رسالة البطريرك يونان لعيد القيامة 2020 : نموت مع المسيح لنحيا معه
نقلا عن موقع أبونا
نشر السبت، ١١ ابريل / نيسان ٢٠٢٠
اغناطيوس يوسف الثالث يونان :
“نموت مع المسيح لنحيا معه”
1. مقدّمة
في مستهلّ رسالتنا هذه، يطيب لنا أن نتقدّم بأحرّ التهاني والتمنّيات بمناسبة عيد قيامة ربّنا يسوع المسيح من بين الأموات، إلى جميع إخوتنا وأبنائنا وبناتنا في لبنان وسوريا والعراق والأراضي المقدّسة والأردن ومصر وتركيا وأوروبا والأميركتين وأستراليا، رافعين الدعاء إلى ربّنا ومخلّصنا يسوع المسيح القائم من الموت، كي يزيل وباء كورونا الذي يهدّد حياة البشر في كلّ مكان، ويفيض عليهم جميعاً نِعَمه غزيرةً، ليتابعوا مسيرتهم بالشهادة لنور قيامته رغم الصعوبات والتحدّيات، فيعيشوا بالوحدة والمحبّة والفرح والسلام.
في أسبوع الآلام نستذكر بحزن وخشوع ورهبة ما عاناه ربّنا ومخلّصنا يسوع المسيح من آلام ليخلّصنا ويصالحنا مع الله الآب بعدما كثرت خطايا البشر، ولم تنفع معهم التنبيهات التي وجّهها الله إليهم على لسان الأنبياء كي لا يهلك الجنس البشري. لذا شاء، بفائق رحمته، أن يتأنّس ابنه الوحيد ويتمّم تدبيره الخلاصي بموته مصلوباً وبقيامته من بين الأموات في اليوم الثالث، ليفتدينا ويعيد إلينا بنوّتنا وغاية وجودنا.
مع آلام الرب يسوع نعيش تأوين الحدث الخلاصي الذي فيه انتصر فادينا على سلطان الموت وشوكة الخطيئة، فحرّرنا من العبودية ووهبنا الحياة. وما هو أحد القيامة إلاّ “عيد إزالة الحجارة”، كما يسمّيه قداسة البابا فرنسيس، فيقول: “إنّ الله يزيل أصعب حجارة، التي تتحطّم عليها الآمال والتطلّعات: الموت، والخطيئة، والخوف، والدنيوية. فلا ينتهي تاريخ البشرية أمام حجر القبر، لأنّه يكتشف في هذا العيد من هو “الحجر الحيّ” (راجع 1بط 2: 4)، أي يسوع المنبعث من بين الأموات”.
2. قيامة المسيح: البرهان الأصدق لألوهيته
إنّ نصوص العهد الجديد بكلّيتها هي شهادة حيّة لسرّ الفداء: آلام المسيح وموته وقيامته. لذا يعطي مار بولس رسول الأمم أهمّية كبرى لظهورات المسيح القائم، كشرط أساسي للإيمان به، إذ قد انبعث من القبر تاركاً الأكفان واللفائف مرتّبة. من هنا، فالتبشير بالقيامة يرتكز على واقعَيْن أساسيَّيْن: شهود القيامة، والقبر الفارغ. يشهد هذان الواقعان على أنَّ المسيح الذي مات وشاهده التلاميذ مطعوناً، قد قام وغلب الموت.
قيامة المسيح من بين الأموات هي البرهان الأصدق على ألوهيته، فهو القائل: “أنقضوا هذا الهيكل، وأنا أقيمه في ثلاثة أيّام” (يو2: 19). وهي عربون لقيامتنا من بين الأموات: “فإذا كنّا قد متنا مع المسيح، فإنّنا نؤمن بأنّنا سنحيا معه” (رو6: 8).
إنّ طريق حياة المؤمن المسيحي هي طريق قيامة من الموت، بالرغم من ضرورة الموت وحمل الصليب فيها، لأنّ شريكنا في الطريق هو المسيح الذي نموت معه، فيمنحنا حياةً جديدةً، على مثال حبّة الحنطة التي تموت لتعطي ثمراً كثيراً (يو 12: 24).
وفي هذا الصدد، يتأمّل مار أفرام السرياني هاتفاً: “وضعوك في القبر كحبّة الحنطة، ومثل النار في البئر طمروك. نمت الحنطة كثيراً، فرفعت أكفّ الشكران. أشرقت نارك داخل القبر، فأنارت البرايا بأسرها” (من باعوث أي طلبة مار أفرام، في القومة الثانية من ليل إثنين البياض أي إثنين القيامة، كتاب الفنقيث وهو صلوات الآحاد والأعياد، الجزء الرابع، صفحة 365-366).
