stay connected

- Advertisement -
الكنيسة الكاثوليكية بمصر

construct design

Travel

أخبار الكنيسة

رسالة الفصح البطريرك إبراهيم اسحق : قيامة المسيح هي تدشين لأورشليم الجديدة

998views

0_4890656

باسم الآب والابن والروح القدس – إله واحد آمين .

من البطريرك إبراهيم اسحق

بنعمة الله ، بطريرك الإسكندرية وسائر الكرازة المرقسية للأقباط الكاثوليك ، إلى أخوتنا المطارنة والأساقفة ، وإلى أبنائنا الأعزاء القمامصة والقسوس ، الرهبان والراهبات والشمامسة ، وإلى جميع أبناء الكنيسة القبطية الكاثوليكية بمصر وفي بلاد المهجر ..

النعمة والبركة والسلام من المسيح القائم من بين الأموات .

قيامة المسيح أساس حضارة الحياة والرجاء الثابت

مقدمة:

قيامة الحمل المذبوح

       يشرح لنا الكاتب الملهم في سفر الرؤيا، بكل وضوح، معنى وهدف ومكانة موت وقيامة يسوع في التدبير الخلاصي، فيقول: “ورَأَيتُ بَينَ العَرشِ والأَحْياءِ الأَربَعَةِ وبَينَ الشُّيوخِ حَمَلاً قائِمًا كأَنَّه ذَبيح … وكانوا يُرَتِّلونَ نَشيدًا جديدًا فيَقولون:  أَنتَ أَهلٌ لأَن تَأخُذَ الكِتابَ وتَفُضَّ أَخْتامَه، لأَنَّكَ ذُبِحتَ وافتَدَيتَ للهِ بِدَمِكَ أُناسًا مِن كُلِّ قَبيلَةٍ ولِسانٍ وشَعبٍ وأُمَّة” (رؤ 5 : 6-10). إن موت المسيح وقيامته هو طريق النور الذي يعطي حياة جديدة بعد عبور الموت، وهل يمكن للإنسانية أن تتقدم وترتقي دون حملان شهداء؟ وهل يمكن للعالم أن يسوده العدل والأمن والسلام دون عرق ودماء وتضحيات؟

حدث قيامة المسيح حي في وجدان المؤمنين، حاضر في الماضي والحاضر والمستقبل، فهو حجر الزاوية في بناء إيماننا. نوقد الشموع في هذه الذكرى رمزاً لنور المسيح الذي شق ظلام الخطيئة والإثم وأنتصر وداس الموت بموته. في فجر الأحد جاءت مريم المجدلية مع بعض النسوة كما جرت العادة في الشرق لزيارة الموتى، يمزقهن حزن عميق، وقلق غامر بعد أن غاب عنهم السيد والمعلم، ويا للمفاجأة، القبر فارغ، والحجر الذي سده مدحرج، تجاسرت النسوة ودخلت إلى القبر لم تجد الجسد، والأكفان قد وضعت جانباً، وظهر ملاكان ليقولا لهن: لماذا تبحثن عن الحي بين الأموات إنه ليس ها هنا، إنه قام كما قال ( متى 28 : 6 ). ومنذ هذه اللحظة لازال الفضاء يردد صدى هذا القول ولازال التاريخ يتدفق حيوية بهذا النبأ، وغمر الفرح الإنسانية كافة، فرح عبر القرون، يمد كل إنسان مؤمن بالثقة والقوة. قام المسيح وكيف يمكن أن يظل سجيناً في القبر (أعمال الرسل 2 : 24 ) والقبر لا يحتمل وجود الحي ( سفر الرؤيا 1 : 18 ) بل مصدر الحياة وكلمة الله الذاتية الناطقة. إن يوم قيامة المسيح هو أعظم أيام التاريخ البشري، به أكمل المسيح رسالة خلق الإنسان وأعاده إلى البنوة الإلهية ( رومية 8 : 21 ) وأكد لنا أن حياة جديدة أعطيت للبشر، الحياة بعد قيامة المسيح اتخذت مساراً جديداً، وأخلاقاً جديدة ورجاء جديداً.

