stay connected

- Advertisement -
الكنيسة الكاثوليكية بمصر

construct design

Travel

أخبار الكنيسة

رسالة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي الثالثة بمناسبة زمن الصوم المقدس

808views

bisharaمسيرة روحية نحو الله والإنسان

مار بشاره بطرس الراعي

بنعمة الله

بطريرك انطاكيه وسائر المشرق

وكردينال الكنيسة الجامعة

إلى إخواننا السادة المطارنة والرؤساء العامّين والرئيسات العامّات

والكهنة والشمامسة والرهبان والراهبات،

وسائر أبناء كنيستنا المارونيّة وبناتها

في لبنان وبلدان الانتشار

السلام والبركة الرسولية

مقدمة

1. الصومُ الكبير مسيرةٌ روحيّة نحو الله والإنسان، بدأناها برسم إشارة الصليب بالرّماد المبارَك على جباهنا وسماع صوت الله، بفم الكاهن، يقول لكلِّ واحدٍ منّا: “أذكرْ يا إنسان، أنّك تراب وإلى التراب تعود”[1]، ويدعونا إلى التواضع للإقرار بضعفنا وبسرعة عطبنا، وبحاجتنا إلى نعمة الله تحرّرنا وتقوّينا وتُطلقنا من جديد.

إنّها مسيرةُ توبةٍ وصلاة وصومٍ ورحمة تدوم أربعين يوماً، على مثال الربِّ يسوع الذي صام أربعين يوماً منفرداً في الصلاة ومنتصراً على تجارب الشيطان[2]، استعداداً لرسالة الفداء. وتنتهي بالوصول إلى ميناء الخلاص في أحد الشعانين. ثمّ تتواصل عبر أسبوع الآلام حتى ظهر سبت النور. وهي مسيرة نحو الفصح، تبتغي العبور، بواسطة آلام المسيح وقيامته، إلى حياة جديدة.

أولاً، الصوم الكبير مسيرة روحيّة

2. الصوم مسيرة روحيّة تعني السّعي إلى نيل الحياة الجديدة في الروح القدس، التي استحقّها لنا الربّ يسوع بآلامه وقيامته. فرمّم بنعمته ما شوّهت فينا الخطيئة، نحن المخلوقين على صورة الله، والمولودين ثانيةً من الماء والروح، على شبه المسيح، فدُعينا مسيحيّين. هو الروح القدس يُحيي فينا الإيمان والرّجاء والمحبّة، وما يتحدّر منها من فضائلَ أخلاقيّة وإنسانيّة واجتماعيّة.

تغتذي حياتنا الروحية من كلام الله، نسمعه ونتأمّل فيه، ونحفظه في قلوبنا، ليختمر فينا ثقافة ونهجَ حياة.

من أجل هذه الغاية، تُقام في جميع الرعايا رياضاتٌ روحيّة تُلقى فيها المواعظ، مع إحياء لقاءات إنجيليّة تأمّلية، ورُتب توبة ومصالحة. نرجو أن يستفيد منها جميع المؤمنين والمؤمنات. كما أنّ وسائلَ الإعلام الدينيّة، مثل تليلوميار / نورسات وصوت المحبة وTV Charity ، تقدّم برامج روحيّة خاصّة ينبغي الاستفادة منها.

وتجدر الإشارة إلى أنّ مواضيع الرياضات الروحيّة واللقاءات الإنجيلية تتمحور هذه السنة حول إنجيل التطويبات. وقد أعدَّ الآباء المرسلون اللبنانيّون الموارنة مواعظ الصوم حول ستّ تطويبات في كُتيّبٍ خاص. ونحن وضعنا بالتعاون مع مؤسسة Apostolica تأمّلات حول هذا الإنجيل بثماني تطويبات، تصلح للرعايا والمدارس والأخويات وسائر المنظّمات الرسولية وسواها.

3. تنطلق هذه المسيرة الروحيّة من كلمة الله في سفر التكوين، تردّدها علينا الكنيسة مع مسحة الرّماد على جباهنا: “أُذكرْ يا إنسان أنّك تراب وإلى التراب تعود”[3]. إنّها دعوةٌ إلى التواضع والإقرار بخطيئتنا والتوبة والتماس المغفرة من الله. هذا التذكير يساعدنا لكي نعيش تحت نظر الله بشكل أفضل، ونرتفع بقوّة الروح إلى القمم الروحيّة والأخلاقيّة؛ ولكي نفهم عظمة محبّة الله الذي اختار الارتباط بنا، نحن الضعفاء، والسريعو العطب، إذ جعلنا المسيح أعضاء في جسده، لكي يواصل من خلالنا حضوره في المجتمع والعالم.

إنّه لسرٌّ عظيم عبّر عنه القديس جان Eudes مخاطباً المسيحيّين: تذكّروا أنَّ يسوع المسيح هو رأسُكم الحقيقي وأنتم أعضاء في جسده. ارتباطه بكم مثل ارتباط الرأس بالأعضاء: كلّ ما هو له، هو لكم، روحه، قلبه، جسده، نفسه وكلّ قوّته. أمّا أنتم فعليكم استعمالها كأنّها لكم، لكي تخدموا الله وتسبّحوه وتحبّوه وتمجّدوه. وارتباطكم به مثل ارتباط الأعضاء برأسهم. يرغب المسيح بكلّ شوق في استعمال كلّ ما فيكم من أجل خدمة أبيه السماوي ومجده، وكأنّها اشياء خاصّة به”[4].

4. هي مسيرة توبة داخليّة إلى الله، تقتضي تغييراً في أعماق القلب تحت تأثير كلام الله ونعمته والنظر إلى ملكوت الله كالغاية الأساسيّة من الوجود، وتغييراً في المسلك والحياة بأعمال حسنة تليق بالتوبة[5]، وبالسعي المستمر إلى الأفضل. لكن التوبة لا تتمّ إلّا بالتقشّف والجهد اليومي الرامي، بمساندة نعمة الله، إلى خلع الإنسان العتيق ولبس الجديد على صورة المسيح[6]. هذا التقشّف ميزة جوهرية في المسيحيّة قوامها تغليب ما هو روحي على شهوات الجسد والميول المنحرفة. هذا ما يدعونا إليه الربّ يسوع بقوله: “من أراد أن يتبعني فليزهدْ في نفسه ويحملْ صليبَه ويتبعني، لأنّ الذي يريد أن يخلّص حياته يفقدها، والذي يفقدها في سبيلي يجدها. فماذا ينفعُ الإنسان لو ربح العالم كلّه وخسر نفسه؟ وماذا يعطي الإنسان بدلاً من نفسه؟[7].