3. قيامة الرب: انعتاقنا من عبودية الخطيئة
ما من شكّ في أنّ الموت كفكرة وكحقيقة لدى عامّة الناس هو لغز الحياة الدنيا الأصعب وواقع ملؤه الخوف والرهبة. فالموت ينهي حياة الإنسان ومشاريعه وأحلامه في الاستمرار وتشبّثه بالبقاء على الأرض. ولكنّ الموت في قناعة المؤمنين هو جسر العبور الذي ينقلهم من هذه الحياة الفانية إلى الأبدية في ملكوت الآب السماوي. “أن نموت مع المسيح” ما هي إلا دعوة لنا بأن نموت عن الخطيئة التي تشوّه صورة الخالق فينا. فالخطيئة تغرينا وتعدنا بالسعادة والنجاح، إلا أنّها لا تترك في داخلنا سوى الوحدة واليأس والموت.
أن نموت عن الخطيئة يعني أن نخلع إنساننا العتيق ونلبس الإنسان الجديد، فنتّخذ قراراً بأن نقاوم الميل إلى الشرّ، ونبتعد عن الخطيئة التي تقف حاجزاً بيننا وبين النعمة، كحجر على مدخل القلب، يمنع دخول النور الإلهي إليه. لأنّنا إن كنّا في المسيح، نصبح خليقةً جديدةً (راجع 2كور 5: 17)، فلا نعيش حرماناً أو خسارةً، بل نمتلك الغلبة بالمسيح المنتصر على الموت.
ولنا خير مثال شهداؤنا عبر القرون والأجيال، إذ ارتضوا أن يحملوا الصليب مقتفين في حياتهم إثر المعلّم الصالح، الرب يسوع. فأدّوا الشهادة للإيمان في أحلك الظروف وأقساها، باذلين حياتهم في سبيل مخلّصهم، حتّى سفك الدم، معتبرين أنّ الموت مع المسيح ومن أجله ربح، والحياة بمعزلٍ عنه خسارة (راجع في 1: 21).
4. آلامه تحيينا
لقد ذاق المسيح كأس الآلام المرّ ومات على الصليب حبّاً بنا، فاستسلم لمشيئة أبيه السماوي، وهذا الاستسلام الكلّي بين يدَي الآب جعله يتجرّع كأس الموت، ليكون لنا المثال في اقتبال الموت عن الذات والخطيئة، وفي احتمال الصليب في حياتنا، لأنّنا إن كنّا واثقين بأنّنا نشاركه في آلامه، فسنثق بأنّنا سنشاركه في مجده أيضاً (رو 8: 17). وبهذا الصدد، يعتبر قداسة البابا بنديكتوس السادس عشر أنّ “المسيحيّة ليست دين الرخاء، بل دين الرجاء. فالمسيحي لا ينجو من آلام هذه الحياة، ولكنّه يواجهها بهدي نور رجاء قيامة المسيح، مؤمناً بأنّه إذا متنا معه فسنحيا معه أيضاً”.
فبالرغم من الألم والمعاناة والموت، نترجّى القيامة مع المسيح الذي أقام لعازر وابن أرملة نائين وابنة يائيروس، ثمّ قام بذاته من بين الأموات. ونكتفي بنعمته (راجع 2كور 12: 9) التي لا يمكننا أن نتجاهلها أو نبتعد عنها، فبالنعمة نلنا الخلاص والمجد مع الله، إذ أنّ جميع الأشياء تعمل معاً لخير الذين يحبّون الله (راجع رو 8: 28). ونحن نثق أنّ يسوع لا يتركنا وسط العاصفة، فما علينا سوى انتظار خلاصه بالصبر، لأنّ “مَن يصبر إلى المنتهى يخلص” (مت 24: 13). ومهما اشتدّت التجارب والمحن، نثبت في إيماننا، لأنّ فادينا أمين ولا يسمح أن نُجرَّب فوق طاقتنا، بل يشدّدنا بقوّة روحه القدوس الذي يعيننا على تحمّل التجارب (1كور10: 13). لذا نجدّد رجاءنا “فوق كلّ رجاء” بالرب يسوع القائم الذي وعدنا أن يبقى معنا “كلّ الأيّام إلى انقضاء الدهر” (مت 28: 20)، فلا نخاف لأنّه قد غلب العالم (راجع يو 16: 33).
