عقيدة الحبل بلا دنس-إكليريكي/جوزيف منير
عقيدة الحبل بلا دنس-إكليريكي/جوزيف منير
قدمة:
– تندرج هذه العقيدة تحت العقائد الخاصة بأمِّنا مريم العذراء ألا وهي:
* دوام بتولية العذراء. * انتقال مريم العذراء بالنّفس والجسد إلى السّماء. * مريم العذراء والدة الإله (ثيئوطوكوس). – هناك علمٌ خاص بمريم العذراء يُدعى بـ (الماريولوجي) Mariology. – أسماء أخرى للعقيدة ” مريم المنزهة عن الخطيئة الأصليّة ” أو ” مريم المنزهة عن كلِّ عيبٍ “.
· أفكار خاطئة عن العقيدة:
– يظن البعض خطأ أن المقصود بهذه العقيدة هو الحبل بيسوع في بطن مريم بدون زرع بشر، ولكن المقصود بـ” الحبل بلا دنس” هو الحبل الطاهر بمريم العذراء في بطن أمها حنة منذُ اللّحظة الأولى. -يظن البعض الآخر أنَّ مريم العذراء طاهرةٌ من الفعل الجنسي لأبويها يواقيم وحنة، على أن هناك دنس وخطيئة في الزّواج. وهذا ظنٌ خاطىء لأن الله قدّس الزّواج قائلاً: ” فخلق الله الإنسان على صورته… ذكرًا وأنثى خلقهم. وباركهم الله وقال لهم اثمروا واكثروا واملأوا الأرض…” (تك1: 27-28) وهذا كان قبل السّقوط مما يشير إلى قدسية الجنس داخل الزّواج، كما أن يسوع دُعي هو وتلاميذه لحضور عرس قانا الجليل.
· إعلان العقيدة:
– أعلن البابا بيوس التاسع عقيدة الحبل بلا دنس في 8 ديسمبر 1854م أي منذُ 154عامٍ، وهذا نُصها: ” إكرامًا للثالوث الأقدس، واحترامًا وتكريمًا للعذراء مريم، وارتفاعًا للإيمان الكاثوليكي، وتنميةً وازدهارًا للدّيانة المسيحيّة، نعلن ونلفظ أنّه تعليم مُوحى به من الله، ذلك الّذي يُعلّم أنَّ كلية الطوبى مريم، حُفظت معصومة من كلِّ دنس الخطيئة الأصليّة، منذُ أول لحظة من الحبل بها، بنعمة خاصة وامتياز من الله القدير، ونظرًا إلى استحقاقات يسوع المسيح فادي الجنس البشري، وعلى كلِّ المؤمنين أن يؤمنوا بذلك بثبات وعلى الدّوام.”
· تفسير نص العقيدة: – مريم العذراء وُلدت من والدين بشريين (يواقيم وحنة)، ومن خلال علاقتهما الزّوجيّة العادية. – برّرها الله من الخطيئة الأصليّة منذُ أول لحظة لتكوينها في بطن أمها. – هذه النّعمة وهبها الله لمريم دون استحقاق وبطريقة استثنائيّة لم تُعطى لأحد غيرها. – الله هو المانح وباستحقاقات المخلّص. – السّبب هو إعدادها لتكون أمًّا لله. – استحقاقات الفداء عملت فيها كمناعةٍ وعصمةٍ من الخطيئة الأصليّة. – استفادت مريم من نفس الخلاص، ولكن في توقيت مختلف كوقايةٍ وليس علاج. ·
مفهوم الخطيئة الأصليّة
– ليست الخطيئة الأصليّة هي الفعل الجنسي بين الرّجل وامرأته، لأنَّ ذلك الفعل الجنسي هو تميم لإرادة الله: “… اثمروا واكثروا واملأوا الأرض…” (تك1: 28) – لا يمكن أن تتوارث الخطيئة عن طريق الجسد (من آدم لجميع البشر) بالتوالد والتناسل بالدّم. – الخطيئة الأصليّة هي حالة الطبيعة البشريّة الخاطئة في حق الله، ينغمس فيها كلُّ إنسانٍ باعتباره فرد من أفراد الطبيعة البشريّة الخاطئة، يتوارثها البشر عبر الأجيال ضمن مجموعة العناصر النّفسيّة الّتي تكوّن بشريتهم، في لحظة إفاضة النّفس البشريّة في المادة الجسديّة. – الخطيئة الأولى هي خطيئة العصيان أي عدم سماع الله، وهذا ما قام به أبوينا الأولين آدم وحواء، وليس العلاقة الزّوجيّة والإنجاب. – برغم أنَّ العذراء معصومة من الخطيئة الأصليّة، ولكنها لم تُعصم من ملحقات الخطيئة أي الألم والعذاب. – العماد يطهرّ الإنسان من الخطيئة الأصليّة.
