stay connected

- Advertisement -
الكنيسة الكاثوليكية بمصر

construct design

Travel

عقائدية

مريم العذراء في الكنيسة المصرية – الأنبا/ أندراوس سلامه

4.3kviews

maria_immacolataمريم العذراء في الكنيسة المصرية – الأنبا/ أندراوس سلامه

مريم العذراء أم الله، أم المسيح، أم الكنيسة وأمنا. مكانتها عندنا لا تقاربها مكانة أخرى، واسمها يفوق كل اسم. ولقد احتلت هذه المكانة منذ اللحظات الأولى لظهور المسيحية في مصر. لذلك فقد كرمتها الكنيسة المصرية وكرست باسمها الكنائس، وأنشدت في وصفها المدائح ومازالت إلى الآن تحتفظ بالمكانة عينها في الكنائس وفي قلب كل مصري. يقول البعض بأن الكنيسة الكاثوليكية تبالغ في إكرامها فهل هذا صحيح؟ وهل هو مبني على أساس عقائدي وتاريخي سليم؟ هذا ما يجيب عليه نيافة الأنبا/ أندراوس سلامه في موضوعه الشيق الذي سبق فقدمه في راديو الفاتيكان عن العذراء مريم ومكانتها في الكنيسة المصرية.

 

إدارة المجلة

 

 

إن اسم أخت موسى وهارون التي عاشت في مصر كما جاء في سفر الخروج بالكتاب المقدس هو مريم. وقد يكون هذا الاسم مركباً من كلمتين معروفتين عند قدماء المصريون “مير آمون” (باللغة الصعيدية القبطية) وتعنيان “محبوبة آمون”. وآمون هو إله طيبه في عصر الدولة الحديثة من تاريخ مصر الفرعونية. فمريم إذاً معناها “محبوبة الإله” ولا عجب في ذلك إذ أن مريم أم يسوع هي المختارة منذ الأزل وإلى الأبد، أروع امرأة عرفها التاريخ وأشادت بمجدها وكرامتها وقدسيتها الأديان والشعوب.

ولقد كان لكنيستنا المصرية دور هام في ترسيخ أهم عقيدة تخصها بصفة رسمية ونهائية، في الكنيسة جمعاء، وذلك عندما تصدى القديس كيرلس الكبير بطريرك الإسكندرية الملقب بعامود الدين في مجمع أفسس عام 431 لنسطوريوس أسقف القسطنطينية الذي نادى بانفصال الطبيعة الإلهية عن الطبيعة البشرية في السيد المسيح، ورفض بالتالي لمريم لقب “والدة الإله” “ثيؤطوطوس” باللغة اليونانية، “ماسنوتي” باللغة القبطية، هذا اللقب الذي كان شائعاً في الكنيسة المصرية منذ زمن قديم ومتداولاً أيضاً في كنيسة القسطنطينية.

دافع بطريرك الإسكندرية عن اتحاد الطبيعتين في شخص المسيح اتحاداً كاملاً وكلياً مما أجاز تلقيب مريم “بوالدة الإله” وشجع بالتالي على تكريمها إكراماً خاصاً في الكنيسة كلها بسبب هذه الأمومة التي حازتها بولادة السيد المسيح.

إلا أن تكريم المصريين للعذراء مريم يعود إلى قبل ذلك بكثير إذ أنهم لم ينسوا البركة التي نالتها بلادهم بلجوء العائلة المقدسة إلى مصر هرباً من هيرودس. ولا تزال عشرات الكنائس والأديرة والمزارات في البلاد شاهدة على ذلك.

أمّا عن تعاليم الآباء فيحدثنا اكلمنضوس الإسكندري منذ الجيل الثاني عن مريم: المرأة فريدة الكمال، دائمة البتولية. ويقربها من الثالوث الأقدس ويشبهها تارة بالكنيسة، وأخرى بالكتب المقدسة. وأمّا في الجيل الثالث فيدافع العلامة أوريجانوس عن قداسة مريم في رسالته ضد شلسوس ملقباً إياها بعذراء العذارى.

وقد سار بطاركة الإسكندرية في تكريمهم للعذراء مريم على هذا المنوال ونخص بالذكر قبل مجمع أفسس البطريرك الكسندروس والبطريرك أثناسيوس الكبير اللذان أشادا ببتوليتها الدائمة وبقداستها المثالية.