يتغنّى مار يعقوب السروجي على لسان البشر جميعاً بالحيّ الذي بآلامه وموته منحهم الحياة، فيقول: “تقدّم البرايا برمّتها المجد بصوتٍ مرتفعٍ، إلى الحيّ المقتول الذي شاء أن يكون ميتاً في الهاوية. يسجد لك الأحياء والأموات لأنَّك أحييتَهم، ويباركون الآب الذي أرسلك والروح القدس” (من باعوث أي طلبة مار يعقوب السروجي، في القومة الثالثة من ليل سبت البشائر أي سبت النور، كتاب الفنقيث وهو صلوات الآحاد والأعياد، الجزء الرابع، صفحة 301).
5. مفاعيل القيامة في حياة المؤمن
القيامة تبيّن لنا معنى سرّي التجسّد والفداء، ومن هنا مفاعيلها وأهمّيتها في حياتنا كمؤمنين مدعوّين للمشاركة في عمق وجودنا بسرّ موت المسيح وقيامته. فمن خلال اختبار الألم في حياتنا وتسخيره لمعنىً خلاصي، نستطيع أن نتعمّق في معاني حياتنا وفي الرجاء العظيم الذي يولّده فينا المسيح المصلوب والمنبعث لأجل خلاصنا.
إن مُتنا مع المسيح، فنحن نؤمن أنّنا سنحيا معه أيضاً. فالمسيح الذي مات كفّارةً عن خطايانا، صار هو حمل الله الذي رفع خطيئة العالم (يو 1: 29)، وغلب الموت الذي لم يبقَ له سلطانٌ علينا نحن المؤمنين. يدعونا الربّ للنهوض والإيمان بأنَّنا خُلِقنا للسماء، وليس للأرض، خُلِقنا من أجل عظمة الحياة، وليس من أجل ضِعة الموت.
في فعل الحبّ الأسمى، حقّق يسوع الهدف الذي تسعى نحوه إنسانيتنا، فلبس ضعفنا البشري، وهو ابن الله، وعُلِّق على صليب العار ما بين لصّين ليموت كمجرمٍ، ويقوم بالمجد من بين الأموات، ويمنحنا السلام والحياة الخالدة. هذا هو المعنى الأسمى للحبّ المتجلّي ببذل الذات عن الأحبّاء، هذا الحبّ دُفِعَ ثمنه دمٌ بريءٌ: “لقد أحبّنا نحن الذين في العالم، وأحبّنا للغاية” (راجع يو 13: 1).
6. صدى العيد هذا العام
أيّها الأحبّاء، إنّ وباء كورونا الذي يجتاح عالمنا اليوم ويفتك بالآلاف من البشر يذكّرنا بالأوبئة التي عصفت بالعالم على مرّ الأزمنة، إلا أنّنا وبقوّة ربّنا يسوع المنتصر على الموت سنتغلّب عليه لا محالة، وستعود دورة الحياة إلى طبيعتها. ويا ليت المتحكّمين بشؤون الناس في هذا العالم يتّعظون، فيترفّعون عن أنانياتهم ومصالحهم الضيّقة، ويدركون أنّ جبروتهم مهما عظم فهو صغيرٌ جداً أمام فيروس لا تراه العين المجرّدة، لكنّه تفشّى في الكرة الأرضية بسرعة مهولة.
نعم، لقد أجبرَنا هذا الوباء المخيف الذي انتشر في العالم أن نكتفي بإقامة الصلوات والقداديس في الكنائس وحدنا مع الإكليروس من دون مشاركةٍ عامّةٍ للمؤمنين، وكنّا نودّ أن نجتاز زمن الصوم الكبير وأسبوع الآلام الخلاصي بشراكة إيمانية وصلوات جماعية معاً، بمسيرة إيمانٍ ورجاءٍ نحو فرح عيد القيامة المجيدة، لكنّ العناية الإلهية سمحت أن نُجرَّب كما غيرنا من الشعوب في مختلف أنحاء العالم، فنبقى محجورين في منازلنا، حفاظاً على سلامتنا وسلامة الآخرين، وتماشياً مع الإجراءات الوقائية والتدابير الاحترازية التي اتّخذتها الحكومات وتجاوبت معها توصيات الرعاة الكنسيين. ولا شكّ أنّ لهذا الحجر المنزلي نتائج سلبية على معيشة الأفراد والجماعات، إلا أنّنا نستطيع أن نحوّله إلى زمن بركة ونعمة، معزّزين أواصر اللحمة العائلية وعلاقات الأخوّة والصداقة والمحبّة فيما بيننا.
