فى رسالة الكلية الاكليريكية : ” الكاهــــن .. الهـــــوية والرســـــــالة “
اكليريكة القديس لاون الكبير بالمعادى ، مؤسسة التكوين الأولى فى الكنيسة القبطية الكاثوليكية . فهى المشتل الذى تنمو فيه الدعوات الكهنوتية حيث تطلع الاكليريكية برسالة الحفاظ على جذوة الإيمان مشتعلة فى الكنيسة ، عن طريق تكوين اجيال من الكهنة الصالحين الغيورين ، الذين يحملون رسالة الخلاص للمسكونة كلها . بهذه الكلمات تعرّف كلية العلوم الانسانية واللاهوتية نفسها إلى ابناء الكنيسة الكاثوليكية بمصر ، وذلك عبر النشرة الإعلامية الصادرة عنها مؤخراً على هامش الاحتفال بيوم الاكليريكية ، والذى تخصصه الكنيسة القبطية الكاثوليكية ، للصلاة والتعضيد لرسالة الكلية الاكليريكية الجليلة .
إلى جانب النشرة التعريفية السابقة ، قدمت أسرة الكلية الاكليريكية لأبناء الكنيسة فى شخص الفاضل الاب بيشوى رسمي رئيس الاكليريكية ، تأملاً انجيلياً عميقاً حول دعوة الكاهن وهويته ورسالته فى حياة الكنيسة ، انطلاقاً من الآية الانجيلية ” مأخوذ من الناس ويقام لأجل الناس ، فى صلتهم بالله ” ( عب 5 / 1 ) . يروق لى فى هذه المناسبة المباركة أن اقدم للقارئ الكريم بعض مقتطفات من التأمل الروحي .
يُفتتح التأمل فى ضوء الاحتفال بيوم الاكليريكية ، ويقول الأباء : ” ونحن نحتفل هذا العام بيوم الاكليريكية ، الذى اعتدنا أن نحتفل به مع كل كنيستنا القبطية الكاثوليكية فى بداية الصوم الأربعيني المقدس ، نضع أمام حضراتكم للتأمل ، بعض الأفكار حول موضوع ” الكاهن ” كما يقدمها لنا الكتاب المقدس ” مأخوذ من الناس ويُقام لأجل الناس ، فى صلتهم بالله … ” بهذه الكلمات يكشف لنا كاتب الرسالة إلى العبرانيين ، عن جوهر وهوية الكاهن ، عندما يتحدث عن ” الحَبر ” أو ” عظيم الكهنة ” . الكاهن هو شخص بشري ، إنسان ، مثل بقية الناس مفروز من الله لرسالة خاصة ” .
عن معنى الكاهن مأخوذ من الناس ، يقول الأباء : ” هو مثل كل الناس يحمل فى ذاته قوة وضعف كل إنسان ، هموم وأتعاب ، آمال وطوح ورجاء البشر والبشرية المأخوذ منها ، يتساوى مع الجميع فى احزانهم وأفراحهم ، يشعر ويحس ويجرَب مثلهم . له ما لهم وعليه ما عليهم ، لا يختلف في شئ عن الآخرين ولا يمتاز عنهم ، وليس له فضل فى الدعوة التى دُعى إليها ولكن هى نعمة الله التى تفرز وتختار ، لستم أنتم الذين اخترتتموني بل انا الذى اخترتكم أقمتكم لتذهبوا وتأتوا بثمر ويدوم ثمركم لكى يعطيكم الاب كل ما طلبتم باسمي ( يو 15 / 16 ) . إنسان ككل الناس لذلك فهو قادر أن يشعر بأحوالهم يرثى لضعفهم يشفق عليهم لأنه منهم . قادر أن يترفق بالجهال والضالين ، إذ هو أيضاً محاط بالضعف ” .
وحول أن الكاهن يقام من أجل الناس ، تقول اسرة الاكليريكية : ” عندما نقرأ الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد لا نجد فى اى نص من النصوص الكتابية التى تُحدثنا عن الدعوة مدعواً واحداً ، نبياً كان أو رسولاً ، كاهناً أم تلميذاً ، اختاره الله وقدسه لشخصه أى لشخص المدعو ذاته ، وإنما يدعو الله اشخاصاً ليكونوا فى خدمة الجماعة ، شعب الله ، الكنيسة جماعة المؤمنين . وحتى اختيار شعب العهد القديم ، الشعب المختار ، الذى اختاره الله من بين الشعوب ليس اختيار التفضيل والامتياز والتعالي على بقية الشعوب وإنما هو اختيار ليكون فى خدمة بقية الشعوب وليكون شاهداً لله بين بقية شعوب الأرض ، أنتم شهودي يقول الرب ( اش 43 / 10 ) ، هذه الرسالة التى لم يفهمها الشعب المختار . فالمدعو والكاهن بصفة خاصة هو شخص دعاه الله من بين البشر ليكون فى خدمة هؤلاء البشر إخوته . الكاهن هو خادم الجماعة يُقام فى الجماعة لخدمتهم ورعايتهم وتدبيرهم وهو ليس سيداً عليهم أو زعيماً فيهم ” .
وعن دور الكاهن فى العلاقة بين الله وشعبه ، يذكر التأمل : ” إن خدمة الكاهن ورسالته الحقيقية تكمن فى أنه حلقة الوصل بين الناس والله ، وسيط وخادم أسرار الله ، الذى يرفع القرابين والصلاة لله من أجل جماعته التى يصلى معها ومن أجلها لينال لها بركة الرب ، فهو يمثل الجماعة التى يصلي من اجلها إلى الله وهو خادم الله الذى يعمل ويتحدث عن لسانه “
ويختتم الأباء المكونين الرسالة بالقول : ” إن الدعوة الكهنوتية وخدمة الكهنوت المقدس هى اسلوب حياة فيه اتباع كامل لله يضفي على حياة الكاهن معنى عميق ويدخله فى سر الله ، بهذا التكريس يصبح الكاهن أخاً لكل إنسان ، ويداً لله توزع النعم والبركات بصفة خاصة فى الاحتفال بالأسرار المقدسة ” .
إلى هنا ، تنتهى المقتطفات التعليمية التى اقتبستها من تأمل اباء الاكليريكية حول دعوة الكاهن ورسالته ، أردت ان أضعها امام أبناء الكنيسة خلال زمن الصوم الاربعينى المقدس ، حيث المناخ الروحاني الفريد الذى تعد التوبة – الفردية والجماعية – أبرز غاياته حتى تكون كلمات رسالة الإكليريكية إلى أبناء الكنيسة ، بمثابة صلاة قلبية ، ربما تقود إلى مراجعة للذات ، وتجديد للسلوك ، وربما تحمل نداءاً خافتاً لباحث يتلمس طريقه فى السير على هدى المعلم الإلهي . ومن كان له أذنان تسمعان ، فليسمع .
ناجح سمعـان