· براهين وإثباتات العقيدة: -البرهان الكتابي:
” وأضع عداوةً بينكِ وبين المرأة وبين نسلكِ ونسلها. هو يُسحق رأسكِ وأنتِ تسحقين عقبه.” (تك3: 15) – المرأة هنا ليست حواء؛ لأنَّ حواء سمعت وأطاعت كلام الحية. – المرأة هنا ليست الكنيسة؛ لأنَّ المسيح ليس من نسل الكنيسة، بل هو مؤسس ورأس الكنيسة. – المرأة هنا تشير الى مريم العذراء؛ لأنّها الوحيدة الّتي لم تتجاوب مع كلام إبليس، ونسل العذراء هو يسوع المسيح الّذي سحق رأس الشّيطان في التجارب (مت4: 1-11)، وعلى الصليب. ” فدخل إليها الملاك وقال سلامٌ لكِ أيُّتها الممتلئة نعمة. الرّبُّ معكِ…” (لو1: 28) – ” يا ممتلئة نعمة ” اللّفظ الأصلي للنّص اليوناني لـ ك.م، ويشير لحدث تم في الماضي ومازال مستمر (ماضي مستمر)، فالعذراء مريم ممتلئة نعمة ومنزهة عن الخطيئة الأولى منذُ اللّحظة الأولى للحبل بها في بطن أمها.
– ” كلُّكِ جميلٌ يا حبيبي ليس فيكِ عيبةٌ ” (نش4: 7)
– بعض الشّواهد (نش2:2 – 4: 1، 12 – 6: 9 )، (بن سيراخ 2: 5).
* أقوال آباء الكنيسة:
– ” من سمع قط أن أحد مهرة المهندسين بعد أن يكون شيد لذاته بيتًا خاصًا به، يعطيه لعدوه اللّدود حق التملك والاستيلاء عليه.” (ق كيرلس الإسكندري)
– ” إنَّكما أنتَ وأمكَ وحدكما جميلانِ كلَّ الجمال من كلِّ وجهٍ إذ ليس فيكَ يا سيدي عيب، ولا في أمِّكَ دنس.” (ق أفرام)
– ” إنَّ الله تدخل بفعل مباشر لتقديس حبل حنة بوالدة الإله.” (أحد الرّهبان)
– ” فمن الطاهر خرج طاهرًا من أحشاء طاهرة، جعلها هو بالذّات طاهرة.” (ق إيريناوس)
– ” إنَّ حبل حنة مقدس، وأنَّ مريم هي ابنة الله… هي باكورة طبيعتنا، بها تستعيد البشريّة جُبلتها الأولى… لأنَّ جسدها تربة اعتجنها الله بنفسه، ولأنَّها الصورة المماثلة للجمال الأولى… العذراء منزهة تمامًا عن كلِّ دنسٍ…” (البليقة)
– ” إنَّ الفادي ولج أحشاء مريم المتألقة طهرًا، المعصومة من كلِّ لوثةٍ في النّفس والجسد والعقل، البريئة من الدّنسِ.” (صفرونيوس بطريرك أورشليم 638م)
– ” إنَّ مريم… سحقت شوكة الثّعبان الجهنمي، إنَّ دخان الشّهوة لم يبلغ إليها، ودودة الأهواء لم تنفذ قط إليها… هي الفرع المنزه طبعًا عن كلِّ شائبةٍ.” (هيذيكيوس كاهن أورشليمي)
– ” إنَّ مريم العذراء كانت على الدّوام رهنًا للمسيح وخاصته، حتى وهي في أحشاء أمها.”(ق أمبروسيوس)
– ” هل من المعقول أن يُعطي الله النّعم لحواء أمنا الأولى فتأتي الى العالم بريئة العيوب، ولا يُعطي هذه النّعم نفسها لمريم العذراء أمه ؟ ” (ق أنسلموس)
– ” إنَّ العذراء طاهرةٌ وحدها نفسًا وجسدًا، فهي الكلية القداسة، النّقيّة، الّتي لا عيب فيها، كلها نعمة، كلها نقاء، بلا دنس ولا شائبة.” (مار أفرام السّرياني)
– ق اندرواس الكريتي 740م لّخص العقيدة في 4 نقاط:
1- الحبل بأمِّ الله وميلادها مقدسان، وإن جرى كلاهما بحسب النّاموس الطبيعي.