1 – قيامة المسيح هي أساس حضارة الحياة

تأتي ذكرى قيامة يسوع من بين الأموات هذا العام كصوتِ منادٍ بالخلود والفرح والسلام والسعادة في برية حضارة وثقافة الموت، التي تملأ العالم ظلاما وحزنا وفزعا. إنها صوتُ شهيدٍ بشّر العالم أجمع، قبل أن يُذبح، بصلاة شفتيه الطاهرتين وعينيه المغمضتين بثقة في إله الحياة. إن صورة يسوع القائم قد أسست لحضارة الحياة التي تغافل عنها العالم، أما صورة الشهيد المصلّي فقد صدمت ضمير الكثيرين ممن ينشرون حضارة الموت، وقوَّت كثيرا من الرُكَب المرتعشة لمؤمنين كان إيمانهم يحتضر. عجيب هو إله الحياة، فمنطقه دائما هو الحياة التي تولد من رحم الموت.

إن قيامة رب المجد تصرخ في الشباب المؤمن داعية إياه أن لا يستجيب لثقافة الموت أيًّ كانت الوسائل والغايات التي تحركها. لابد للمؤمنين أن يكسروا دوائر وسلاسل العنف المنتشرة في جوانب حياتنا، لابد للمؤمنين أن يتقدّموا رافعين رايات إنجيل المحبة التي تجعل شمس الخالق تشرق على الأشرار والأبرار. فالله سيد التاريخ هو إله حياة ليس إله موت، إله أجسادٍ ملؤها الحياة ليس إله جثامين ونعوش تملا الكون حزناً وبكاءً وعويلا. يمنحنا الله النعمة والقوة، بقيامته من بين الأموات، لنسهر على حراسة الحياة بمحبتنا لإله الحياة، وحراسة السعادة بمحبتنا للقريب الذي هو شريكنا في الحياة. فقط بالمحبة نفوز بعالم أفضل، فقط بالمحبة نتمتع بالحياة كعطية من الله.

2 – قيامة المسيح هي تتويجٌ للتجرّد من الذات

يخبرنا بولس الرسول في رسالته إلى كنيسة فيلبي أن يسوع “لم يعدّ مساواته لله غنيمة بل تجرّد من ذاته متّخذا صورة العبد … أطاع حتى الموت، موت الصليب. لذلك رفعه الله إلى العلى …” (فيلبي 2 : 6-10). فكل ارتفاع يسبقه تجرّد من الذات، وكل قيامة يسبقها موت على الصليب. إنه منطق الله في تدبيره الخلاصي: كل حياة تخرج من حضن الموت. والموت في حياتنا يتمثّل في تخلّينا الاختياري عن كل ما نظن أنه مباح لنا، فبولس الرسول يؤكد لنا أنّ “كل الأشياء تحلُّ لي لكن ليس كل شيء ينفع” (1 كو 6 : 12). فنحن نقوم مع يسوع عندما نتخلّى طواعية عن كل ما لا يخدم المحبة لله والقريب، فقد تكون هناك الكثير من الأشياء المتاحة أمامنا التي لا تمثّل خطيئة بالنسبة للشريعة والقوانين، لكنها في ذات الوقت لا تنفع المحبة ولا تخدم تدبير الله الخلاصي. فليس كل ما يخدم المصلحة الشخصية هو بالضرورة نافع لخلاص النفوس. ليتنا نقف كجبابرة بأس، طائعين حتى الموت من أجل محبتنا لله والقريب. ليتنا نقف متجرّدين عن كل مصلحة ومنفعة شخصية، مؤمنين أن “الله الذي أقام الرب يسوع سيقيمنا نحن أيضا بقدرته” (1 كو 6 :14).