إنّنا نضرع إلى الربّ الإله القدير أن يزيل هذه النكبة المخيفة عن الكنيسة ومجتمعاتنا وبلداننا والعالم، فيشفي المصابين بوباء كورونا، ويرحم الذين رقدوا من جرائه، ويحمي البشرية من تفشّي هذا الوباء الخطير، ويحدّ من انتشاره، ويعضد الأطبّاء والممرّضين والممرّضات ومساعديهم في عملهم البطولي لمجابهته، ويلهم الباحثين والعلماء لإيجاد الدواء الشافي واللقاح الناجع بأسرع وقت. كما نذكّر أعزّاءنا المؤمنين بأهمّية الصلاة الشخصية والعائلية في هذه الظروف العصيبة، فيحيا الجميع إيمانهم ويفعّلونه بالمحبّة المتبادلة والمشاركة الروحية.
وبعد أن تنتصر البشرية بقوّة ربّنا يسوع المسيح القائم من الموت على هذا الفيروس، نضع نصب أعين المسؤولين المدنيين عن شعوبنا مصلحةَ أبنائنا وجميع إخوتهم في مختلف البلدان.
ففي لبنان الغارق بمواجهة فيروس كورونا، ندعو السلطة القائمة المنشغلة بتوزيع ما تبقّى من مغانم سلطوية على أركانها، ومنهم من يهدّد بالاستقالة من مسؤولياته إن لم ينل حصّته من هذه الجبنة المهترئة المسمّاة “التعيينات”، إلى تفعيل عملها لمجابهة هذا الفيروس والتشدّد في الخيارات، حتّى ولو وصل الأمر إلى اتّخاذ القرار بإعلان حالة الطوارئ لوقف انتشاره وتمدّده وعدم التعامل معه باستهتار واستخفاف. وعلى المسؤولين ألّا يغفلوا واجبهم الملحّ بمعالجة المشاكل الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والمصرفية التي تعصف بالوطن. فيكفي الشعب اللبناني ما يتعرّض له من الإذلال والاستجداء على أبواب المصارف للحصول على مدّخراته التي هي حقّه، وهو بأمس الحاجة إليها في ظلّ هذه الأزمة الخانقة.
إنّنا ندعو الشعب اللبناني الحرّ والمنتفض إلى إعلاء صوته كي يصل إلى أسماع الحكّام وضمائرهم، فتستيقظ النخوة والوطنية في نفوسهم، ويكفّوا عن ممارساتهم، ويرضخوا لمطالب الناس، لتتمّ فور الانتصار على هذا الفيروس، الدعوة إلى تشكيل سلطة نزيهة وكفوءة خارج قيد المحاصصات والصفقات، يكون همّها الأول والأخير المواطن اللبناني وحماية مصالحه وتأمين استقراره وعيشه الكريم المستَحَقّ، ومحاربة الفساد، ومحاسبة الفاسدين، واستعادة الأموال المنهوبة.
وفي سوريا الجريحة، نجدّد نداءنا بوجوب وقف كلّ النزاعات المسلَّحة، وندعو القوى العالمية المتقاتلة فيما بينها إلى الامتناع عن استعمال سوريا ساحةً لصراعات الآخرين على أرضها. كما ندعم كلّ الجهود الرامية لإنهاء الحرب الدائرة منذ أكثر من تسع سنوات وفقاً مصلحة الشعب السوري، عبر المصالحات الصادقة، بهدف صيانة البلاد واستقلالها ووحدة أراضيها، لتعود سوريا إلى سابق عهدها من الازدهار وتبنّي التعدّدية، ومساحةً للتلاقي بين مختلف مكوّنات الشعب السوري.
أمّا العراق الحبيب، فشعبه يصارع منذ عشرات السنين لاستعادة العيش الحرّ والكريم والاستقرار الاجتماعي والاقتصادي. وبعد أن تخلّص من احتلال المجموعات الإرهابية لقسم من أراضيه، لا يزال يطالب بحكمٍ نزيهٍ وحكّامٍ غير فاسدين. إنّنا نصلّي من أجل تشكيل حكومة جديدة تلاقي تطلّعات جميع المواطنين وتلّبي المطالب المشروعة للمنتفضين، وتؤمّن حقوق المواطنة السليمة لجميع مكوّنات الشعب العراقي، على اختلاف انتماءاته السياسية ومعتقداته الدينية.
