stay connected

- Advertisement -
الكنيسة الكاثوليكية بمصر

construct design

Travel

روحية ورعويةموضوعات

كما يشتاق الأيل .. هكذا تشتاق نفسي اليك – الأب وليم سيدهم

2.9kviews

كما يشتاق الأيل .. هكذا تشتاق نفسي اليك

حينما يهرب الإحساس من كيانك كله إلا حلقك، حينما ينشف ريقك ويصبح لسانك في حلقك كالإسفنجة التى ‏جفت عنها المياه، وتشعر بعدم الرغبة وعدم القدرة على عمل شيء إلا واحدًا .. الشرب، الاترتواء، تغذية ‏الشرايين والجسم كله ببعض قطرات الماء.‏
هذا هو الاشتياق، الاشتياق إلى الإرتواء من الماء الحي، الماء الجاري وليس الماء الآثن، حينما يستنفذ الجسم ‏كل مخزونه من المياه يصبح كالسيارة التى جف صندوق الماء فيها سيلتهمها الحريق بسبب نقص المياه.‏
هذا الإشتياق إلى الاتحاد بالماء ليعود الجسد إلى نضارته وبقية الأعضاء إلى العمل المعتاد، هو اشتياق ‏الإنسان إلى الله، إلى خالق وصانع الحياة لأن الاعتماد على قواه الذاتية كاد ينضب لم يبقى في جعبته شيء ‏يروى ظمئه إلى الحياة إلى ينبوع الحياة الذي هو الله.‏
لن يتم هذا الإرتواء من حضور الله وفعله إلا في الصمت التام للمشتاق. إلا في تفريغ العقل والقلب والجسد ‏من الضجيج الناتج عن المعارك اليومية مع كل ظروف الحياة من مأكل وملبس ومسكن ولذة جنسية، وبعد ‏الصمت الداخلى والخارجي ندخل في مرحلة التسليم إلى الله، وبعد التسليم الإصغاء، والإصغاء الباطني ‏مصدره الأصوات التى تصل إلى مسمع المنصت واضحة ومتميزة تدعوه لفعل ذلك أو ذاك، إلى جانب ‏الصوت نجد الصور الذي تبثها المُخيلة، المواقف التى تختزنها الذاكرة والأحاسيس التي يبعث بها الوجدان.‏
كل هذه الصور والكلمات والأحاديث والشعور يجب أن تتمحور حول سؤال واحد: أين أنا الآن من الهي ‏ومخلصي؟ ماذا افعل لأرتوي من حضوره، لأرد على أسئلتي، لأحصل على السلام لأنجز أفعال التغيير ‏في َّ ومن حولي.‏
ما هي أولوياتى الآن بحسب ترتيبها في موقفي من الكون والله والإنسان؟ ‏‎”‎عَطِشَتْ نَفْسِي إِلَى اللهِ، إِلَى ‏الإِلهِ الْحَيِّ. مَتَى أَجِيءُ وَأَتَرَاءَى قُدَّامَ اللهِ ؟” (مز 42: 2‏‎(‎‏.‏
إن شغفي كله يتمحور حول هجر كيانى الشخصي ولو إلى حين لأسكن بيت الله. أين بيت الله؟ ربما يكون ‏الكنيسة أو المعبد وربما لا بل هو المكان المماثل لمكان “العليقة” التى تجلى فيها الله لموسى، وأنا أين عليقتي ‏حيث بدأت علاقتي مع خالقي. رحمة الله التي وصلتنى بالله؟ إنها لحظة الوصول الى ذروة الشعور بالشكر ‏لله على نعمته عليّ و زروة إتخاذ القرارات الجذرية: تكريس حياتى للذى أعطانى كل شيء في الوجود لأرد ‏له الجميل وأصبح أحد شركاءه الفاعلين على الأرض. نعم، حينما قررت الدخول إلى الرهبانية كانت هذه ‏رغبتى أن اسكن في قلب الرب.‏
والآن بعد 46 عامًا أجدد الرغبة والإشتياق نفسه إلى خدمة الله يغمرنى ويملأنى فرحًا. فمبكرًا جدًا عند سن ‏العاشرة وبسبب كلمة واحدة “هل تريد أن تخدم الله” كانت لحظة “الإنخلاع” من أرض طفولتى للإنزراع ‏في أرض غربتى، أرض الميعاد فارقة. تغيير المكان والزمان والإنفصال عن الأهل والأصدقاء والأمان ‏والحضن الدافي وعزوة الأسرة الممتدة والسمعة الطيبة .. إنها بداية التدريب على التجرد الفعلي عن الأب ‏والأم والأخوة والأخوات .. عن الأصدقاء ، عن العاب الطفولة وقصصها الجميلة.‏
سرير في عنبر هو كل ما أملك في المكان الجديد، وكرسي في فصل وكرسي لأوقات الدراسة ومكان في ‏الكنيسة وبعض أمتار في فناء الملعب، كل ذلك عهدة، لا أملك شيئًا ولا حتى نفس، فالطاعة هنا أساسي.‏
بالفعل لم يبق لي شيء ثابت وقوي أستند إليه. الله الذى أبحث عنه دائمًا والذى أشعر بحضوره السري دون ‏أن ألمسه بيدى هو الملجأ والملاذ الجديد وليس حضن الأم أو الأب أو الأعمام.‏
كان الأطفال مثلي قادمين من خبرة تجمعهم إلا أنا. أنهم قضوا طفولتهم من الابتدائي الى أن وصلوا أولى ‏إعدادى في المعادى في المعهد الإكليريكى في طهطا.‏
بدأت أكتشف مهاراتي الشخصية والإجتماعية خلال أوقات النوم في العنبر أو اللعب في الملعب أو الصلاة ‏في الكنيسة أو في غرفة الطعام وفي قاعات الدرس. ‏
كانت حياتى الروحية في قمتها.. لقد كنت أستعد للقاء الله وجهًا لوجه، هكذا قيل لي، كلما تقدمت في دراسة ‏اللاهوت والروحانيات أقترب خطوة من رؤية الله واللقاء به.‏
تعلمت أن الله يحبنى حتى لو لم أراه أنه قادر على كل شيء أنه يحمينى، أنه يشفينى، أنه كل شيء بالنسبة ‏لي.‏
صدقت كل ذلك وسرت على هواه .. إلى أن جاءت لحظة المراهقة والقدرة على التمييز بين كل ما يقال وما ‏يفعل ، المحبة ، المصالحة، الغفران، المشاركة.‏