 

3 – قيامة المسيح هي تدشين لأورشليم الجديدة

ورَأَيتُ سَماءً جَديدةً وأَرضًا جَديدة … ورَأَيتُ المَدينَةَ المُقَدَّسة، أُورَشَليمَ الجَديدة، نازِلَةً مِنَ السَّماءِ مِن عِندِ الله … وسَمِعتُ صَوتًا جَهيرًا مِنَ العَرشِ يَقول: ((هُوَذا مَسكِنُ اللهِ مع النَّاس، فسَيَسكُنُ معهم وهم سيَكونونَ شُعوبَه وهو سيَكونُ ((اللهُ معَهم)). وسيَمسَحُ كُلَّ دَمعَةٍ مِن عُيونِهم. ولِلمَوتِ لن يَبْقى وُجودٌ بَعدَ الآن، ولا لِلحُزنِ ولا لِلصُّراخِ ولا لِلأَلَمِ لن يَبْقى وُجودٌ بَعدَ الآَن، لأَنَّ العالَمَ القَديمَ قد زال)).

قام المسيح ليعطي السلام لقلب المؤمن، إنه هو ذاته السلام، إن العالم يمر بين زمن وزمن بالحروب والكوارث والصراع وليس غير المسيح يخلص العالم من آلامه وأحزانه إذا سادت شريعة المحبة، وسرت روح التضحية والفداء، وأحب الإنسان أخاه الإنسان كنفسه ، فهنا يسقط الخوف من الحاضر والمستقبل، فقيامة المسيح أرست الأمن في قلوب المؤمنين وعمقت الرجاء بالخلاص في حياتهم .

بعد قيامته من الموت التقى المسيح رسله وتلاميذه ليؤكد لهم صدق الرجاء في شخصه والإيمان برسالته والسير في الدرب الذي سلكه ، درب النور والنقاء والمحبة ، ويشهد رسوله بولس بأن الرجاء الحقيقي هو في المسيح القائم من الموت ، وليس في هذه الحياة العابرة أو في الأشياء التي تبلى أو في الشهوات التي لا تُشبع،  بل وحده المسيح ومن آمن به لا يجوع ومن اتحد به لا يعطش ( سفر الرؤيا 21 : 4 ، يوحنا 6 : 35 ، 1كورنتس 15 : 12 )

قيامة المسيح من الموت حقيقة إيمانية وتاريخية ، زرع بقيامته الحياة والرجاء الثابت فلا ينبغي أن نيأس أمام التحديات المعاصرة ، ولا موجات الإلحاد ورفض القيم الروحية ولا المعاداة للتعاليم الإلهية المسيحية ، قيامة المسيح أسقطت سلطان الشر ، فمهما أشتد فإن الرجاء في المسيح يحفظ إنسانيتنا ويصون وطننا ويقوي عزيمة شعبنا

ختاماً :

ختاماً نتحد مع قداسة البابا فرنسيس في صلاة هذه الليلة ومع اخوتنا البطاركة والأساقفة، داعين المسيح الحي القائم من الموت ان يبسط نوره على عالمنا وأن يعمق الرجاء في قلوب البشر جميعاً.

نصلي من أجل كل من يعمل من أجل بناء ونشر ثقافة الحياة وزرع الرجاء في قلب من هو في حاجة إلى رجاء.

من أجل عائلاتنا المكافحة الأمينة، ونصلي خاصة من أجل عزاء كل العائلات المجروحة قلوبهم لفقدان أحبائهم.

ان مصر وطننا الغالي ، أرض الشعب الطيب، باني الحضارة للعالم كافة، تحتاج إلى تضامن أبنائها وإخلاصهم في العمل مشاركين ومساندين لرئيسنا المحبوب عبدالفتاح السيسي.

نصلي من أجله ليظل دوماً قائداً انسانياً، ورئيساً وطنياً، ومصلحاً شجاعاً، حفظه الله وأيد مسعاه مع كل المخلصين المتعاونين معه والعاملين بكل أمانة من أجل بناء مستقبل أفضل لبلدنا مصر.

وكل عام ومصر بخير – قام المسيح .. حقاً قام ..

كوبري القبة في 12 / 4 / 2015

+ البطريرك الانبا إبراهيم اسحق

بطريرك الإسكندرية للأقباط الكاثوليك بمصر والمهجر