاءات والمعجزات التي اجترحها. أصغى إلى كلماته، وشعر بالضياع أمام موته. عشية عيد الفصح، ظهر الرب لتلاميذه، لكن توما لم يكن حاضراً. وعندما قيل له أن يسوع حي وأنه أظهر نفسه، قال: “إن كنت لا أرى أثر المسامير في يديه، وأضع إصبعي في مكان المسامير، وأضع يدي في جنبه، فلا أؤمن!” (يو 20، 25).
نحن أيضاً نريد أن نرى يسوع، ونتحدث معه، ونشعر أكثر بحضوره. اليوم، بات من الصعب لكثيرين التقرب من يسوع. وبالتالي، تنتشر صور كثيرة ليسوع، صور تدعي بأنها علمية وتجرده من عظمته وتفرده. لذلك، وخلال سنوات طويلة من الدراسة والتأمل، فكرت في مشاطرة جزء من لقائي الشخصي مع يسوع من خلال تأليف كتاب، وذلك لمساعدة الآخرين على رؤية وسماع ولمس الرب الذي جاء الله من خلاله ليلتقي بنا فيصبح معروفاً. في الواقع أن يسوع بنفسه، عندما ظهر مجدداً لتلاميذه بعد ثمانية أيام، قال لتوما: “هات إصبعك إلى هنا، وانظر يديّ، وهات يدك وضعها في جنبي. ولا تكن غير مؤمن بل كن مؤمناً!” (يو 20: 26، 27). نحن أيضاً نستطيع أن نكون على تواصل ملموس مع يسوع، ونضع يدنا على رموز آلامه، رموز محبته: في الأسرار، يصبح قريباً منا، ويبذل نفسه من أجلنا. أيها الشباب الأعزاء، تعلموا “رؤية” و”ملاقاة” يسوع في سر الإفخارستيا حيث هو حاضر وقريب ومستعد ليصبح قوتاً لدربنا؛ وفي سر التوبة الذي يظهر فيه الرب رحمته من خلال منح المغفرة. تعرفوا إلى يسوع واخدموه أيضاً من خلال الفقراء والمرضى والإخوة المتألمين والمحتاجين إلى المساعدة.
ابنوا حواراً شخصياً مع يسوع المسيح ونموه في الإيمان. تعرفوا إليه من خلال قراءة الأناجيل وتعليم الكنيسة الكاثوليكية. ابنوا حواراً معه في الصلاة، وامنحوه ثقتكم: وهو لن يخونها أبداً! “الإيمان هو أولاً التزام فردي للإنسان بالله؛ وهو في الوقت عينه ومن دون انفصال الموافقة الحرة على الحقيقة التي أظهرها الله” (تعليم الكنيسة الكاثوليكية، 150). هكذا، تستطيعون اكتساب إيمان ناضج وراسخ لن يكون مبنياً فقط على شعور ديني أو على ذكرى مبهمة عن التعليم الديني الذي درستموه في طفولتكم. ستتمكنون من التعرف إلى الله والعيش معه فعلياً، كالرسول توما عندما يجاهر بإيمانه بيسوع هاتفاً بقوة: “ربي وإلهي!”
5. الاتكال على دعم إيمان الكنيسة لنكون شهوداً
عندها، قال يسوع: “ألأنك رأيتني آمنت؟ طوبى للذين يؤمنون دون أن يروا” (يو 20، 28). كان يفكر في درب الكنيسة القائمة على إيمان شهود العيان، الرسل. نحن نفهم إذاً أن إيماننا الشخصي بالمسيح، الناشئ عن حوار استثنائي معه، مرتبط بإيمان الكنيسة: نحن لسنا مؤمنين منعزلين، لكننا بالعماد أعضاء في هذه العائلة الكبيرة، والإيمان الذي تجاهر به الكنيسة هو الذي يعزز إيماننا الشخصي. وقانون الإيمان الذي نعلنه خلال قداس الأحد يحمينا من خطر الإيمان بإله مختلف عن الإله الذي كشفه يسوع لنا: “وهكذا فإن كل مؤمن هو كحلقة صغيرة في سلسلة المؤمنين الكبيرة. أنا لا أستطيع أن أؤمن من دون أن يدعمني إيمان الآخرين، ومن خلال إيماني، أسهم في تعزيز إيمان الآخرين” (تعليم الكنيسة الكاثوليكية، 166). فلنشكر الرب من دون انقطاع على هبة الكنيسة لأنها تساعدنا على التقدم بأمان في الإيمان الذي يعطينا الحياة الحقيقية (يو 20، 31).