2- مريم هي ابنة الله على وجهٍ خاصٍ، فهيمن الله بوجهٍ خاصٍ على الحبل بها.
3- مريم باكورة البشريّة المجددة، فزينها الله بالجمال الأول.
4- سبب وقايتها هو غير السّبب الّذي يحتم الموت على جميع النّاس.
* ظهورات العذراء مريم نفسها:
– ملحوظة: قبل إعلان أي ظهور لأحد القديسين تقوم الكنيسة الكاثوليكيّة بالآتي:
1- يتخلل الظهور رسالة من القديس للشّخص الّذي يظهر له.
2- تحقيق معجزة وفحصها علميًا.
3- الكشف عن حالة من ظهر له أحد القديسين من الحالة النّفسيّة والعقليّة.
* الظهور الأول:(قبل إعلان العقيدة 1825م)
– ظهرت العذراء لأحدى راهبات المحبة في باريس تُدعى (كاترين لابوريه) في صورةٍ بهيةٍ مُحاطة بالنّور، يداها تبعثان أشعة على الكرة الأرضيّة، ساحقة برجليها رأس الحية، ويحيط برأسها 12 نجمة مضيئة، حولها كتابة من نورٍ:” يا مريمُ الّتي حُبل بها بلا دنس صلي لأجلنا نحن الملتجئين إليكِ. ” طلبت العذراء صك أيقونة تمثل ما شاهدته (الأيقونة العجائبيّة).
* الظهور الثّاني: (بعد إعلان العقيدة 1858م)
– ظهرت العذراء لبرناديت في مغارة لورد بفرنسا في شهر فبراير أكثر من 15 مرة، وعندما سألتها برناديت عن اسمها، أجابت العذراء قائلةً: ” أنا هي الّتي حُبل بها بلا دنس”.
· اعتراضات على العقيدة:
1- إذا كانت العذراء مريم وُلدت بدون خطيئة، فما الفرق بينها وبين يسوع ؟
– فرقٌ شاسعٌ. عصمة يسوع من كلِّ خطيئة هي حقٌ وواجب له، باعتباره إلهًا منزهًا عن كلِّ خطيئةٍ. أمّا نقاء مريم العذراء وبراءتها من الخطيئة الأصليّة فهو إنعام مجاني وفريد من الله لمن ستحبل وتلد كلمة الله المتجسدة.
