رسل المسيح (لو10: 1-20)-إكليريكي جوزيف منير
رسل المسيح (لو10: 1-20)-إكليريكي جوزيف منير
مُقدّمة
ونحن نعيش في زمن صوم الرّسل، سانطلق من رسالة البابا بندكتوس السّادس عشر العام الماضي بمناسبة افتتاحه للسّنة الكهنوتيّة قائلاً: ” دعوا المسيح يسكن فيكم، فتكونوا رسل رجاء وسلام ومُصالحة”. لذلك سنتحدث اليوم عن صفات الرّسل/ملامح شكل الرّسول التّي حددها يسوع نفسه.
إنَّ عظمة إيماننا المسيحي تكمن في أنَّ الله العظيم الخالق، يُشارك مخلوقاته فيما يصنعه، فبرغم أنَّ الإنسان مخلوقٌ ضعيفٌ مُصنوعٌ من ترابٍ، إلاَّ أنَّه مُدعوٌ إلى التأله؛ أن يصبح إلهًا، فكلُّ منَّا يدعوه المسيح شخصيًّا لأنَّ يكون إلهًا، حتّي نصير شركاء الطبيعة الإلهيّة (2بط1: 4)، وكما يذكر ق ايرينماوس ” صار الإله إنسانًا، ليصير الإنسان إلهًا”.
فالعلاقة بين الله والإنسان ليست علاقة مُخترع يخترع لعبة يتمتع ويستلذ بها، أو علاقة سيد بعبد، ولكنَّها علاقة حبِّ، فيسوع نفسه يقول: ” لا أعود أسمّيكم عبيدًا لأنَّ العبد لا يعلم ما يعمل سيده. لكنَّي قد سمّيتكم أحبَّاء لأنَّي أعلمتكم بكلِّ ما سمعته من أبي” (يو15:15).
سنتأمل في خمسة نقاط هم:
1- رسل الله:
إنَّ الرّسالة/الخدمة الّتي نقوم بها، ليست من أنفسنا ولكنها من الله، يُكلفنا الله بها، وهذا ما يذكره يسوع: ” اذهبوا. ها أنا أرسلكم…” (3)، وكما قال أيضًا ” اذهبوا إلى العالم أجمع واكرزوا بالإنجيل للخليقة كلِّها” (مر16: 15)، لذلك فنحن مُرسلون للخدمة من قبل الله نفسه.
أرسل الله موسى قائلاً: ” هلمَّ فأرسلك إلى فرعون وتُخرج شعبي… من مصر” (خر3: 10)، ومنحه القوّة اللاّزمة لذلك ” إنَّي أكون معك” (خر3: 12)، ” أنا جعلتك إلهًا لفرعون” (خر7: 1). إذا كانت رسالتنا من الله فممن نخاف، فالله يمنحنا ثقةً لا حدَّ لها، فهو صاحب الكرمة/الرّسالة يمنح قوّةً ومعونةً لرسله. فالرّسول كصديق العريس، يُقدم المسيح للنّاس ويختفي هو، هو سفيرٌ للمسيح، وكما يقول يسوع: ” الذّي يسمع منكم يسمع مني. والذّي يرذلكم يرذلني. والذّي يرذلني يرذل الذّي أرسلني ” (16).
رسل الله يعملون معًا ” أرسلهم اثنين اثنين…” (1) لماذا ؟
– حتّى يسندوا بعضهم البعض ، فإنْ تكبر أحدٌ يرده الآخر، وإنْ سقط أحدٌ يرفعه الآخر.
– الخدمة والرّسالة ليست مبنية على مشورة أو عمل فرد، لكنَّها مبنيةٌ على أساس جماعي، جماعة المؤمنين الذّين يُشارك كلَّ منهم بمواهبه وعطاياه لنمو الخدمة، فالعمل الجماعي أفضل من العمل الفردي حتّى وإنْ كان أقل كفاءة.
يستمد الرّسول كرامته الحقيقيّة ليست من كمية الأعمال/الخدمات الّتي يقوم بها أو من نتيجة/ثمار هذه الأعمال، ولكن تكمن قيمته الحقيقيّة في مدى ارتباطه بالرّبِّ يسوع، والاستمرار في العلاقة معه، وترك ذاته بكلِّ طواعيّة كأداة في يد الله يعمل من خلاله، فالله منطقه غالبًا ما يكون مختلفًا عن منطق النّاس.
رسل الله دائمًا يهتمون بالضعاف والصغار ويساندوهم حتّي يصلوا بهم إلى حضن المسيح. فالمسيح لم يأتِ للأقوياء والأغنياء والمستغنين، بل لذوي الحاجة، ولمَنْ ليس لهم أن يسأل عليهم.
2- رسل سلام:
يُوصي يسوع رسله قائلاً: ” وأي بيتٍ دخلتموه فقولوا أوّلاً سلامٌ لهذا البيت. فإنْ كان هناك ابن السّلام يحلُّ سلامكم عليه وإلاَّ فيرجع إليكم” (6). فيسوع يمنح رسله السّلام، وبعد صعوده يعطيهم الرّوح القدس الحمامة رمز السّلام.
