« فَتَعجَّبَ اليَهودُ وقالوا : كَيفَ يَعرِفُ هذا الكُتُبَ ولَم يَتَعَلِّمْ ؟ » القدّيس يوحنّا الذهبيّ الفم
القدّيس يوحنّا الذهبيّ الفم (نحو 345 – 407)، بطريرك أنطاكية ثمّ القسطنطينيّة وملفان الكنيسة
العظة 49
« فَتَعجَّبَ اليَهودُ وقالوا : كَيفَ يَعرِفُ هذا الكُتُبَ ولَم يَتَعَلِّمْ ؟ »
من خلال عدم ذهابِه إلى العيد في أيّامِه الأولى، بل انتظارِهِ إلى حينَ بلَغَ إلى أوسَطِه، كما لاحظَ ذلك الإنجيليّ، أرادَ ربُّنا بهذا التأخير أن يجعلَ اليهود أكثر انتباهًا إلى تَعليمِه. في الواقع، أولئكَ الذين بَحثوا عنه في الأيّام الأولى، رَأوه فجأةً أمام أعيُنِهم. وبالرغم من آرائهم المُسبَقة، أكانوا يعتَبِرونَه رجلاً صالحًا أو مُضلِّلاً للشعب، فقد كانوا يميلون تلقائيًّا إلى إظهار اهتمام أكبر بتَعليمِه: البعض لتَأمُّلِه وللاستفادة منه، والبعض الآخر لمُفاجَأتِه وللنيلِ من شخصِه…
ما كان موضوع تعليمه؟ لم يذكر الإنجيلي شيئًا عن هذا الموضوع. لكنّه أخبَرَ فقط أنّه كان يعلِّمُ بطريقة مدهشة، لأنّ تعليمَه كان يَتميَّز بأنّه تعليمُ إنسانٍ لديه سلطان إلى حدّ أنّ أولئك الذين كانوا يتَّهمونَه بتضليل الشعب، غيّروا آراءهم وبدوا مُندَهشين تمامًا. “فَتَعجَّبَ اليَهودُ وقالوا: كَيفَ يَعرِفُ هذا الكُتُبَ ولَم يَتَعَلِّمْ؟” لاحظوا كيف كانَتْ دهشتُهم مُتَّسِمةً بالحيلة؛ في الواقع، لم يُخبِرنا الإنجيلي بأنّ تعليمَه هو الذي أثارَ دهشَتهم، بل كانَ هنالك سببًا آخر، وهو اكتشاف كيفيّة اكتسابِه هذه المعرفة كلِّها.
نتيجة هذا التردّد وهذه الشكوك، كان يجب أن يَتَوصَّلوا إلى الاستنتاج التالي: إنّ المعرفة التي كانتْ لدى المُخلِّص لم تكن من مصدر بشري، بل من مصدر إلهي. لكنّهم اكتَفوا بإبداء الدهشة، لأنّهم رفَضوا التوصُّل إلى هذا الاستنتاج. لذا، قام الرّب بإيضاح هذا الأمر حين أجاب: “لَيسَ تَعليمي مِن عِندي بل مِن عِندِ الَّذي أَرسَلَني”.