طُوبَى لِلْجِيَاعِ وَالْعِطَاشِ إِلَى الْبِرِّ، لأَنَّهُمْ يُشْبَعُونَ – الأب وليم سيدهم
طُوبَى لِلْجِيَاعِ وَالْعِطَاشِ إِلَى الْبِرِّ، لأَنَّهُمْ يُشْبَعُونَ
لقد بلغ عدد الفقراء في بلد مثل مصر عام 2019 حوالى 60 مليون وتحديدًا الفقير هو من يصرف دولارين في اليوم فقط، لا تحدثنى عن سبب إفقار هؤلاء الناس، أنظر فقط لما يحدث في صحراء البلاد من طولها وعرضها لتجد المشروعات القومية العملاقة القائمة في صحراء البلاد وتعرف فورًا أين ذهبت أموال الفقراء، هي ضرائب فرضتها الدولة عليهم لدرجة لم يبقى لهم أكثر من دولارين.
يبدو إن الملك السماوى قد باعنا إلى الملك الأرضي ليفعل بنا ما يشاء، ورغم تصريحاته العنترية عن الإيمان بالله والعمل بما يرضي الله، فإننا نتسائل عن أى إله يتحدثون؟! إله فساد الذمم أم إله المجد الباطل أم إله الأنانية والاستغلال.
إن الإشكالية الإيمانية التى نعيش فيها قديمة/ جديدة هى كيف نصبح مواطنين صالحين وأنقياء أي مؤمنين حقيقة؟ إن كل عطايا الله من أرض وماء وخبز وملبس وسكن يتحكم فيها أصحاب السلطان والصولجان، فهل يرضي الرب ما يحدث؟ وماذا نفعل نحن المؤمنين الغلابة؟
هذه الإشكالية عاشها يسوع منذ الفين عامً في فلسطين المحتلة، ومن هنا قال حينما طُلبت منه الجزية: ”أَعْطُوا مَا لِقَيْصَرَ لِقَيْصَرَ وَمَا للهِ للهِ” (مر 12: 17)، ولهذا كسر الخبز لآلاف الجوعي وقال لتلاميذه: ” أَعْطُوهُمْ أَنْتُمْ لِيَأْكُلُوا” (لوقا 9:13) ، وإختار 12 رسولًا ليؤهلهم لحركة تغيير باطنية تؤهلهم لخوض معركة لا هوادة فيها مع الممارسات البغيضة المعتمدة على شريعة موسى، التطبيق الحرفي لوصايا الله مثل حفظ السبت والصيام والصلاة والصدقة على الطريقة الفريسية المفارقة لواقع ملايين الفقراء.
إن البشارة بيسوع مخلصًا لم تتم في سهولة ويُسر بل بناء على تضحيته بالمال والوقت والعرق والتعرض للموت والعذاب، فهذا نيرون يقدم المؤمنين بالمسيح للحيوانات المفترسة وبولس يتعرض لمؤمرات اليهود المتعصبين وأنتشرت المسيحية في أنطاكية وآسيا وروما والإسكندرية.
فلمدة ثلاثمائة سنة كان المؤمنون من المسيحيين الأوائل يمارسون صلواتهم وتجمعاتهم في المقابر وفي البيوت مصرين على اتباع وصايا الله التي تجلت في تجسد يسوع المسيح في عالمنا.
وكان الرب معهم ينقذهم من أيدى الأشرار ويرافقهم على درب الآلام الذي ابتلاهم به المؤمنون الرومان، ويتقبل عطاياهم التي غالبًا ما كانت حياتهم الشخصية على مذابح الطغاة والمتعصبين من الوثنيين واليهود وعلى طريقة سيّدهم الذي قدم ذاته ذبيحة على الصليب طالبًا العفو عن جلاديه “اغْفِرْ لَهُمْ، لأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ مَاذَا يَفْعَلُونَ” (لو 23: 34( هكذا فعل الشهيد الأول القديس إسطفانوس الذي جاءت قصة إستشهاده في سفر أعمال الرسل، وهكذا فعل دقلديانوس ونيرون ويبلاطس وغيرهم، لم يكن سهلًا على الأباطرة ورجال السلطة أن يقنعوا المسيحيين الأوائل بالتنازل عن إيمانهم بالمسيح القائم من بين الأموات، ففضلوا الموت على السجود للأباطرة والحصول على حياة سهلة مريحة في أحضان القصور الفارهة والحياة المترفة.
هؤلاء الفقراء من كل أمة وثقافة لم يطمعوا في مال أو جاه أو سلطان لأن يسوع المسيح ملأ حياتهم كاملة، فأصبح هو المأكل وهو المشرب وهو الهيكل وهو المريح وهو الحبيب الذي بدونه لا معنى لحياتهم.
ومما يزيد إيماننا اليوم بهؤلاء الشهداء والقديسين أنه في القرن الواحد والعشرين مازال يتساقط الشهداء في مصر وفي أفريقيا وفي ليبيا وفي السعودية وفي العراق وفي آسيا وفي استراليا والسبب هو هو عشق المخلص المصلوب والإقتداء بموته وقيامته.
إن الله أحب الفقراء دائمًا في العهد القديم وفي العهد الجديد، وها هم الفقراء يردون على هذه المحبة المجانية فيقدمون أنفسهم ذبائح مرضية لتكفير خطايانا وخطايا جلاديهم.