2- كيف تكون ذرية آدم ورثت الخطيئة وصاروا مديونين لله ماعدا العذراء مريم كيف يتأتى هذا ؟
كيف تستفيد مريم العذراء من الخلاص الّذي حققه المسيح على الصليب قبل أن يحدث ؟
عقيدة الحبل بلا دنس تفصل مريم العذراء عن البشريّة، فلا تجعلها تتضامن معها في الخطية ! س هل هناك طريقة أخرى خلاف دم المسيح المسفوك على عود الصليب تستطيع أن تخلّص الإنسان من الخطيئة الأصليّة ؟ فإذا كان تم ذلك مع العذراء فلماذا لم يخلّص الله بقية البشر بهذه الطريقة دون الصليب ؟
– الله اختار مريم العذراء لتكون أمًّا لابنه يسوع المسيح، وباستحقاقات يسوع المسيح أصبحت معصومة من الخطية في اللّحظات الأولى لتكوينها في أحشاء أمها، لتكون شريكة لله في الخلاص (سر الفداء). – عندما تقول العذراء “تبتهج روحي بالله مخلّصي” يعني أنَّ الله وقاها وحماها من السّقوط في الخطيئة (مثال افتداء إنسان قبل وقوعه في كارثة) على عكس جميع البشر فالخلاص هو علاج ودواء لهم من الخطيئة (مثال إنسان ينقذ غريق كان على وشك الغرق، إنسان يطلق سراح مسجون كان في السّجن).
– خلاص العذراء هذا ليس لأنَّها تحت طائلة الخطيئة الأصليّة، ولكنها إعدادًا لتكون أمًّا لله، إناءً طاهرًا ليسوع المسيح. فمريم العذراء هي أول من نالت الخلاص لتصير معه شريكة في الخلاص. – نحن نعلم أنَّ خلاص البشر تم على الصليب، ولكن الله هو واضع الزّمن، وكلُّ شيءٍ عنده حاضر، لا يوجد لديه ماضٍ أو مستقبل، فخلاص يسوع هو فوق الزّمان والمكان: فالله طهر إرميا وهو في بطن أمه: ” قبلما صورتك في البطن عرفتك وقبلما خرجت من الرّحم قدّستك…” (إر1: 5) كذلك طهر يوحنا المعمدان في بطن أمه: ” لأنَّه يكون عظيمًا أمام الرّبِّ وخمرًا ومُسكرًا لا يشرب. ومن بطن أمه يمتلىء من الرّوح القدّس.” (لو1: 15) فكم بالأحرى أمّ الله يقدسها ويطهرها؛ ليتجسد يسوع في أحشائها.
– مريم العذراء تضامنت مع البشر في تحمل عقوبة الخطيئة من الألم والعذاب، بالرّغم من أنَّها لم ترتكب أي خطيئة، على مثال يسوع ” شابهنا في كلِّ شيء ماعدا الخطيئة”، وتحمل عنّا ثقل الخطيئة على عود الصليب.
– الله هو الّذي يضع القاعدة ويستثني منها ما يريد هو لخطة الخلاص.
3- إذا كانت العذراء هي الّتي سحقت رأس الشّيطان. فماذا كان الدّاعي إلى تجسد السّيد المسيح وماذا عمل بنزوله من السّماء وموته على الصليب ؟
– مريم العذراء لا تقلل من عمل المسيح الخلاصي وسحقه للشّيطان، فهي ليست المرجع لخلاص البشريّة. فالمرجع الأول والأخير هو يسوع المسيح، فمريم العذراء هي شريكة الله في الخلاص، معدة من قبل الله في مخططه الخلاصي.
4 – إنَّ هذه العقيدة ظهرت أيام البابا بيوس التاسع 1854م أي منذُ 154عامٍ، ولم تكن مرعيةً من ذي قبل، فهل كانت الكنيسة تحيا دون هذه العقيدة من قبل ؟
– علم اللاهوت لم يتوقف في مرحلةٍ ما حتى وإن لم يكن في اكتشاف لهذه العقيدة، روح الله يرشد محبيه في الوقت المناسب له فمثلاً يسوع عندما سأل تلاميذه: “… وأنتم من تقولون إنَّي أنا ؟” كان يسوع يريد معرفة ما هي درجة معرفة التلاميذ عنه… فالتلاميذ أنفسهم في مسيرتهم مع يسوع لم يعرفوه حقيقة إلاّ بعد القيامة. فلماذا لم يعرفوه وهو قائم وسطهم… أليس هذا ناتج من مخطط الله.