stay connected

- Advertisement -
الكنيسة الكاثوليكية بمصر

construct design

Travel

الكنيسة الكاثوليكية بمصركنيسة الموارنة الكاثوليك

رسالة عيد الميلاد للبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي

1.1kviews

24 ديسمبر 2019

نقلا عن الفاتيكان نيوز

تحت عنوان “أبشّركم بفرح عظيم”، وجه البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي اليوم الثلاثاء رسالة عيد الميلاد 2019 كتب فيها يقول عن الموقع الإلكتروني للبطريركية المارونية:
“أُبَشِّرُكُمْ بِفَرَحٍ عَظِيمٍ” (لو 10:2)

إخواني السَّادة المطارنة،

قدس الرُّؤساء العامِّين والرَّئيسات العامَّات،

الكهنة والرُّهبان والرَّاهبات وسائر المؤمنين،

أيُّها الإخوة والأخوات الأحبَّاء في لبنان والنِّطاق البطريركيِّ وبلدان الانتشار.

1 ما أجمل أن يُعلِن الإنسان، كلُّ إنسانٍ، من موقعه، خبرًا يُولِّد الفرح في قلوب سامعيه المنتظِرين الخبر السَّارّ. هكذا فعل الملاك مع رعاة بيت لحم السَّاهرين اليقظين في ظلمة ذاك اللَّيل الذي اخترقه نور المولود الإلهيّ: “أبشّركم بفرحٍ عظيمٍ يكون للشَّعب كلِّه: لقد وُلد لكم اليوم المخلِّص، يسوع المسيح، في مدينة داود” (لو 10:2).

فتَنادَى الرُّعاة وأَسرَعُوا إلى بيت لحم: ذهَبُوا، ورَأَوا، وأخبَرُوا بالكلمة التي قيلت لهم من الملاك، ثمَّ رجعوا وهم يُسبِّحون الله ويُمجِّدونه على ما رأوا وسمعوا.

2 يُسعِدُني والسَّادة المطارنة أن أُبادِلَكم التَّهاني والتَّمنيَّات بالميلاد والسَّنة الجديدة، رافعين الشُّكر للطِّفل الإلهيِّ على ما علَّمَنا بتجسُّده وذبيحة الصَّليب من تجرُّدٍ وتواضعٍ وفقرٍ روحيٍّ ومحبَّةٍ إلى آخر الحدود، وعلى ما أفاض الله علينا من نِعَمٍ وبركاتٍ خلال السَّنة التي تُلامِس نهايتها، راجين أن يكون العام الجديد 2020 عام سلامٍ شاملٍ على أرضنا اللُّبنانيَّة والمشرقيَّة. ويَطيبُ لي أن أشكر حضرة الأمّ ماري أنطوانيت سعاده، رئيسة مكتب رابطة الرَّئيسات العامَّات والإقليميَّات للرَّهبانيّات النِّسائيَّة، التي ألقَتْ بإسم الرَّهبانيَّات النِّسائيَّة والرِّجاليَّة كلمة التَّهنئة الغنيَّة بمضمونها الرُّوحيِّ والوجدانيِّ.

3 أَعلَنَ الملاك البُشرى الإلهيَّة فقبلها الرُّعاة البسطاء والفقراء بطاعتهم وأَعطَوها فاعليَّتها. لا تَكتَسِب كلمة الله فاعليَّتها لدى الممتلئين من ذواتهم، والواضعين الله جانبًا. ولذلك بشراه السَّارَّة الخلاصيَّة لا تَعنيهم، لجهلهم أنَّها بُشرى بشخصٍ جاء للقائهم، لا بفكرةٍ أو عقيدة. أمَّا الرُّعاة فسمِعوا وذهبوا ورأوا وامتلاؤا فرحًا وأعلنوا بدروهم هذه البُشرى السَّارَّة (راجع لو 2: 15-20). هذه أفعالٌ أساسيَّةٌ في حياة كلّ مؤمنٍ ومؤمنةٍ نتعلَّمُها من الرُّعاة، لنعيش علاقتنا الحيَّة مع المسيح الكلمة، الذي “وُلد مرَّةً واحدةً بالجسد، لكنَّه بحُبِّه للبشر يَودُّ أن يولد روحيًّا باستمرارٍ في الذين يؤمنون به ويُحبُّونه” (القدِّيس مكسيموس المعترف).

