الأب روماني أمين اليسوعى
لماذا يصبر الله على عالمنا الشرير؟ لقد أوجد الله الإنسان، وأحاطه بالعناية الإلهية الكاملة، ليكون كشجرة مثمرة صالحة، تأتي بالثمار التي يرجوها الله.
لكن كثير من الناس ينمون كأشجار عوجاء، لا تستقيم فوق جذوعها. وكثير من الناس ينمون كأشجار جافة، عيدان صلبة قاسية، تحمل أغصاناً جرداء، ترتفع كالحراب، بلا ورق ولا ثمر. وكثيرون يرتفعون كأشجار عظيمة مورقة، لكنهم بلا ثمر لا فائدة فيهم. ومع ذلك فإن هؤلاء جميعاً افضل من آخرين، ينمون في أرض الله، يمتصون رحيق الأرض، يأكلون خيرها ويستنزفون قوتها، ثم يثمرون ثماراً سامة، تقتل الآخرين. بل أن هناك من يتكتلون ويصنعون من أنفسهم غابة ضخمة مخيفة، تأوي الوحوش والهوائل.
هكذا نحن البشر في أرض الله، جعلنا بستان الله غابة، بها كل صنوف الشر! فهل يحرق الله الغابة كلها؟ يتبادر إلى أذهاننا احياناً، أن الله لابد أن يتخذ إجراء شديداً، مقابل هذا الشر الصارخ في عالم اليوم. وتأخنا الدهشة حين نرى سكوت الله وصبره على هذا الإنحراف في مسار الإنسان! هذا الإنسان الذي خُلق أصلاً ليعبد الله، ويحقق قصده في حياته!
لكن المحقق أن لله طريقاً آخرا غير طريق الإنتقام. ومن المحقق أيضاً أن بحيرة النار والكبريت التي تلقى فيها الأغصان الجافة لتحترق، ليست أول إجراءات الله، بل آخرها. ذلك لأن لطف الله بعباده، وحب الله لخليقته، يشفعان في الإنسان حتى آخر لحظة له على أرض هذا الكون؛ لعله ينتبه، فيجد سبيلاً للخلاص.
لا شك ان الله القدوس المطلق ، لا يقبل هذا الفجور، وهذا الشر الذي يصنعه الإنسان. ولا بد أن نار الغضب التي يستحقها الإنسان، يزداد سعيرها يوماً بعد يوم.
ولا بد ان العدل الإلهي المطلق، يريد أن يصب كأس الغضب، ويفني الإنسان المستهتر الفاجر الأثيم. لكن الله المحب الصبور، يمسك الكأس، ويحول دون إنسكاب الغضب، حتى يهيء للإنسان فرصة التوبة.
أن الله يريد أن يظهر قدرته أمام تحديات إبليس وأتباعه. ويريد أن يصب عليهم غضبه وانتقامه، لكن لطف الله يتدخل ليقتاد الشريد، والضال، والمخدوع، والتائه إلى طريق الحياة والخلود، والسعادة الأبدية. لكن للصبر حدود. وهذه الحدود ليست بالطبع حدوداً لله، لكنها حدود الإنسان، فحياته قصيرة، محدودة السنين والأيام والدقائق. فإذا انقضت هذه السنون كلمح البصر، أنتهت فرصة التوبة، وتعذر الرجوع، وضاعت على الإنسان فرصة الإستفادة من لطف الله وصبره.
والشيطان عدو البشر الأول يعلم ذلك، ولهذا فهو يُدخل الإنسان في متاهات من الأطماع المتلاحقة، والصراعات التي لا تنتهي قبل أن تُبتلع ايام العمر جميعها. وكلما استيقظالإنسان، وادرك حاجته إلى التوبة والرجوع إلى الله، اَدخل الشيطان في خاطره سلسلة من المتاهات الفكرية، والجدلية، والطقسية، فيتوه في سراديب العبادة الشكلية الجافة، التي تّضيع العمر، ولا تُدرك الخلاص.
الحاجةُ أذن إلى طريق واحد صريح مباشر إلى الله. هو طريق الخلاص الوحيد، الذي ندخل إليه من باب الرحمة المفتوح للجميع.
أن لطف الله معنا، وإمهاله لنا، وصبره على خطايانا وحتى على عبادتنا البشرية التقليدية إنما يهدف إلى إعطائنا فرصة أخيرة، لتصحيح خطأ العمر، والهروب من الموت الأبدي، واستجلاء طريق الحياة الجديدة، الذي يعلنه الله بروحه القدوس للتائب المخلص، حين يجثو على ركبتيه منفرداَ، ليصارح الله بخطاياه وشره، ويطلب أن يرشده إلى الخلاص الحقيقي، والحياة الحقيقية.
وطنى