stay connected

- Advertisement -
الكنيسة الكاثوليكية بمصر

construct design

Travel

كتابات القراء

ضميرنا هو برهان الله

1.3kviews

26032006332

نتحدث أحيانًا عن الله وكأنه اكتشاف ما نُعلم عنه الآخرين أو كأنه مكان نحدثهم عنه ليزوروه. ليس هذا الحدس الذي يميز المتصوفين في معرفتهم بشأن الله. أغسطينوس يقول أن الله “أكثر حميمية لذاتنا من ذاتنا”. حضوره عميق في قلوبنا وكأنه قلب قلبنا. يقول أحد آباء المجمع الفاتيكاني الأول، الكاردينال دُشامب: إن الشهادة لله هي كامنة في ذواتنا (Testimonium Dei in nobis habemus).

يجب أن ندرك في المقابل أن حدس الله لا يأتي كشعور سطحي أو مباشر، فهو ليس “اقشعرارًا”. لنفهم ذلك يمكننا أن نستعين بمثل النور: النور هو الوسيط الذي من خلاله نرى الأشياء. بفضل النور تضحي الأشياء نيرة ومرئية. ولكن المفارقة هي هذه: النور بحد ذاته لا نراه ما لم يسطع على شيء (بما في ذلك شبكة عيوننا). الدليل على ذلك أنه إذا مر النور في غرفة من نافذة ولم يعترضه حاجز، يخرج من النافذة المقابلة دون أن ينير الغرفة. نعرف أن هناك نور بسبب الغبار المتصاعد في الهواء.

سننظر اليوم في المسيرة التي يقدمها الطوباوي جون هنري نيومان للحديث عن الله انطلاقًا من الضمير.

ينتقد نيومان أطروحة وخلاصة ديكارت الشهيرة – أفكر إذاً أنا موجود – قائلاً أنه لا يمكن أن يكون حدسنا لذواتنا ثمرة استنتاج. فـ “الأنا” هو كامن في كل فكرة وكل فعل نقوم به. لهذا يتحدث نيومان عن هذا الوعي كـ “شاهد النفس”. النفس تشهد لنفسها، ولا تحتاج لوسائط أخرى.

انطلاقًا من هذا الوعي ومن القاعدة الأخلاقية الكامنة في النفس، يتحدث نيومان عن درب وصفه الكاردينال راتزنغر حينها بـ “درب الضمير نحو الله”. كيف تتم هذه النقلة النوعية؟

في ضميرنا نجد قاعدة أخلاقية مبدئية تدفعنا إلى اختيار الخير ورفض الشر (علمًا بأنه يمكننا تشويه هذ الخيار وتحويره). ونيومان يلاحظ أن هذه القواعد المبدئية، لا تأتي من ذواتنا. فالضمير لا يخلقها بل هو شاهد لوجودها في ذاته. ومن هنا يستنتج مستعملا بعض التشابيه:

“كما أن نور الشمس يشير إلى أن هناك شمس في السماء حتى وإن استترت وراء الغيوم” و “كما أن صوت القرع على الباب يقول لنا أن هناك أحد وراء الباب مع أننا لا نراه” كذلك في ضميرنا، هناك صدى يشير إلى صوت يتردد صداه، وهذا الصوت هو صوت “معلم غير مرئي”.

لهذا يفيض نيومان بالحديث عن الضمير فيصفه بـ “معلم الدين الباطني” و “ممثل المسيح الأصيل”.

ولعل النص الأبسط الذي يقدمه نيومان هو الذي يأتي من كتابه “كاليستا” الذي هو عبارة عن رواية تتحدث عن اكتشاف فتاة أمية للإيمان بالمسيح بعد أن كانت وثنية. في جدال بينها وبين فيلسوف وثني، تشرح الفتاة فكرتها عن حدسها لله:

“أشعر بهذا الإله في قلبي. أشعر بحضوره. فهو يقول لي: افعلي هذا، لا تفعلي ذلك. يمكنكم أن تقولوا لي: هذه مجرد شريعة من شرائع طبيعتك، تمامًا مثل الفرح أو الحزن. لا يمكنني أن أقبل ذلك. كلا، هو صدى شخص يتحدث إلي. ما من شيء يستطيع أن يُقنعني بأن هذا الصوت لا يأتي من شخص مختلف عني. فهو يحمل في ذاته برهان طبيعته الإلهية. وأنا أشعر نحوه المشاعر نفسها التي أشعرها نحو شخص عزيز. عندما أطيعه، أشعر بالفرح. عندما لا أطيعه أشعر بالحزن…. الصدى يشير إلى صوت، الصوت يشر إلى شخص يتكلم. ذلك الشخص أنا أحبه وأهابه”.

روما, (زينيت) د. روبير شعيب