4 شجَّعَ الرُّعاة بعضهم بعضًا قائلين: “سيروا بنا، لنرى الكلمة التي حدثت وأعلمَنا بها الرَّبُّ”. إنَّهم بذلك عاشوا طاعة الإيمان النَّابعة من الكلمة التي قيلت لهم، وملأت قلوبهم فرحًا وتمجيدًا. هذه الكلمة إيَّاها قبِلَتْها مريم عذراء النَّاصرة من فم الملاك جبرائيل، فأصبحَت جنينًا في حشاها. هذه الكلمة عينها قبِلَها يوسف من الملاك في الحُلم فانكشَفَ له سرَّ حَبَل مريم ودوره في هذا السِّرِّ الإلهيِّ، وملأت الكلمة قلبه حُبًّا وحنانًا.

5 الله يُكلِّمنا بأنواعٍ شتَّى: بجمال الطبيعة التي خلقها، بكلمته الإنجيليَّة، بالأسرار السَّبعة التي استودعها الكنيسة لتوزِّع نعمها على المؤمنين، بالجماعة المصلِّية، بالإخوة المحتاجين مادّيًّا وروحيًّا ومعنويًّا، وبالمتألِّمين، وبخاصَّةٍ بشخص الإله الذي صار إنسانًا يسوع المسيح، وكلامه وأفعاله وآياته.

6 معروفٌ عيد الميلاد بأنَّه عيد تبادل الهدايا والفرح. بالميلاد، الإله أهدانا ذاته، والأرض بادلَتْه هداياها: يوسف ومريم حبَّهما وحنانهما وعنايتهما، المذودُ دفء القشِّ والبهائم، الرُّعاةُ الحليب واللَّبن واللَّحم، المجوسُ الذَّهب والمُرَّ واللُّبان، أمَّا هيرودس وأعوانه فالحقد وقرار القتل خوفًا على عرشه.

شعب لبنان ينتظر من المسؤولين السِّياسيِّين هديَّة العيدَين: حكومةً جديدةً تضمُّ أشخاصًا أصحاب اختصاصٍ ونزاهةٍ وكفاءةٍ يَضعُون البلاد على طريق الخلاص الإقتصاديِّ والماليِّ والإنمائيِّ والإجتماعيِّ. لقد عبَّرَ الشَّعب، بشبابه وكباره، برجاله ونسائه عمّا يُعاني من أوجاعٍ، وما يتطلَّب من إصلاحاتٍ، وذلك في ثورةٍ إيجابيَّةٍ لم تهدأ منذ سَبعين يومًا. ونرجو ان تظلّ كذلك ولا تصبح ثورة سلبية هدامة. الثورة الايجابية تتعاون مع الجيش والقوى الامنية وتحترمها، وتخفف من الاعباء والنتائج السلبية عن كاهل المواطنين في حق التنقل والعمل. لقد شكَّلَت هذه الانتفاضة علامة رجاءٍ مُضيئةٍ في الظُّلمة التي تكتنف وطننا، دولةً وشعبًا ومؤسَّسات. بوركت هذه الانتفاضة – الثَّورة الحُرَّة وغير المرتَهَنة لأحدٍ، فلا تُهمِلوها أيُّها المسؤولون السِّياسيّون، ولا تُخيِّبوا آمالها. فإنَّها لا تسعى الى مصالح شخصيَّةٍ أو فئويَّةٍ، بل إلى الصَّالح العامّ، والعودة إلى الجذور والأُسُس التي بُنيَ عليها لبنان وميَّزَتْه عن كلِّ دول المنطقة في تعدُّديَّته الثَّقافيَّة والدِّينيَّة ضمن إطار الوحدة الوطنيَّة والانتماء بالمواطنة.