وقد عثر في مصر على مخطوطات عديدة باللغتين اليونانية والقبطية بها عظات عن مريم وصلوات موجهة إليها: كالسلام عليك يا مريم وغيرها، نخص بالذكر مخطوطاً من ورق البردي يرجع تاريخه إلى منتصف القرن الثالث الميلادي وهو موجود منذ عام ألف وتسعمائة وسبعة عشر بمدينة (Manchester) في انجلترا، وبه الصلاة المشهورة والتي تبدأ بهذه الكلمات “تحت ظل حمايتك” والتي تُصلى الآن شرقاً وغرباً. ويُقال عنها باللاتينية: Sub Tuum Praesidium والتي تدل على مدى تكريم العذراء مريم في مصر قبل مجمع نيقيه عام 325 إذ تُلقب مريم في هذا المخطوط بوالدة الله، الطاهرة وحدها، ملجأ المؤمنين في المخاطر.

وقد كرّس المصريون العديد من الكنائس لاسم العذراء مريم يذكر منها المؤرخون على الأقل أربعة يرجع تاريخها إلى الجيل الثالث الميلادي أي قبل مجمع نيقية.

واستند تكريم مريم العذراء في كنيستنا المصرية منذ أوائل المسيحية حتى اليوم على كرامتها الفريدة لقربها من الله “أكثر من كل خورس الملائكة” كما يقول تيودوسيوس الإسكندري وعلى أمومتها الإلهية وبتوليتها الدائمة ولذا كان الاحتفال بميلاد السيد المسيح احتفالاً بها أيضاً وأول أعيادها.

ثم جاء بعد ذلك الاحتفال بذكرى نياحها في 21 طوبة من التقويم القبطي المقابل 16 يناير وعيد انتقالها إلى السماء في 16 مسرى المقابل 15 أغسطس ولها أعياد أخرى كثيرة منها ما يخصها وحدها ومنها ما تشارك فيه ابنها الإلهي وقد اعتاد الأقباط أيضاً الاحتفال بذكرى تكريس كنائسها.

ولكن أهم الأعياد هو بدون شك عيد ميلاد السيد المسيح الذي امتد الاستعداد إليه إلى أسبوع من الصلوات ثم إلى شهر بأكمله تُكرّم فيه مريم مع ابنها الإلهي، وتسمى هذه الصلوات بالثيودوكيات أي التماجيد الخاصة بأمومة مريم الإلهية وتقام في شهر كيهك من كل عام. واقترن هذا الاستعداد بالصوم المقدس، ويصوم جميع الأقباط أيضاً خمسة عشر يوماً استعداداً لعيد انتقالها إلى السماء في شهر أغسطس من كل عام.

وفي ختام حديثنا هذا نذكر بعض الألقاب والصفات أو التشابيه التي يحلو لنا نحن الأقباط أن نطلقها على مريم في ممارساتنا التقوية: فهي قدس الأقداس، الفردوس الحي، أورشليم السمائية، باب السماء، السماء الثانية، تلك التي أحشاؤها هي أكثر اتساعاً من السماوات، الممتلئة نعمة، المباركة، الملكة كلية القداسة، أم القديسين، فرح الملائكة، موعظة الأنبياء، اللؤلؤة الثمينة، الإناء الذهبي، الإناء المختار، العروس بلا عيب، العروس بلا زواج، سيدة العذارى، زينتهم، فخرهم، مجدهم، الطاهرة وحدها، حواء الجديدة، سيدة السيدات وشرف النساء، مظلة الله، تابوت العهد، المجمرة الذهبية، العليقة الغير محترقة التي رآها موسى في البرية، باب المشرق المنار المضيء، حمامة من نور، المصباح الذي ر ينطفيء، مدينة الله، مدينة الملك العظيم، أم المسيح فرح العالم؛ عرش المسيح مكان راحته، الكرمة حاملة عنقود الحياة، باب الحياة العقلي، أم حياة العالم بأسره، نبع صافي للماء الحي، حقل خصب، الصخرة القوية، الحصن المنيع الذي لا يُقهر، أصل خلاصنا وخلاص جنسنا، تاج قلوبنا وتاج مجدنا… باختصار رجاؤنا.

هذه هي مكانة مريم عندنا نحن الأقباط والتي ندعوها كل صباح قائلين “أنت هي أم النور المكرمة من مشارق الشمس إلى مغاربها، يقدمون إليك تمجيدات يا والدة الإله، السماء الثانية لأنك أنت هي الزهرة النيرة غير المتغيرة والأم الباقية عذراء، لأن الآب اختارك والروح القدس ظللك والابن تنازل وتجسد منك فاسأليه أن يعطي الخلاص للعالم الذي خلقه وأن ينجيه من التجارب آمين.

عن مجلة صديق الكاهن العدد الرابع 1993