في تاريخ الكنيسة، استمد القديسون والشهداء من صليب المسيح المجيد القوة ليبقوا أمناء لله حتى بذل ذواتهم. في الإيمان، وجدوا القوة للتغلب على ضعفهم وتخطي الشدائد. وكما يقول الرسول يوحنا: “ومن ينتصر على العالم إلا الذي يؤمن أن يسوع هو ابن الله؟” (1 يو 5، 5). والانتصار الناجم عن الإيمان هو انتصار المحبة. كثيرون من المسيحيين كانوا وما يزالون شهوداً أحياء على قوة الإيمان المعبر عنه في المحبة: لقد صنعوا السلام، ودافعوا عن العدالة، وعملوا من أجل عالم أكثر إنسانية، عالم متوافق مع المخطط الإلهي. لقد التزموا بمجالات عديدة في الحياة الاجتماعية، بجدارة واحتراف، مسهمين بفعالية في المصلحة العامة. وأرشدتهم المحبة المنبثقة عن الإيمان إلى تقديم شهادة ملموسة بالأقوال والأفعال: المسيح ليس فقط كنزاً لنا وحدنا، بل هو الكنز الأثمن الذي يجب أن نتقاسمه مع الآخرين. في عصر العولمة، كونوا شهود الرجاء المسيحي في العالم أجمع: كثيرون هم الذين يتوقون لنيل هذا الرجاء! أمام قبر صديقه لعازر الذي مات قبل أربعة أيام، وقبل إقامته من الموت، قال يسوع لمرتا: “إن آمنت ترين مجد الله” (يو 11، 40). أنتم أيضاً، إن آمنتم، وتمكنتم من عيش إيمانكم والشهادة له يومياً، ستصبحون وسائل تساعد شباباً آخرين مثلكم على إيجاد معنى وفرح الحياة الناشئين عن اللقاء مع المسيح!.
6. نحو يوم الشبيبة العالمي في مدريد
أيها الأحباء، إنني أجدد دعوتي لكم للمجيء إلى يوم الشبيبة العالمي في مدريد. بفرح عظيم، أنتظر كل واحد منكم: المسيح بنفسه يريد ترسيخكم في الإيمان من خلال الكنيسة. إن خيار الإيمان بالمسيح واتباعه ليس سهلاً أبداً إذ تعيقه دوماً نقاط فشلنا وكثرة الأصوات المشيرة إلى الدروب الأكثر سهولة. لا تيأسوا، وابحثوا عن دعم الجماعة المسيحية، دعم الكنيسة! خلال هذه السنة، استعدوا للقاء مدريد مع أساقفتكم وكهنتكم والمسؤولين عن راعوية الشباب في الأبرشيات، الجماعات الرعوية، الجمعيات والحركات. فإن نوعية لقائنا متعلقة بخاصة بالإعداد الروحي، والصلاة، والإصغاء المشترك لكلمة الله والدعم المتبادل.
أيها الشباب الأعزاء، الكنيسة تعتمد عليكم! إنها بحاجة إلى إيمانكم الحي، ومحبتكم الخلاقة، وحيوية رجائكم. حضوركم يجدد الكنيسة ويعطيها دفعاً جديداً. لذلك، فإن أيام الشبيبة العالمية هي نعمة ليس فقط لكم وإنما أيضاً لشعب الله أجمع. الكنيسة في إسبانيا تستعد بنشاط لاستقبالكم وعيش تجربة الإيمان السارة معكم. أشكر الأبرشيات والرعايا والمزارات والجماعات الدينية والجمعيات والحركات الكنسية التي تجتهد في التحضير لهذا الحدث. الرب لن ينسى أن يباركها.
فلترافقكم مريم العذراء على هذه الدرب التحضيرية! فقد رحبت بإيمان بكلمة الله عندما بشرها الملاك. بإيمان، قبلت العمل الذي كان ينجزه الله فيها. من خلال إعلان قبولها، نالت هبة محبة عظيمة دفعتها إلى بذل ذاتها بالكامل لله. فلتتشفع لكل واحد منكم لكيما تتمكنوا خلال يوم الشبيبة العالمي المقبل من النمو في الإيمان والمحبة! أؤكد لكم على ذكركم الأبوي في صلاتي، وأبارككم من كل قلبي.
عن موقع سلطانة الحبل بلا دنس