7 إنَّ شعبنا يَصمُدُ بوجه الضَّائقة الاقتصاديَّة والمعيشيَّة، مثلما صمَدَ في حقباتٍ وظروفٍ صعبةٍ وخطرة. لكنَّه لن يَرضى بقبول سوء الحُكم الذي سادَ منذ التِّسعينات، إذ انتشَرَ الفساد والهدر وتفاقَمَ العجز، وارتفَعَ الدَّين العامّ، وازدادَ الفقر، وتوسَّعت رقعة البطالة، وبانَ عدم الصِّدق في عيش عَقدنا الاجتماعيِّ، وأُهمِلَت حماية الكيان وصون السِّيادة.

أمَّا الكنيسة فتُواصِلُ بمؤسَّساتها المتنوِّعة وإمكانيَّاتها، مساعدة شعبنا في صموده بما يَلزمُهُ من حاجاتٍ معيشيَّةٍ. وإنَّا نُناشِدُ الدَّولة، فيما الحاجاتُ تتزايد، أن تُؤدِّي مستحقَّاتها لهذه المؤسَّسات لكي تتمكَّن من الاستمرار وتوفير فرص عملٍ للعديد من العائلات. وإنَّنا نُحيِّي جميع المبادرات الفرديَّة والجماعيَّة التي تتضامن مع العائلات المعوزة وسائر الفقراء وأصحاب الاحتياجات الخاصَّة، وتُنظِّم مساعداتٍ عينيَّةً وماليَّةً وطُبِّيَّةً. نسأل الله أن يُفيض بركاته عليهم جميعًا، لكي تَكثُر عطاياه بين أيديهم ليتقاسموها مع المعوزين.

8 إنَّ الرَّبَّ يسوع بتجسُّدِه، وهو الإله الذي أخلى ذاته وافتدى البشريَّة بموته على الصَّليب وأحياها من جديدٍ بروح قيامته، يُعلِّمنا التَّجرُّد والتَّحرُّر من الذَّات، لكي نَسود على مصالحنا الضَّيِّقة. إذا نظرنا من هذا المنظار إلى الجماعة السِّياسيَّة عندنا، نجد أنَّ مآسينا تأتي من أنَّ حكَّامنا يَرفُضون تداول السُّلطة منذ عشرات السِّنين، بل يتحاصصونها ومال الشَّعب هدرًا ونهبًا مُسرِفِين في الصَّرف ومُراكِمِين الدُّيون على الدَّولة بمختلف أنواعها. فأوصلُوا الدَّولة إلى الانهيار الاقتصاديِّ والماليِّ، وأوقَعُوا أكثر من ثلث الشَّعب اللُّبنانيِّ في حالة الفقر، ورموا 35 % من الخرِّيجين الجامعيِّين في حالة البطالة، فضلاً عن الوصول بعددٍ من المؤسَّسات الخاصَّة التِّجاريَّة والصِّناعيَّة والتَّربويَّة إلى إقفال أبوابها.

9 لبنان مشروعٌ إنسانيٌّ من أجل الحرِّيَّات والمساواة والعيش المشترك بين الطَّوائف والأديان في هذا الشَّرق، المعرَّض دائمًا من قِبل السِّياسات الدَّاخليَّة والخارجيَّة لاستعمال الدِّين من أجل توسيع رقعة النُّفوذ، وقمع الحرِّيَّات الشَّخصيَّة، خلافًا لما تُعلِّم الأديان نفسها.

هذا المشروع اللُّبنانيُّ، الذي يُشكِّل نموذجًا ورسالةً في هذا الشَّرق، نحن مدعوُّون لحمايته، من أجل كرامة شعبه وثقافته وحضارته. وهذا ما من أجله قامت الانتفاضة – الثَّورة التي جمَعَت تحت راية الوطن العائلة اللُّبنانيَّةَ في كلِّ المناطق، ومن كلِّ المذاهب والأحزاب والأعمار.

10 وفيما نَسجُدُ لميلادِ المسيح مخلِّصنا، نَحتَفلُ في الوقت نفسه بنشأتنا. ولادة المسيح هي في الحقيقة منشأ الشَّعب المسيحيِّ. فتذكار ميلاد الرَّأس هو أيضًا تذكار ميلاد الجسد. هذا هو فرح الميلاد الذي أنشده جمهور الجُند السَّماويِّين: “المجدُ لله في العُلى، وعلى الأرض السَّلام” (لو13:2).