يبدأ السّلام الحقيقي من الدّاخل وذلك بالتوبة ومغفرة الخطايا، فيعيش الإنسان حالةً من راحة البال Peace of mind. هذا السّلام الدّاخلي يُضفي على الهيئة والمنظر الخارجي لذلك الإنسان نعمة الله، الّتي تظهر في سلوكه وتصرفاته وعلاقاته بالنّاس، مما ينعكس على الآخرين ، فتنتشر عدوى السّلام بين جميع من يتعاملون معه.
يسوع في التطويبات على الجبل يقول: ” طوبى لصانعي السّلام. لأنَّهم أبناء الله يُدعون ” (مت5: 9)، فإذا كنَّا حقًّا أبناء الله، فسيظهر ذلك من خلال أعمالنا الّتي تتسم بالسّلام. لنكن على مثال يسوع الذّي في وقت الحكم عليه صالح بين هيردوس وبيلاطس (لو23: 12).
مَنْ يصنع السّلام؛ يستر الكثير من الخطايا، ويسكب جمر النّار على رأس الشّرير. فالشّيء الوحيد الذّي يطفي الشّرَّ هو أن تصنع سلامًا/خيرًا مع مَنْ لا يحبك.
3- رسل توبة:
يُوصي يسوع رسله بأنَّ يبلغوا النّاس رسالةً هامة وهي: ” قولوا لهم قد اقترب منكم ملكوت الله” (9)، فهدف كرازتنا هو توبة ورجوع النّاس إلى يسوع المسيح، لكي يعيشوا ويتمتعوا بحالة النّعمة، وهذا هو هدف الرّسل الأوّل، فكلُّ ما يعلنوه عن موت وقيامة الرّب يسوع، سواء بالكلام أو بالاستشهاد هو من أجل توبة وخلاص الجميع ” فالله يريد جميع النّاس يخلصون وإلى معرفة الحقِّ يقبلون”.
مثال يوحنّا المعمدان الذّي كان يصرخ قائلاً: ” صوتٌ صارخٌ في البرّيّة أعدّوا طريق الرّبّ اصنعوا سبله مستقيمة… اصنعوا أثمارًا تليق بالتوبة…” (لو3: 4،8). ولانكن مثل يونان النّبي الذّي كان يبشر شعب نينوى وهو مُتذمر؛ أوّلاً لأنَّهم شعبٌ أمميٌّ غير يهودي، ثانيًّا لأنَّه متيقن أنَّ هذا الشّعب لو تاب سيعفو عنهم الرّبّ ويغفر لهم.
هدف الرّسول/الخادم ليس التباهي بالخدمة مظهر اجتماعي أو الحصصول على نعمة في عيني النّاس أو سد وقت الفراغ أو نوع من التثقيف الدّيني، الهدف الحقيقي هو مسيرة توبة أقوم بها في علاقتي مع الرّبِّ يسوع، ومع الآخرين حيثُ انقل اختباري للآخرين وأدعوهم للتوبة.
4- رسل حملان:
” أرسلكم كحملان وسط ذئاب” (3) فالرّسل يتصفون بالوداعة والهدوء والطاعة، كالحمل الذّي يُساق للذّبح دون أن يفتح فاه. الرّسول كالحمل رسالته هو أن يُذبح للآخرين، على مثال ذبيحة الرّبّ يسوع الّتي قدمها الله الآب خاضعًا لإرادة البشر الشّريرة، حيثُ قدم ابنه ذبيحةً لكلِّ البشريّة.
لنكن حملان على مثال اسحق (تك 22: 1-14) الذّي كان يحمل حطب المحرقة، ولا يعرف أنَّه سيكون الذّبيحة، وذلك لأنَّه يسير مع أبيه، فلا يخاف شيئًا، حتَّى بعد أن وضعه على المذبح…. قد يتدخل الله في اللّحظات الأخيرة ويحمينا، وقد يقبل أن نقدم ذواتنا بكلِّ رضى مُحرقةً لجذب الآخرين، فما علينا سوى التسليم التام لإرادة الله في حياتنا.
5- سلطان الرّسل:
إنَّ سلطان الرّسل أقوى من سلطان الملوك والرّؤساء وأصحاب الأموال والنّفوذ ” ها أنا أعطيكم سلطانًا لتدوسوا الحيّات والعقارب وكلَّ قوّة العدو ولا يضركم شيء” (19) فسلطانهم يخترق النفس، ويقودها إلى التوبة ويحدد مصيرها الأبدي.
لكلِّ رسول قوّة تحميه، سور يحصنه ضد هجمات الشّرير، لأنَّه في مملكة الله، لا يستطيع أحدٌ أن يؤذيه. السّلطان الحقيقي الذّي بداخلنا هو إنَّنا على صورة الله ومثاله، فالله منحنا الإرادة والمحبَّة………..الخ
صـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــلاة
يا مَنْ أرسلتني ودعوتني رسولاً،
اجعلني رسولاً للحبِّ والفرح والسّلام،
أشركتني في كلِّ شيءٍ وأنا لا شيء،
أردت أن تكون وضيعًا لتجعلني إلهًا،
اقبلني رسالةً منك للآخرين…
رسالة توبة، رسالة حمل، رسالة سلام
رسالة تخترق قلب كلّ إنسانٍ.