وتتّجه أنظارنا إلى الأرض المقدسة، وندعو إلى أن تسود فيها ثقافة المسامحة وقبول الآخر، مؤكّدين على أهمّية أن تبقى القدس عاصمةً للدولتين، وأن يتعزّز السلام في الأرض التي قدّسها الرب يسوع بميلاده وكرازته وموته وقيامته.
وفي الأردن، نشكر السلطات على ما تبذله من جهود لتوطيد ثقافة قبول الآخر وقيم المواطنة، ساعيةً إلى تحقيق التضامن والتلاحم بين مختلف مكوّنات الوطن.
وكذلك مصر التي يسعى المسؤولون فيها أن يعزّزوا التضامن بين مكوّنات شعبها، مثنين على جهودهم في تأمين الحرّية والأمان لسائر المواطنين، بالأخوّة والعدالة والمساواة في الحقوق والواجبات.
وفي تركيا، حيث يتابع أبناؤنا الشهادة لإيمانهم والحفاظ على تراثهم العريق في أرض آبائهم وأجدادهم، فإنّنا نسأل الله أن يشدّدهم ويقوّي عزيمتهم كي يبقوا علامة الثبات والتمسّك بالجذور.
ونوجّه أفكارنا واهتمامنا إلى أبنائنا وبناتنا في بلاد الانتشار، في أوروبا والأميركتين وأستراليا، ونثمّن جهودهم في سبيل الحفاظ على إيمانهم وتقاليد آبائهم وأجدادهم التي حملوها معهم من بلاد المنشأ في الشرق. كما نقدّر التحدّيات الجمّة التي يواجهها القادمون الجدد منهم، مؤكّدين سعينا الدائم لتأمين الرعاية الروحية والاهتمام الراعوي اللازم لهم، ونحثّهم على تربية أولادهم وتنشئة عائلاتهم بما تربّوا عليه من المبادئ السامية.
ولا ننسى أن نذكر بعواطف المحبّة والتضامن أبناءنا وبناتنا الذين يعانون من جراء النزوح والهجرة والإقتلاع من أرض الآباء والأجداد، من العراق وسوريا، إلى لبنان والأردن وتركيا، وإلى ما وراء البحار والمحيطات. كما نجدّد مطالبتنا بالإفراج عن جميع المخطوفين، من أساقفة وكهنة وعلمانيين، سائلين الله أن يرحم الشهداء ويمنّ على الجرحى والمصابين بالشفاء التامّ. ونعرب عن مشاركتنا وتضامننا مع آلام ومعاناة المعوزين والمهمَّشين والمستضعَفين، وكلّ العائلات التي تعاني بسبب فقدان أحد أفرادها، ضارعين إلى الله أن يفيض عليهم نِعَمَه وبركاته وتعزياته السماوية.
7. خاتمة
وخير ما ننهي به صلاةٌ نوجّهها إلى مخلّصنا الذي فدانا بموته وقيامته، مع مار أفرام السرياني الذي نحيي هذا العام اليوبيل المئوي لإعلانه ملفاناً للكنيسة الجامعة، بالرسالة الحبرية التي وجّهها قداسة البابا بنديكتوس الخامس عشر في 5 تشرين الأول عام 1920: “بالحبّ أهّلني أن أرنّم لك في عيد قيامتك يا ابن الله، فحبّك دفعك كي تأتي إلى الصلب والألم والموت. بالحبّ نشكر والدك الذي بمراحمه أرسلك إلينا. تفرح الكنيسة مع أولادها لأنّها استحقّت أن تعاين انبعاثك، فليملك أمنك في حناياها، وليكن سلامك سوراً لها. واجمع أولادها داخلها، وأبعد عنها الشقاقات والخصومات” (من باعوث أي طلبة مار أفرام، في صلاة الساعة الثالثة من أحد عيد القيامة، كتاب الفنقيث وهو صلوات الآحاد والأعياد، الجزء الرابع، صفحة 353-354).
وفي الختام، نمنحكم أيّها الإخوة والأبناء والبنات الروحيون الأعزّاء، بركتنا الرسولية عربون محبّتنا الأبوية. ولتشملكم جميعاً نعمة الثالوث الأقدس وبركته: الآب والإبن والروح القدس، الإله الواحد. والنعمة معكم. كلّ عام وأنتم بألف خير.
المسيح قام من بين الأموات… حقّاً قام