ملعون من إتكل على ذراع بشر – الأب وليم سيدهم
ملعون من إتكل على ذراع بشر
يُعتبر إرميا النبي أحد الأشخاص الذين نالوا قسطًا من العذاب ليس بقليل من بني وطنه اليهود. لقد كان لسانه حادًا ونبؤاته متشائمة، ولكن في السياق التاريخي كان لديه حق. فقد تمايل الحكام اليهود كالبندول، في عصره بيد القوى العظمى في ذلك الوقت (مصر وبابل ) ولكن كانت نبؤات إرميا النبي بدافع محافظة ملوك إسرائيل على الإصغاء إلى وصايا الله أولًا والإعتماد عليه بشكل كلي.
ونذكر هنا كيف صرح غرميا أكثر من مرة لتخليصه من أنياب رؤساء وكهنة إسرائيل ولكن يبدو أن الله جعل من إرميا عبرة لمن يعتبر لقد أعطاه شرف التعلق به في كل الظروف ليمتحن غيمانه به.
هذا التصريح “ملعون من اتكل على ذراع بشر” تصريح عنيف يكاد ينسف كل شقة بين الإنسان وأخيه، ولكن إذا عرفنا أن الإنسان مهما فعل لأخيه فلن يستطيع أن يكون سندًا مطلقًا له مثل الله.
وجاء في الكتاب المقدس أيضًا تأكيدًا على روعة حنان الله وحمايته للإنسان تقول الآية: “إن نسيت الأم رضيعها .. لن انساكم”
كذلك خبرتنا في الحياة تزودنا بهذا القلق الوجودي الذي ينتابنا حينما نعلم مثلًا أننا مرضنا بالسرطان أو حتى بالأنفلونزا فإن أحبائنا ووالدينا وأقرب الناس إلينا ليس بوسعهم أن ينقذونا من المرض، غاية ما يستطيعه الأهل والأصدقاء هو حملنا إلى الطبيب، والطبيب لن يشفي المريض أيضًا ولكنه يكتب له علاجًا، وهذا العلاج في حالة الأمراض المستعصية والمزمنة لن يحل المشكلة وإن استطاع تخفيف الألم.
ولكن ما هو دور الله هنا؟! إن الله كلي القدرة يمكنه شفاء المؤمن ولو عنده إيمان مثل حبة الخردل، ولكن أيضًا يتحدث الله بروحه القدوس في أعمق أعماق الإنسان ويرافق ويُعزي ويفتح طاقة الأمل للمريض.
وإذا كان المسيح نفسه مات وصلب فإنه حتى الموت بالنسبة للإنسان المؤمن لن يكون له الكلمة النهائية ولكن رجاء القيامة والنظر إلى كوكبة الشهداء والأصدقاء والأنبياء لا بل والإبن يسوع المسيح يفتحون أذرعتهم لنا لكي نستريح من كل أتعابنا منذ أن نشعر أن حياتنا أصبحت خارج عن إرادتنا ولكن أصبحت في يد الله.
إن الرجاء الذي يمكننا أن نضعه في رحمة وحنان المسيح أو الآب السماوي لن يوفره لنا أي شخص من البشر مهما كنا أقرباء أو أصدقاء لهم، كل ما يمكن أن يفعلوه أن يشيروا لنا بالأصبع إلى الله والمسيح القائم من بين الأموات الذي يضمن لنا الحياة الأبدية إلى جانب سيرتنا البشرية على الأرض.
في النهاية إن اللعنة التي نطق بها إرميا القصد منها أن لا ننسى أنفسنا ونتشبث بأي شخص من البشر مهما كانت غلاوته عندنا ليحل محل القدوس الرب القوي الممجد والحنان، ولكن هذه اللعنة لا تعني أن ننصرف تمامًا عن علاقتنا بالبشر بل أن نعاملهم كبشر ونعمامل الله بصفته مصدر الحياة.